الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإستيقاظ الجديد للنزعة الحربجية العربية

محمد سيد رصاص

2008 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


في عدد جريدة"البعث"،ليوم22أيلول1962،كتب ياسين الحافظ مقالاً يرد فيه على بيان صادر عن أكرم الحوراني ،بتاريخ21آب1962،يتهم فيه الأخير الرئيس عبد الناصر بالتقاعس في قضية فلسطين و"التنازل"أمام اسرائيل من خلال موافقته بعد حرب1956 على وجود قوات الطوارىء الدولية عند مدخل خليج العقبة والسماح المصري للسفن الإسرائيلية بالمرور عبر مضائق تيران،داعياً-أي الأستاذ الحوراني-إلى حرب لتصفية وجود اسرائيل تبدأ من خلال سحب مصر لقوات الطوارىء الدولية وغلق خليج العقبة أمام السفن الإسرائيلية أوالآتية من مرفأ إيلات وإليه(يوجد نص المقال في كتاب:"حول قضايا الثورة العربية"،دار الحصاد،دمشق1997،ص ص225-243).
خلال سنوات عشر،بين عامي1957و1967،وجد عبد الناصر نفسه عرضة لهجومات تشكك في موقفه القومي واخلاصه لقضية فلسطين بسبب وجود قوات الطوارىء الدولية،الذي أتى كثمن لانسحاب اسرائيل من سيناء وقطاع غزة بعد حرب السويس،لم تأت فقط من القوميين،في حزب البعث أوالذين كانوا في البعث مثل الأستاذ الحوراني حتى انفصاله عنه في أيار1962،وإنما أتت حتى من اليمين،من عند حكم الإنفصال السوري ومن الإعلام السعودي وصولاً للملك حسين،لدرجة وجد الرئيس المصري نفسه معزولاً في القمة العربية الأولى عام1964بين المزاودات التي حاصرته من اليسار واليمين،والتي وصلت إلى حدود المواقف الأقرب للهزلية،كما عندما رفض الرئيس السوري أمين الحافظ – وفقاً لرواية أحمد الشقيري في مذكراته- موضوع البحث في مشروع تحويل ينابيع نهر الأردن،مقترحاً خطة لتحرير فلسطين خلال أربع وعشرين ساعة،مادفع الرئيس الجزائري بن بيللا هازئاً،والذي كان يرأس جلسة القمة،إلى اقتراح بتعليق الجلسة لثمان وأربعين ساعة ريثما تتم تلك الخطة.
وجدت اسرائيل الفرصة سانحة لشن الحرب،عندما قرر الرئيس عبد الناصر سحب قوات الطوارىء واغلاق مضائق تيران في يوم19أيار1967،على خلفية تلك الضغوط والمزاودات التي استمرت لعقد كامل من الزمن،بعد أن أبلغه السوفييت بمعلومات عن حشودات اسرائيلية على الجبهة السورية،ثبت –وفق مانشرته الصحف الاسرائيلية في الذكرى الأربعين للحرب- بأنها فُبركت وسربت من اسرائيل لموسكو عبر عميل مزدوج،ايراني- سوفياتي، كان موجوداً في جهاز المخابرات الإيرانية(السافاك).والملفت للنظر في تلك الحرب هو كيف بدأت اسرائيل فيها بضرب الرأس العربي،في مصر،ثم انتقلت بعده لإلتهام الجسم،بالضفة الغربية والجولان،في خلق لوضع جديد بالمنطقة،كان تأسيساً لتدهور عربي في الأوضاع كافةً بدأ منذ تلك اللحظة الفاصلة صباح يوم5حزيران1967،ولم يتوقف مساره طوال الأربعة عقود اللاحقة.
رغم النتائج الكارثية على العرب، التي خلفتها حرب1967، لم يتوقف ذلك الذهن السياسي العربي الحربجي عن الإنتاج،حيث عانى الرئيس عبد الناصر من هجومات وحملات تشهير ومزاودات بسبب قبوله ب(القرار242)22تشرين الثاني1967وبمبادرة روجرز في صيف1970،كماأن مفكرين عرب،مثل الياس مرقص وياسين الحافظ،قد كانا معزولين في الوسط السياسي العربي،في الثلاثة أعوام الفاصلة عن هزيمة1967،وسط ركام من النزعات "الظفارية"و"الحربجية"التي لاتقبل بأقل من تحرير فلسطين كاملة وفوراً.
