الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حميمية الصلة بين النفسية والكتابة

أحمد الخمسي

2008 / 4 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


فيما سبق، درسنا، ونحن تلاميذ، أمثلة كرسها "أحمد بوكماخ" في ذهننا. بفضل بساطة الصور الفنية والأدبية. ساعتها كنا تلاميذ صغارا. وكان هم المؤلف وأولويته وضع نص بسيط من حيث المفردات ومن حيث البنية الذهنية للقارئ المتعلم في سن مبكرة ما بين سبع سنوات واثنتي عشرة سنة.

وفيما تلا ذلك من الوقت، كانت الصور خيالية أيضا، لكن منابع التشرب بها سوريالية، مع العلم أن الأمر تعلق بالتجارب الشخصية، أنا لا أحكي عن أبي الاستقراطي الذي سقطت به طائرة الوطنية والنضال في حديقة الشهادة والخلود. وقد أعزز ذلك بمقولة ليس الفتى من قال كان أبي إن الفتى من قال هاأنذا. لكن الوقت الصعب جعل التلاقح بين "الدهماء" وبين الاستقراطية حتميا،لسبب يتلخص في كون رحى ودوامة الشأن العام، ضمن التوسع السلعي لاقتصاد السوق، توسع قراءة الصحف كسلعة، وتجعل من منافع الأفراد في المجتمع ذات قيم استعمالية، مآلها التداول بين الناس.

وضمن تحديث الدولة وتجديد أشكال الشرعية والسيادة، النضال من جانب والفاركونيط من الجانب الثاني. الحياة والموت في جدلية متناسقة ولو متناقضة. النجاح في الباك يتلوه اليتم. والنجاح في الحب يتلوه سفر سعاد بسبب طلاق الوالدين. والنجاح في حرية الموقف السياسي والقطيعة الفلسفية تجاه الجيل السابق يتلوهما فقدان الحرية والاعتقال. فيرافق الموت أول سفر إلى البيضاء. ويرافق القمع السياسي أول دخول إلى مراكش. وبعدما تطول مسطرة الحصول على جواز السفر لأول مرة في سن الثماني والثلاثين يسحب ثانية وتمنع من المرور به إلى سبتة لتكتشف أن الاحتلال معمم على الحقوق الفردية في الأصل قبل التجريد بمفهومه المعمم على أرض فقدت قبل اكتشاف أمريكا. لتنتظر سن الأربعين.

رغم ذلك، تصر على أن "تحارب خصمك بالمحبة". لأن ترى في إجازة الحقوق ممرا يسبق منعطف تدريس التاريخ والجغرافيا. ثم تجتمع في مقر "أعن أخاك" باليوسوفية (الرباط) ضمن جمعية مجندي الخدمة المدنية. وبسبب مرافقتك لأبطال 10/11-79، ولأنك تركت خلصا أقحاح ودرجات من المودة، ضمن مجموعة 79 في الحي الأوربي، تجد نفسك تنتقل من الجانب الأول إلى الجانب الثاني من المزار سنة 1982،ضمن نفس الضجيج الجميل والبكم القاهر شوقا. يستقرعبد الحق الغزالي في الوظيفة. وحقك يصنف ضمن متمنيات الناظمين، أشعارحكمت وأشواق الغزالي.

فلو حفر يونس الجراري في تربة سجن لعلو المقبور، لوجد آثار روايات ما بعد الحداثة، ضمن العقد الأخير الكئيب من مرحلة الحرب الباردة. كان الشهود من الصنف الأخوي إما أنهم لم يقرأوا "ضد دوهرينغ" ولا "أصل الدولة والملكية والأسرة"، أو جاءت الشرعية بنا نحو تبليد الشرعية القانونية لتتبلد فينا شرعية الحلم . كانت المقاومة من صنف ثان، ضد السطحية في الاعتقاد المجاور. الذي احتفظ بالذوق الطبقي في المعيش وفي المتخيل معا. فمنهم من يسألك عن التورط. ومنهم من يسأل الله فيك العافية. وما بدلوا تبديلا. لكن هذه المرة على ما لا يحكي ظاهر النص. بل فقط ما تنبئ به نفسية اللص. على شاكلة كل إناء بما فيه يرشح.

