الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنقذوا زهير أحمد القيسي

مازن لطيف علي

2008 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


للتاريخ مآسيه. وأكثرها إثارة ما لا يثير في العقل والضمير حرص التأمل في مآثره وعبره. وهي الفكرة التي يمكن أن يتوصل إليها المرء في مجرى تأمله حياة أبو حيان التوحيدي وذكراه العميقة في تاريخ الثقافة العربية الإسلامية.

غير أنها تصبح اشد إثارة عندما نتأمل حياة زهيراحمد القيسي على خلفية الماضي والحاضر والمستقبل. ولعل مفارقة هذه الظاهرة تقوم في تغييبه وهو بين أظهرنا وهي المفارقة التي تشير أولا وقبل كل شيء الى طبيعة الانحطاط المعنوي للثقافة والمجتمع والدولة تجاه ثرواتها الكبرى!
وهي حالة يمكن فهم أسبابها ومقدماتها في المرحلة السابقة التي كان الفكر والإنسان والتراث مجرد خادم وضيع للسلطة. وهي المهمة التي لم يكن بإمكان رجل الفكر والثقافة والتاريخ الفعلي ألا يسير بالضد منها. وهو المنحى الذي أسس لشخصية زهيراحمد القيسي وغمره في الوقت نفسه على ضفاف دجلة، في انتظار صدفة الزمن "الجديد". لكننا نقف من جديد أمام الحقيقة المرة القائلة: بان إعادة الاعتبار لمبدعي الثقافة الفعليين والكبار يفترض أولا وقبل تمتع النخب السياسية ورجالها بفكرة الدولة والأمة. بمعنى إدراك قيمة المبدعين بوصفهم الثروة الكبرى للسلطة والدولة والأمة والتاريخ. إن شخصية زهيراحمد القيسي وأثرها ومآثرها وواقعها المزري الحالي هو دليل على غياب فكرة الدولة ورجل الدولة ومؤسسات الثقافة الفعلية في العراق. بمعنى إننا نقف أمام استرجاع وعودة لأشد وأتعس أشكال "الاهتمام بالثقافة" التي لا ترى في المبدعين غير أدوات المصالح الحزبية الضيقة. وهي أدوات هشة! عادة ما تتحول الى حطب الصراع اللاعقلاني وعطب المحارق الداكنة فالجميع يعرف الباحث التراثي الكبير زهير احمد القيسي! ورغم تاريخه الحي وحياته بيننا إلا انه يغيب في أجواء بغداد المدوية ليظهر في ملامحه المتعبة لاستلام راتبه (تقاعده) الهزيل، ليكشف هزال فكرة الدولة والثقافة وموت الإبداع وليس غريبا أن يستغرب الكثيرون عندما يعلمون بأنه ما زال على قيد الحياة ويعاني من اشد ظروف الحياة مرارة!! بينما تنعم "مؤسسات الثقافة" و"وزارتها" بمآثر القيسي وأمثاله! بمعنى أنها تعيش وتعتاش على مآسيهم! وهي حالة اقرب ما تكون الى الخطيئة منها الى خطأ لقد قضى زهير احمد القيسي أكثر من ستين عاماً من حياته الثقافية المعقدة في إثراء وتطوير اللغة العربية. كما أنجز وطبع ثمانية وعشرين كتابا في مختلف ميادين المعرفة. وقد يكون من بين أكثرها أهمية وإثارة كتاب (تاريخ الشطرنج الكبير)، الذي يمكن تصنيفه على انه احد روائع الكتب التاريخية الثقافية والفكرية.
لقد أراد القيسي أن يعلّم البشر كيفية تمرين النفس والذهن على الفوز دون قتل ودماء، لكنه يموت بطيئا بين ركام الجهل والتجاهل وعدم المبالاة به وهي الحالة التي تستعيد في أكثر من جانب شخصية أبي حيان التوحيدي. فقد حرق التوحيدي اغلب مؤلفاته احتجاجا على عدم إنصاف الدولة والمجتمع لما قام به وسعى إليه. إما القيسي، فانه اقل إفراطا في تحسس موقعه في ضمير الثقافة والدولة، بسبب سموه الروحي والمعرفي. فهو ما زال مستمرا في الكتابة والقراءة رغم شيخوخته وحالته الصحية السيئة. إذ يجد فيه متنفسه الوحيد. وعندما تسأله لمن يقرأ الآن فانه يجيبك: في السنوات الخمس الأخيرة كل من كتابات الراحل هادي العلوي والبروفيسور ميثم الجنابي ذلك يعني انه يحس بنبض الحياة وإشكالاتها الفكرية الأعقد انه شيخ المستقبل أيضا وهي الصفة التي تضع أمام الدولة ومؤسساتها الثقافية مهمة إعادة الاعتبار إليه، بوصفه احد أعمدة تراثها الثقافي. وان تضع مهمة الاهتمام بمخطوطاته التي تبلغ الخمسين ضمن كنوزها الثقافية. وحينذاك فقط يمكننا أن نتخلص مما سيقوله التاريخ اللاحق عنا عندما يتأمل ما قمنا وما كان بإمكاننا القيام به تجاه القيسي.
إن إعادة الاعتبار للقيسي والاهتمام به هي مهمة حكومية واجتماعية ووطنية وتاريخية وثقافية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الأميركي: دمرنا محطة تحكم و7 مسيرات للحوثيين في اليمن


.. درجات الحرارة بالعراق تتجاوز الـ50 والمختصون يحذرون من الأسو




.. ما آخر تطورات العملية العسكرية بحي الشجاعية شمال غزة؟


.. رقعة| تدمير الحي الإداري برفح نتيجة العدوان الإسرائيلي على غ




.. وزارة الداخلية الإيرانية تعلن التوجه إلى جولة ثانية من الانت