منذ نهاية عام1970بدأت تلك النزعات الحربجية بالإندثار والخفوت تحت ثقل التدهور العربي المتسارع،ولم تظهر إلافي لحظات متفردة،مثل تلك التي لوَح فيها صدام حسين في شهر نيسان1990 بالكيماوي المزدوج الذي "سيحرق اسرائيل"ولمًح لقدرته النووية،حتى انتهى ذلك كله بعد أربعة أشهر بوقوعه في فخ غزوه للكويت،وماولده هذا من لحظة جديدة سرَعت في التدهور العربي،كان أحد ذراها احتلال2003 الأميركي للعراق.
الآن،مجدداً،تستيقظ هذه النزعة الحربجية العربية على إثر حرب 12تموز2006:يلاحظ وجود هذه النزعة،في الوقت الراهن،عند الإسلاميين ،وبقايا القوميين،وعند بعض اليساريين الماركسيين الذين مازالوا محافظين على ماركسيتهم،حيث يرى هؤلاء بأن اسرائيل قد ظهرت،من خلال تلك الحرب،ك"نمر من ورق"،وأن عصر انتصارات اسرائيل قد انتهى،وهم لايضربون مثلاً ،فقط بأدائها في تلك الحرب،التي اعترفت لجنة فينوغراد بإخفاقها فيها لأنها لم تستطع تحقيق الأهداف المتوخاة اسرائيلياً منها،وإنما يبعدون إلى مسافات أكبر ،عندما يرون بأن انسحاب اسرائيل من قطاع غزة في عام2005 قد تمَ"تحت وقع ضربات المقاومة"،من دون أن يلامسوا التفكير الاسرائيلي من ذلك وهو التفرغ لإلتهام معظم الضفة الغربية بعد اعطاء الفلسطينيين "هدية مسمومة"،وفقاً لتعبير شارون آنذاك وقبله رابين الذي اقترح منذ الثمانينيات ذلك لماكان وزيراً للدفاع،متمثلة في إدارة الوضع بقطاع غزة، وماجرَه هذا من تقاتل فلسطيني- فلسطيني رأينا نتائجه في صيف2007.
في هذه الأيام تقترب الذكرى الستون لضياع فلسطين منذ يوم 15أيار1948:من يراقب مجرى الصراع مع اسرائيل،وقبلها مع اليهود في فلسطين قبل تأسيس تلك الدولة،يرى كيف كانت تجتمع،في الذهن الصهيوني،رؤية متكاملة لعلاقة الحرب بالسياسة،سواء من حيث وجود رؤية دقيقة في ذهن السياسي المعني للعلاقة بينهما،مثل بن غوريون،الذي كان يعرف متى يحارب،ومتى يقف وأين،ويدرك التمرحل وطرق الوصول للهدف،لتراه في لحظة سياسية شديد التصلب وفي لحظة أخرى مرناً،عبر ادراكه لأين التناقض الرئيسي،حيث يطرح وقتها(الثانوي)،أوسواء عندما لايتورع سياسي –مثل بن غوريون-عن استخدام أساليب وطرق المتصلبين الصهاينة الآخرين من أجل الوصول للهدف،كما استخدم بن غوريون ارهاب منظمات(الإرغون)و(شترن)ضد البريطانيين بين عامي1942و1948في الوقت الذي كان يقدم هو القفازات الحريرية للندن،ولكنه بعد يوم 15أيار1948 استخدم العنف والتهديد به لإجبار المنظمتين على حلِ نفسيهما والإنخراط في الجيش الإسرائيلي.
لانجد عند "الحربجيين"العرب ذلك،ولاعند"السلاميين"الذين أغلبهم هم على طراز السادات:أليست هاتين النزعتين،اللتان تتوزع السياسة العربية بينهما منذ عام1948،من علامات التدهور العربي المعاصر؟............








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة