الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ساقطة.. ساقطة.. ساقطة

عاصم بدرالدين

2008 / 4 / 24
الارهاب, الحرب والسلام


قتيلان في زحلة. إطلاق نار على تجمع حزبي يودي بحياة سليم عاصي ونصري ماروني. قيل أن القاتل ينتمي إلى "جماعة النائب سكاف". الأسماء في الموت لا تعني الكثير. فالقاتل يصنف على أنه قاتل، والقتيل هو القتيل، أي أن فعل القتل أو التقاتل وحده يكفي لتصوير بشاعة الحدث. وفي لبنان يمكن للقتيل أن يصبح قاتلاً وللقاتل أن يصبح قتيلاً، فالثأر من أبرز خصائص المجتمع القبلي.
حدث الموت هذا، سيمر مرور الكرام، بعد أن تنجح الفعاليات الزحلاوية في تهدئة النفوس وضبط عناصر الصراع مع بعض ردات الفعل السلبية البسيطة. وهذا ما كان يحصل عقب أي إشكال: أحداث الجامعة العربية، مقتل عدنان شمص، إختطاف الشابين زياد قبلان وزياد غندور ومن ثم قتلهما ويضاف إليهم جميع أحداث إطلاق النار إحتفالاً وتجمعات إحراق الإطارات والموت العابر.
والتشابه المثير في جميع هذه الأحداث، دعوات التهدئة المتسارعة من الجهات المختلفة من جهة، ومن جهة أخرى غياب الحساب. قليلة هي الجرائم التي يكشف القضاء عن مرتكبيها، لأن كل شيء على هذه الأرض يخضع للتوازنات الضيقة. فأحداث الجامعة العربية لم تعد إلا ذكرى صراع "بين أبناء الحي" و شمص أعلن عن هوية قاتله، لأن القاتل كان خارج تجاذبات الصراع، بمعنى أخر كان من التبعية السورية أي غير منتمي لأي من فريقي الصراع. أما المغدورين قبلان وغندور، فحتى الآن لم يكشف النقاب عن وجه القاتل، الهارب تحت عباءة إنتمائه. لا يهم، فعلاً!