ولأن في الأمر مبدأ، فالمنتهى عبرة بالخواتم. مهما كان الطريق صادما. فالمغرب جميل ناعم. والفكر منار مضيئ باسم المستقبل. اسأل روحك، كما غنت أم كلثوم. وانصت لمن حولك. من الشباب بالأخص. هشام ومنير ومصطفى وفخر وسناء.

وضمن شرعية الحلم (بضم الحاء)، بقي في الروح رحيق التفهم لمسلسل التوسع في مرحلة الشرعية. فالطوابع والمحاضر ذات يوم بقدرة قادر انسحبت نحو نفس المجهول. ولأن عين الدهماء لا تبتعد عن البصيرة، فقد اتسعت أخلاق الحلم (ضم الحاء) لأوكسجين الحلم (كسر الحاء) ضمن معادلة الشريف الرضي. هل أقرأ الأبيات.

ولأن الضحك الصافي المترقرق المتدفق من غدير الروح، يؤكد انتصار الوضوح على الميكيافيلية المقيتة، من تلقاء ذات الوقت، فلا مكان للكراهية في القلب. فهو بيت المودة فقط. لا غير. إذن يضحك جيدا من يضحك الأخير. وهو في جميع الأحوال من لا يستبلد الناس ولا يستلذ بالضحك على الذقون.

لكل جواد عثرة. وللمؤمن دليل من الداخل. شرط أن يكون له قلب. فقلب المؤمن دليله.
فالتفاح وحب الملوك والورد والخطوبة والتين والزيتون وآركان والحرير والسوسدي والمحنشة وكعب الغزال وبسطيلة والسطل الأسطنبولي والقطران في الخزف وماء الحياة، هي معالم الجغرافيا الحية، حيث ميدلت وصفرو وقلعة مكونة وتارودانت ودبدو والمدن العتيقة والأثر العثماني والحزن المعتصم في النفوس البديلة، أي حضارتنا الباقية، دلال قاطعة وسوسن الفكرة النيرة.

ولأن كل هذا الشحن أغدق كثافته على النفسية، فلا يمكن انتظار الخشيبات لتفسير الواضحات. الكتابة تقرير لشهادة آنية أو لشهادة آتية. وهي جزء من الوضوح ومن التعقيد الكامن فينا. قطرات من جرح نازف. أو لحظة فرح. وضوحها في صدقها. وصدقها في ارتباطها بنتوءات الجهاز العصبي. أما افتعال التبسيط فهو افتعال أكثر من كونه وضوحا.

علما أن قرون الجمود التاريخي مسحت لدينا تقاليد مراكمة المعلومات والأفكار. ثم جاءت الفضائيات ثم تقاليد الشات والفرفشة العنكبوتية لتعفينا من متابعة شلالات الدراسات والأبحاث والكتب والتقارير المنشورة كل يوم، التي لم نكن نحلم يوما حلما من الخيال العلمي الكفيل بتنبئنا بهذا التدفق الجارف من المعلومات، والتي تفسر لنا حتى إيقاع حركية ساركوزي في علاقاته الدولية والشخصية أيضا. بناء على تقرير لجنة جال أطالي و"الثلاثمئة إجراء لتحرير التنمية في فرنسا"
وهو ما جنح بالكتابة:
بصدد الجزائر
بصدد مصر
بصدد تركيا
بصدد ايران
بصدد اسبانيا
بصدد البرتغال
بصدد فرنسا
بصدد انجلترا
بصدد اوربا
بصدد اوراسيا
حول الشمال
حول الصحراء

والحال أن كتاب الصحافة متهمون بالانتماء لشريحة صناع الرأي العام على عدة مستويات. فكيف يمكن الخلط بين برامج الرسوم المتحركة المستهدفة للأطفال بصفاء براءتهم وبين الآراء الموجهة للمتخمين قضايا ومشاكل، بين حرج المواقف وحرص المواقع؟

فلتجديد القدرة على الكتابة "للغير"، لا بد من الكتابة للذات بين الفينة والفينة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا