الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحَسَــنة القليلة تدفع البلاوي الكثيرة !

مصباح الغفري

2004 / 1 / 3
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


في مسرحية المحطة للأخوين رحباني، يقول أنطوان كرباج وهو يمثل دور الحرامي للشحاذ :
- أنا آخذ المال من جيوب الناس بالقوة... يعني بطولة !
فيجيبه الشحاذ :
- وأنا آخذ المال من جيوب الناس بالإقناع، يعني... سياسة !

ويستمر الحوار لينتهي إلى التأكيد على أن البطل ( الحرامي ) والشحاذ ( السياسي ) ضروريان لمصلحة الأمة !

هذا الحوار يضع الإصبع على الجرح الناغر في جسد الوطن، بعد أن اختلط الحابل بالنابل، وأصبح التفريق بين السياسيين ورجال الأعمال  واللصوص مهمـــة شــاقة ، وأشـــق منها ، التفريق بين الأبطال والحرامية .

كان التسوّل مهنة أفراد، فأصبح في العقـــود الأخيرة سياسة دول وحكومات وقيادات تاريخية .
كانت اللصوصية بدائية فجة، فتحولت إلى عمل مشــروع يحميه القانون ورجال الأمن ، ويُوثق التعاقــد عليهــا لدى الكاتب العــدل !

أليســت عقــود حصــر " تهريب " التبغ والتنــباك ، وحصــر الإتجــار بالهاتف النقــال ، ســرقة موصــوفة ، لكنها مُوثقة لدى الدوائر الرســميّــة ؟
ماذا يعني أن يصبح أشــقاء  السيدة الأولى وأقارب مولانا السلطان  في أكثر من بلدٍ بلد عربي ، من أصحاب المليارات ؟
ماذا يعني أن " ينطَّ " ابن الرئيس وابن القائد ، إلى مصاف أغنى الأغنياء ، وأن تناط بهم المسؤوليات ، تمهيداُ لتوريثهم المناصب المزمنة التي فاحت رائحتها من شدة ما نضجت وحان قطافها بعد أن انتهى عمرها الإفتراضي ؟ 
وماذا نسمي مسؤولاً أصبح من أصحاب الملايين ، بعد أن كان لا يملك ثمن العشاء ؟

كان اللص الكلاسيكي " يُشلّح " الناس أو يَتسوَّر المنازل أو يقطع الطرقات . واللص السياسي "المودرن" يُشلح الوطن والمواطنين أرزاقهم ولقمَة عيشهم ، عن طريق الكومســـيون والفاكس والبريد الإلكتروني والسكرتيرة الحســناء  والرشوات والفساد والقرابة من أولي الأمر .

كان المتسوّل في الخمسينيات يستدر عطف الناس بالدعاء والرجــاء:

ـ حَسَـــنة قليلـــة تدفــع بلاوي كثيرة . نيّالَك يا فاعِــلَ الخير عند اللــه !

 لكن المتسوّل السياسي الحديث قلب الآية، فالناس هم الذين يدعون له بطول العمر ، ويرجونه أن يترك لهم ما يقتاتون به :
ـ  مقاولة من الباطن  ، أو نســبة من العمــولة ، تدفع عنك البلاء !

كان اللصوص قبل حكم العسكرتاريا والرفيق المناضل  صـنفان :

• صـنف  يدخل البيوت فيكسر الأبواب ويخلع أقفال الصناديق ويستولي على ما فيها، وهو ما يقع تحت بند الســرقة الموصوفة ، وهي جنائية الوصف .
•  * وقسم " ينشل " جيوب الناس في الطرقات بخفة  ومهارة .

اللصوص السياسيون اليوم جميعهم من الصنف الثاني، ينشلون من خزانة الدولة ومن جيوب الناس ومن قيمة صفقات المواد الغذائية المستوردة، ومنهم من ينشل حريات الشعب وحقوقه الأساسية
.
لصوص الأمس كانوا مُحتقرين من قبل المجتمع ، ومُطاردين من قبل الشرطة، ولصوص اليوم مُحترمون يتربعون على مقاعد المسؤولية والحكم، ورجال الشرطة في خدمتهم .
ترى، متى تعود إلى الكلمات معانيها الحقيقية، فيستطيع المواطن التفريق بين السياسة والتسوّل ،  وبين البطولة واللصوصية ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعرفوا على الأغنية الي بتغنيها بيسان لمحمود دايما ????


.. الاتحاد الأوروبي يمنح الضوء الأخضر النهائي لميثاق الهجرة وال




.. الأرض تضيق بالغزيين.. نزوح نحو 450 ألف شخص من رفح


.. #متداول .. تضامناً مع #فلسطين.. طالبة في جامعة #كولومبيا تمز




.. بصواريخ من حزب الله.. الجيش الإسرائيلي يعلن سقوط منطاد مراقب