لنعد إلى مقتلة زحلة، والقتيلين والجريحين الذين سقطوا، نتيجة إطلاق نار من سلاح قيل أنه فردي. فقد اوضح النائب سكاف بعد اجتماع عقدته الكتلة الشعبية ان ما حصل هو خلاف شخصي على افضلية المرور تطور من تلاسن الى اطلاق نار. نعم هو هكذا، وهذا ما برز في صحف اليوم التالي. لكن الأسئلة التي تطرح نفسها بشدة بعد أي حادث مماثل: من الذي جعل اللبناني يطوّر صراعه من التلاسن إلى إطلاق النار بهذه السرعة؟ ومن الذي جعله قنبلة سريعة الإنفجار؟ من أين أتى كل هذا الحقد وهذا السلاح؟
إذاً ليسمح لنا السيد سكاف سليل العائلة العريقة، أن نقول أن لا معنى لكلمة "خلاف شخصي أو فردي" في مجتمع جماعي كالمجتمع اللبناني. فالثقافة اللبنانية الراهنة، تقوم على مفهوم الجماعة ( الطائفة، أو الحزبي-الطائفي، أو العائلي كالذي يمثله السيد سكاف) فهذا السلاح الموصوف بفرديته، هو ناتج عن إرادة الجماعة، شئنا أم أبينا، شئت أم أبيت. لا يمكننا الفصل، اليوم في لبنان، بين ما هو فردي وما هو جماعي، وهذا السلاح الحربي -غالباً- مرتبط بإرادات الطوائف والعشائر اللبنانية.
الأمر نفسه ينطبق على كافة الإشكالات. فأحداث الشياح، التي تبرأ منها كلا من حزب الله وحركة أمل رغم أن المنطقة تأييداً تابعة لهما (كأن الفاعل أنزله الله!)، هي نتيجة طبيعية، لتراكم الفعل التحريضي الموجه ضد ما يسمى "السلطة" أو حتى "الأخر-المختلف". والرصاص الذي أطلق حينها لم يكن إلا سلاحاً حزبياً بالمفهوم المباشر أو الرمزي.
إن فكرة إستخدام السلاح لإطلاق الرصاص على مواطن أخر بغية قتله، هي فكرة حزبية-قبائلية-عشائرية، إنتشرت في صفوف الجماعات اللبنانية منذ الحرب الأهلية (إذا لم يكن قبل ذلك حتى، لكن ضمن المنظومة الجماعية بأي حال:عائلية، عشائرية، طائفية، حزبية). بمعنى أخر، حتى لو كان سلاح الجريمة، هو سلاح صيد مخصص فقط لقتل الطيور، يحق لنا إعتباره سلاحاً حزبياً، لأن روحية القتل، قتل الأخر المختلف عقائدياً وفكرياً وحزبياً ودينياً، هي روحية مستمدة من العمل الحزبي اللبناني (المتخلف طبعاً) المتوازي-المرتبط مع الفكر العشائري أو الطائفي.
لا يستطيع أحد أن ينكر عشائرية ووضاعة العمل السياسي اللبناني، وهنا أستحضر كلاماً تفوه به الرئيس السابق أمين الجميل الأسبوع الماضي، تعقيباً على ندم النائب ميشال المر، فحواه أن المر "رجِّال آدمي وبيفهم بالأصول، فآل الجميل هم الأحق في تمثيل منطقة المتن"!
لذا يحق لنا القول -لو ثبت أن الجاني هو من أنصار النائب سكاف- أن سكاف نفسه المسؤول عن دماء الضحايا، وهذا الأمر يلقى أيضاً على عاتق حزب الكتائب نفسه. لأن التحريض في لبنان ذو صفة مشتركة.
الأهم، الأهم من كل هذا، هو ردة فعل السلطات اللبنانية على الحادث، فقد "أجرى رئيس الوزراء فؤاد السنيورة اتصالات عاجلة شملت الرئيس امين الجميل ووزير الدفاع الياس المر ووزير الداخلية حسن السبع وآخرين وأعطى توجيهاته الى القوى الامنية بمعالجة سريعة وحازمة لآثار الحادث وبتدابير فورية في حق المتسببين به ومطلقي النار" هذا البيان الصحفي الصادر عن أمانة مجلس الوزراء، متكرر فعلاً ويصدر بشكل تلقائي بعد كل حادث أمني. فقد كان بإمكان المواطن اللبناني الحذق العودة إلى الأحداث السابقة وملاحظة التشابه في ردات الفعل، مع تغيير طفيف في بعض الأسماء تبعاً لهوية طرفي الصراع. فالحكومة اللبنانية، اليوم، تلعب دور المشاهد للحدث أو الطرف الأضعف في المعادلة. فهذه البيانات والتصريحات لا قيمة حقيقية لها، إن لم يعاقب المجرم ومن حرضه وجيشه ودفعه، وإن لم تحل مشكلة السلاح "الفردي-الجماعي" المنتشر بكثافة على الأراضي اللبنانية.
لا تتفاجؤا إن قلنا أن عناصر القوة الأمنية "تعتقل" ويجري "التحقيق معها" في العديد من المناطق اللبنانية، وخصوصاً الضاحية الجنوبية لبيروت حيث نفوذ "الحزب اللبناني المسلح" حزب الله.
فهذه السلطة، التي يحق لها إستخدام كافة الوسائل لحماية أمن شعبها، تحتاج آنياً لمن يحميها!
عندما تصبح التنظيمات الحزبية، أقوى عسكرياً وتنظيمياً، من التنظيمات الرسمية المسلحة، يمكننا القول وبراحة ضمير وهدوء سمج، أن هذه الدولة: أرضاً وشعباً ومؤسسات، هي دولة ساقطة.. ساقطة.. ساقطة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد ما حدث لناطحات سحاب عندما ضربت عاصفة قوية ولاية تكساس


.. المسيرات الإسرائيلية تقصف فلسطينيين يحاولون العودة إلى منازل




.. ساري عرابي: الجيش الإسرائيلي فشل في تفكيك قدرات حماس


.. مصادر لـ-هيئة البث الإسرائيلية-: مفاوضات إطلاق سراح المحتجزي




.. حماس ترد على الرئيس عباس: جلب الدمار للفلسطينيين على مدى 30