الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى نتخلص من نظرية المؤامرة ونصارح أنفسنا بالواقع؟

باتر محمد علي وردم

2004 / 1 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


تماما كما حدث بعد هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة، لا يزال العالم العربي بمثقفيه وصحافييه وسياسييه والمواطن العادي لا يمتلك الشجاعة للخروج من إطار نظرية المؤامرة والدخول في نقاش علني وصريح وشجاع حول الأسباب الحقيقية للكوارث التي تجتاح العالم العربي، والسلوكيات غير المقبولة أخلاقيا التي يرتكبها بعض العرب. 
في أعقاب هجمات 11 سبتمبر بقي العرب يجاهرون بنظرية ان الاستخبارات الأميركية والموساد هما اللذان ارتكبا الجريمة الإنسانية التي ذهب ضحيتها 3 آلاف شخص منهم 600 مسلم، بالرغم من أن أسامة بن لادن والظواهري كانا يفاخران "بغزوة مانهاتن" من كهوف أفغانستان فإن العقل العربي كان لا يزال يبحث عن تبريرات وهمية، ولم يمتلك الشجاعة ليسأل السؤال الوحيد المنطقي: لماذا قرر 19 شابا عربيا قتل أنفسهم، وآلاف الاشخاص الآخرين الذين لا يعرفونهم لمجرد أنهم تواجدوا في رموز سياسية واقتصادية أميركية في ذلك اليوم، وهم مقتنعون بأن مثل هذا العمل سوف يدخلهم الجنة؟
الجواب الوحيد لهذا السؤال هو أن التنظيمات الإسلامية المتطرفة والتفسيرات الخاطئة للمفاهيم الدينية قد نشرت فكرة القتل على الهوية والدين لدى الكثير من الشباب المسلمين، وأن العالم العربي بحاجة ماسة إلى التخلص من هذا الفكر المتطرف الذي أساء إلى سمعة كل المسلمين وعلاقاتهم بخمسة مليارات شخص آخر يشاطروننا العيش على الكرة الأرضية من المفروض أن تكون علاقاتنا معهم مبنية على الإخوة الإنسانية.
أما في حالة سقوط بغداد بيد القوات الأميركية ومن ثم سقوط صدام أسيرا فقد فضل العرب دائما نظريات المؤامرة واستمرت وسائل الإعلام في نسج التبريرات والمؤامرات بشكل عجيب تعجز عنه مخيلة ابرع مخرج سينمائي. فبعد مسلسل "ذبح العلوج" جاءت الروايات عن الخيانة، ثم الروايات عن القرار الاستراتيجي للقيادة العراقية بالانسحاب وبدء حرب العصابات بعد "سحب" القوات الأميركية إلى داخل بغداد حتى تكون "محاصرة". ثم بدأت الروايات حول قيادة صدام للمقاومة واجتماعه مع أفرادها وتجواله في شوارع المدن العراقية، وبعد اعتقال صدام ظهرت روايات التخدير ومن ثم المعركة الرهيبة المزعومة والتي أدت إلى استشهاد 150 من أفراد المقاومة أثناء القبض على صدام ثم قصص البلح الأصفر والشعر الأشيب وغيرها من الروايات التي نسميها في لهجتنا الأردنية "سواليف حصيدة" أكثر منها أخبارا صحافية تحترم العقل والمنطق.
ولم يسأل العرب أنفسهم مرة أخرى السؤال الأهم: لماذا فضل الشعب العراقي رؤية الاحتلال الأميركي في بلاده على بقاء النظام السابق؟ لأن الجواب واضح جدا لكل من يريد أن يفهم وهو أن النظام العراقي السابق مارس البطش والقتل وانتهاك الكرامة بشكل منقطع النظير إلى درجة أن الشعب العراقي فضل الاحتلال الأميركي على البقاء تحت حكم نظام قاتل لم يحترم يوما ما الحياة الإنسانية.
إلى متى نهرب من الأسئلة الصريحة؟ وإلى متى لا نمتلك الجرأة للاعتراف بالواقع المرير والذي هو الخطوة الأولى للتشخيص ومعالجة المشاكل؟ إلى متى نستمر في مطاردة الأوهام وروايات التبرير والبطولة الزائفة والبحث عن الشعبية على حساب الحقيقة واحترام العقل والمنطق؟
لقد تخلى الكثير من المثقفين والإعلاميين والسياسيين عن مسؤولياتهم في النقد الذاتي، وفي تشخيص الأوضاع والمشاكل الحقيقية، وفضلوا بيع وتسويق الأوهام والشعارات ونظريات المؤامرة الفارغة  من أجل كسب الشعبية على حساب الحقيقة والعقل الذي هو دائما الضحية الأولى لنشر فرضيات المؤامرة والإجابات السهلة التي نريد أن نصدقها.
لقد كان التحليل الذي ساد في العالم العربي بعد كل نكسة ونكبة دائما تحليلا خاطئا، سواء في 1967 أو في 1991 أو في 2001 أو في 2003 وتم تجاهل كل الأسباب الذاتية لهذه النكسات، والجري الدائم وراء نظريات المؤامرة للتهرب من المسؤولية والتحليل المنطقي الذي لن يعجب غالبية الناس ولكنه الضرورة الاولى نحو التغيير.
سقط النظام العراقي بسهولة لا بسبب الخيانة ولكن لأنه نظام لم يحترم شعبه ومارس كل أنواع التنكيل والقمع بحق العراقيين الأبرياء ولهذا كان نظاما مكروها من شعبه ومحبوبا من العرب خارج العراق لأنه خدعهم بالشعارات الفارغة التي أرادوا أن يسمعوها يوميا على نشرات الأخبار وأرادوا أن تستمر هذه الشعارات حتى آخر عراقي. وهذا درس لكل مثقف وسياسي وأعلامي عربي يتخلي عن مبادئ الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ويدعم أنظمة حكم ترتكب المجازر ضد شعوبها.
القضية الآن هي العراق بشعبة وأرضه وموارده وهي تحت الاحتلال الأميركي، والواجب دعم الشعب العراقي في نضاله للتحرر والاستقلال والشرط الأول لهذا الدعم هو التوقف عن الهتاف الأهوج للنظام الذي أذاق العراقيين العذاب، والارتقاء إلى مستوى المسؤولية الأخلاقية في الإحساس بمعاناة الشعب العراقي وحاجته الملحة للخلاص من النظام السابق. لقد ذهب صدام ولكن الشعب العراقي سيبقى دائما موجودا ومن الحكمة أن لا نخسر الشعب العراقي لأن كل هتاف أو تأييد للنظام السابق هو طعنة في ظهر الشعب العراقي الذي يدعي البعض التضامن معه، وهم في الحقيقة لا يتضامنون إلا مع النظام الذي دمر حياتهم طوال 35 سنة.   








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوليفان في السعودية اليوم وفي إسرائيل غدا.. هل اقتربت الصفقة


.. مستشار الأمن القومي الأميركي يزور السعودية




.. حلمي النمنم: جماعة حسن البنا انتهت إلى الأبد| #حديث_العرب


.. بدء تسيير سفن مساعدات من قبرص إلى غزة بعد انطلاق الجسر الأمي




.. السعودية وإسرائيل.. نتنياهو يعرقل مسار التطبيع بسبب رفضه حل