الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة لأسوان

إكرام يوسف

2008 / 4 / 23
الادب والفن


ما أن انتهيت من ترجمة كتاب "روح مصر القديمة" حتى اجتاحني حنين عاصف لزيارة الأجداد..رغبة عاتية في الاعتذار عما فعلناه بميراث تركوه لنا.. أردت أن أقول لهم "وشي منكم في الأرض"!.. راودتني خيالات بقيت تناضل في الذاكرة ضد عوامل الزمن.. مازلت أذكر سنوات الطفولة الأولى.. اللعب بين تماثيل خرافية الارتفاع، بصحبة والد يعمل مهندسا للآثار.. يمل أحيانا من صخبي فيرفعني ويتركني على قاعدة تمثال جرانيتي هائل.. أعترض قليلا، ثم أهدأ، ويداعبني النوم على واجهة قدم رمسيس (بالطبع لم أكن أعرف يومها أي من الرعامسة هو!).. أتذكر إحساسا منعشا؛ عندما أضع خدي على أصبع قدم التمثال العملاق فأنعم ببرودة الجرانيت وسط حر الصيف.
سرعان ما أعجب زوجي بالفكرة، وإذا بالطائرة تأخذنا إلى أسوان ثم الأقصر.. غمرتني مشاعر فرحة طفل تائه عاد لتوه إلى أحضان الأهل .. فرحة شابها نوع من الشجن وأنا أتحسس بقايا ما تركه أجدادنا من براهين تؤكد أننا بالفعل "ولاد ناس طيبين" ولا نستحق ما نحياه من واقع؛ نحن بالتأكيد أهم المتسببين فيه.
لكن أروع ما قابلته في أسوان.. أهل أسون أنفسهم.. روح طيبة لم تستطع تلويثها القرون..رغم أن العمل في خدمة السياح أكسب البعض قدرا من الحنكة وربما "الفهلوة" لزوم "التحايل على المعايش".. إلا أن ما بقي لهم من رصيد طيبة القلب والكرم والجدعنة مازال يكفي ويفيض..
ما أن خرجنا من باب الفندق، حتى بادرنا "مبارك" .. "هالو.. كان آي هلب يو؟".. ثم انتبه إلى ملامحنا المصرية فقال"حنطور يابيه؟".. قال زوجي "لم لا، دعنا نتحنطر على رأي سعد الصغير".. ومنذ هذه اللحظة أصبح "مبارك" قدرنا.. ما أن نذهب إلى مكان حتى يفاجئنا بظهوره كعفريت مصباح علاء الدين عارضا خدماته.. فإذا لم يكن مشوارنا ممكنا بالحنطور، نجده في لحظة قد "شق الأرض" وأخرج لنا قريبا له لديه تاكسي.. في صباح أحد الأيام قلنا له أننا مللنا طعام الفندق "عايزين نعيش عيشة أهلينا وناكل فول وطعمية".. في لحظات يقطع بنا حواري المدينة ليقف أمام مطعم فقير، من الواضح أنه الذي يتناول فيه شخصيا إفطاره .. المطعم فقير.. لكنه نظيف للغاية.. قررنا ألا نحرجه وأن نخوض المغامرة حتى نهايتها.. شجعتنا ابتسامة صاحب المطعم الطيب.. طلبنا طعاما ثم أردفت "ممكن ناخد شاي بنعناع بعد الأكل".. فكر ثانيتين ثم قال "ممكن، لكن يمكن ما يكونش فيه نعناع".. أخبرته بموافقتي.. بعد تناول الطعام سألته عن تأخر الشاي.. أجاب بتلقائية "أصلنا ما بنقدمش شاي في المطعم، بعت أجيبه من البيت" .. بعد لحظات وصلت صينية الشاي عليها كوبان نظيفان و"سكرية".. أخذ منا حساب الطعام، ورفض بإصرار أخذ حساب الشاي".. "عيب.. أنتم ضيوف"!
خرجنا نتسوق بعض التذكارات.. ولأني وزوجي لا نجيد بالمرة أساليب "الفصال"، لا نجهد نفسينا في ادعاء "الشطارة"، فإذا رأينا الثمن معقولا اشترينا، وإلا نترك المحل فورا غير آسفين. عند محل إكسسوارات.. فوجئنا بعد دفع ثمن المشتروات بصينية عليها كوبان من الشاي أصر التاجر على تقديمهما تحية لأننا "ضيوف".. وعند محل الملابس التذكارية .. لا أعلم لماذا خطر على هوى زوجي فجأة أن يجرب المساومة على سعر آخر "تي شيرت" قال التاجر "عشرون جنيها" فأصر زوجي "خمسة عشر".. وإزاء إصرار التاجراعتذر زوجي عن الشراء، ودفعنا ثمن بقية المشتروات.. فإذا بصينية شاي مماثلة قد حضرت، اعتذرنا بأننا شربنا عند المحل الذي يجاوره، ليفاجئنا بإصرار على إعطائنا زجاجتي عصير "تشربوهم وقت ما تحبوا".. هنا أعلن زوجي رغبته شراء التي شيرت "أبو عشرين" فقال التاجر" لأ..خمسة عشر".. وانقلب الأمر إلى مساومة عبثية؛ زوجي يصر على دفع العشرين والتاجر مصمم على السعر الأقل طالما نرغب في الشراء، وإلا اعتبر أننا نعطيه ثمن ما قدمه من "تحية الضيوف"..
أهل أسوان الطيبين.. أدعو الله أن يديم عليكم طيبة قلوبكم .. وأن ينفحنا بعض سجاياكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟


.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و




.. كاظم الساهر يفتتح حفله الغنائي بالقاهرة الجديدة بأغنية عيد ا


.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف




.. فرحة الفنانة أمل رزق بخطوبة ابنتها هايا كتكت وأدم العربي داخ