الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تطويع السودان

محمد سيد رصاص

2008 / 4 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


تزامن وصول الإسلاميين السودانيين للسلطة عبر انقلاب عسكري،يوم30حزيران1989،مع اللحظة السياسية التي أشَرت إلى انتهاء التحالف بين الحركة الإسلامية العالمية وواشنطن ضد موسكو في فترة الحرب الباردة على إثر انهيار(الكتلة الشرقية)في صيف وخريف عام1989 وماأعقب ذلك بعد سنتين من تفكك للإتحاد السوفياتي.وربما،كان يوم15شباط1989دالاً وفاصلاً في ذلك،وهو تاريخ انتهاء الإنسحاب العسكري السوفياتي من أفغانستان،التي كانت ميداناً رئيسياً لذلك التحالف الثنائي طوال الفترة التي أعقبت غزو موسكو لتلك البلاد في الشهر الأخير من عام1979.
حصل أول تفارق علني بين نظام(حسن الترابي- عمر البشير)وواشنطن في لحظة غزو صدام حسين للكويت،يوم2آب1990،لماوقفت الخرطوم في صف الأقلية بمؤتمر القمة العربية بالقاهرة،الذي عقد بعد أيام من ذلك،الرافضة لإدانة الغزو:وجد النظام السوداني،على إثر ذلك،نفسه معزولاً ،بعد توتر مع مصر التي ازداد فيها عنف الإسلاميين بالنصف الأول من التسعينيات،ومع السعودية التي لم تغفر لنظام الخرطوم موقفه من الموضوع الكويتي،فيما كانت إثيوبيا وإريتريا داعمتان للتمرد الجنوبي المسلح وللمعارضة الشمالية،لتنضاف أوغندا وكينيا إلى ذلك بعد أن أمنتا للعقيد جون غارانغ سنداً،كان من الواضح انه يشكل رأس حربة واشنطن الإقليمية ضد الخرطوم،كما ظهر لاحقاً لما تزعمتا مجموعة(الإيغاد) في عام1993 التي رعت مفاوضات أزمة الجنوب السوداني بين الحكومة والمتمردين.
أمام ذلك،حاولت الخرطوم فك عزلتها،من خلال نسج علاقات مع طهران ،وفتح مجالات اقتصادية كبرى أمام الصين في مجال النفط ،وهو شيء حاولت اتباعه أيضاً مع فرنسة،التي قدمت لها"هدية"معتبرة تمثلت في تسليم(كارلوس)لمحاكمها في عام1994،وهو شيء قامت بشيء منه بعد عامين لما طلبت من(ابن لادن) مغادرة الأراضي السودانية:كان تحول الخرطوم إلى مركز اسلامي عالمي،كماأمل الدكتور الترابي،قد بدأ يصطدم بمنطق الدولة،وخاصة لماوصل إلى حدود متطرفة،كماحصل لما اكتشفت التحقيقات بأن محاولة اغتيال الرئيس مبارك،في مطار العاصمة الإثيوبية بشهر حزيران1995،قد نفذها اسلاميون مصريون انطلقوا وتلقوا توجيهاتهم من قياديين لتنظيم(الجهاد) موجودين في السودان.
أدى هذا إلى صراع بين منطقي(الدولة-السلطة)و(الثورة-الحركة)،إلى أن تمَ حسمه،بالشهر الأخير من عام1999،عبر"انقلاب أبيض"تفرَد من خلاله الفريق البشير بالسلطة،بعد ابعاد الدكتور الترابي.رغم ذلك،فإن علاقات السودان،التي اتجهت للتحسن على إثر ذلك مع القاهرة والرياض واستفادت من التناقضات الإثيوبية- الإريترية الناتجة عن حرب1998بينهما،قد بقيت في حالة اصطدام بالحائط المسدود الذي أقامته واشنطن أمامها،فيما ازداد إوار التمرد الجنوبي اشتعالاً،الذي ظلت أسمرة ونيروبي وكمبالا قوى دعم ومساندة له تحت رعاية العاصمة الأميركية وتشجيعها.
هنا،كان توقيع(اتفاقية مشاكوس)تموز2002محصلة لتوازن كان واضحاً اختلاله لصالح حركة التمرد الجنوبية ضد السلطة السودانية،إذا أخذنا بعين الإعتبار مطالب وأجندات الطرفين المعلنة في الصراع الطويل بينهما،وهو ماازداد اختلالاً في(اتفاقية نيفاشا)كانون ثاني2005،التي أتت بعد اشتعال اقليم دارفور في شهر شباط2003،ليحصل الجنوبيين على مايريدون في مواضيع تقاسم المناطق والثروة والسلطة،إضافة إلى(حق الإنفصال)،أوالبقاء،عبر استفتاء جنوبي قررت الإتفاقية الأخيرة عقده بعد ست سنوات.
ماحصل عبر الجنوب يحصل،منذ خمس سنوات،عبر دارفور،حيث يلاقي تمرد الإقليم الغربي دعماً واسعاً من الغربين،الأميركي والأوروبي،إضافة للمحيط الإفريقي،وكل محاولة اقليمية متفردة للحل،كما جرى من قبل ليبيا ونيجريا في شهر أيار2006 عبر(اتفاقية أبوجا)التي وقعت بين حكومة الخرطوم والفصيل الرئيسي للتمرد الدارفوري،يجري تفشيلها كما حصل في تلك الاتفاقية التي رأينا على إثرها دعماً غربياً للمنشقين عن ذلك الفصيل= عبد الواحد محمد نور وللحركة المنافسة الأخرى= حركة العدل والمساواة الرافضون للاتفاقية،ماخلق وقائع معاكسة جعلت الحبر الموقع من دون تنفيذ على الأرض.في الوقت نفسه،فإن حكومة الخرطوم قد أصبحت عملياً من دون سلطة على الجنوب ومدنه،بعد أن انسحبت القوات الحكومية من هناك إثر(نيفاشا)،وجرى انشاء سلطة جنوبية محلية وضعت رجالات حركة التمرد السابقين في المناصب الكبرى والإدارة،في الوقت الذي أصبحوا فيه في مراكز رئيسية بالحكومة المركزية بالخرطوم.
في ظل وضع،كهذا،يجد الرئيس البشير نفسه في وضعية مشابهة لصدام حسين بين عامي1991و2003بعد انتهاء حرب الكويت:ظهره للحائط ،وكلما قدم تنازلاً تزداد شهية الطرف الآخر،وضغطه،من أجل تنازل أكبر.الفرق،هنا،أن الحصار الخارجي(والضغط)يعتمد على قوى محلية،وبنية داخلية مأزومة توجد بها بؤر مشتعلة،فيما احتاج الأمر في العراق إلى حركة عسكرية من واشنطن لغزو الداخل العراقي من أجل تحقيق الأجندات،بعد أن لم يستطع الحصار الخارجي(والضغط)تحويل الوضع الداخلي(الممسوك بالعنف السلطوي)إلى مسارات ملائمة للعاصمة الأميركية.ويبدو أن استراتيجية واشنطن في ذلك تعتمد على الإزاحات لمواقع وأجندات فريق السلطة من خلال ديناميات يمكن أن تولدها اشتعالات أكبر في دارفور،أوربما مجدداً في الجنوب بعد احتكاكات كبرى حصلت مؤخراً في منطقة(أبيي)الغنية بالنفط ،التي لم تحسم(اتفاقية نيفاشا)وضعها بشكل واضح،هذا إذا لم تحصل اشتعالات في مناطق أخرى،مثل اقليم كردفان،الذي ظهرت فيه بوادر متفرقة على قرب ذلك.
لماذا كل هذا الإهتمام الأميركي- والغربي- بالسودان؟.................










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة