الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


برهان المفتي والموت الفجائي

ميسون البياتي

2008 / 4 / 27
الادب والفن


برهان المفتي شخصية لطيفة جدا ويمتلك من دماثة الخلق ما يثير الإعجاب وذلك ليس غريبا على رجل جده كان مفتيا للديار العراقية في العهد الملكي ومن عمل هذا الجد الفاضل إكتسبت العائلة لقبها .
رغم هذا وأنت تتابع أعمال برهان , سواء رسوماته أو سكيجات الكاريكاتير المنشورة في الصحف وعلى المواقع أو كتاباته القصصية فإنك تواجه عقلية غير عادية , ذكاء مفرط , حساسية عالية , وقابلية على منح الأفكار صورا غير مألوفة تشد القاريء أو المتأمل وتمنحه الفرصة على إستخراج معاني عميقة من كلمات قليلة أو حركة غير مالوفة في صورة أو تخطيط .
قرأت له اليوم أقصوصة عنوانها ( موت فجائي ) حين تنتهي بعد دقيقتين من قراءة الأقصوصة يصير لديك يقين أن هذا العنوان هو عنوان ساخر .. لأن الموت المتحدث عنه , وهو موت العراقيين , موت مخطط له بعناية منذ زمن طويل .
يقول (( بدون مقدمات ، وجدت مياه الفيضان في غرفتي وأنا نائم )) نعم لقد فاضت الدنيا فجأة على كل العراقيين وهم غافلون لكن حظ برهان المفتي أنه إستطاع أن يقفز ( فوك الكنتور ) ويمد يده الى الماء ليلتقط سجلا حملته المياه من دائرة وفيات المدينة ليكتشف أن إسمه موجود في صفحة الموت الفجائي , غير أن ماء الفيضان كان قد محى تاريخ الوفاة .. فالفيضان الذي نحن فيه الآن ينسينا كم مرة متنا من قبل ,, وبقينا أحياءا ,, لنعيش أيام الفيضان البلهاء .
وانا أقرأ الأقصوصة .. تاملت حياتي الشخصية .. يا الله كم ميتتة مت فجاة ودون مقدمات .. حتى جاء الفيضان , فجعلني أمعن في تأمل تاريخي , لأجد أنني مت مرات عديدة .. وإسمي مسجل في سجل الموتى رغم ظني أني حية .. ولم أزل أعيش .
قيمة العمل الأدبي أو الفني الجيد .. أنه يفتح لك أبواب نفسك وعقلك وتفكيرك ويمنحك ليس الفرصة لتأمل مجتمعك وحده ولكن بفاعلية كلية يتركك تتأمل نفسك أيضا كعضو من أعضاء المجتمع الذي انت فيه . وقد نجح برهان المفتي في ذلك أيما نجاح .. في هذه الأقصوصة على الأقل .. دون إغفال أن مجمل أعماله تحمل مثل هذه المفاتيح الغريبة التي يناولنا ايأها برهان داعيا الى قلب الأشياء وإعادة تصفيفها لنكتشف صورا أخرى قلما رأيناها عن ذواتنا وناسنا .. وربما مطلقا لم نرها .
برهان المفتي ومبدعون كثيرون غيره يضمهم الشتات اليوم حيث لا رعاية ولا دعم ولا إهتمام , أغلبهم مزدحم بالإنكسارات , ومزدحم بمتابعة الفيز والإقامات وأسعار العملات التي يتكسر الدينار العراقي على عتباتها بمضاعفات فلكية , وحين تأتي لحظة الإبداع فغالبا ما تكون مشحونة بالتعب , بعضهم قل إنتاجه , وآخرون توقفوا ولن تدري .. هل البشرية بغير حاجة الى إنتاج مبدعيها ؟ كيف سنخرج من دائرة التقوقع الفكري اذا لم نمكن مبدعينا من إتيان ما عندهم ؟
رغم قصر الأقصوصة إلا أنها تزخر بصور الحرب التي إنحفرت عميقا في ذهن الجندي العراقي الذي كان مكرها عليها .. وهكذا نقرأ شيئا عن البدلة العسكرية والبسطال وتواقيع قلم الوحدة العسكرية على نماذج الإجازات .. ونعوش القتلى التي أخالها ملفوفة بالأعلام .. أيام رهيبة حفرت في اذهاننا اخاديدا لن تنطمس معالمها حتى بعد موتنا .
في الأقصوصة تجد صورة لأمين سر الفرقة الحزبية الذي كان بطل الأقصوصة يمر من أمامه عند الذهاب الى المدرسة الإبتدائية ممثلا لكل أشكال القمع والإرهاب الذي كانت المؤسسة الحزبية تمارسه علينا متهمين تارة بالكآبة وأخرى بغرابة الأطوار وربما مرات بالجنون أو ما أشبه .. لأننا لسنا من جوقتها .
أخيرا جاء الطوفان فمحى من طريقه كل شيء .. ثم إنفتحت المقابر ولم يعد هناك شيء مخفي , ولكن .. قبل فتح المقابر الجماعية .. إنفتح بفعل الطوفان سجل مقابرنا الذاتية وكم دفننا فيها .. وكان أول ذلك أنفسنا .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG


.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل




.. تراث الصحراء الجزائرية الموسيقي مع فرقة -قعدة ديوان بشار-


.. ما هو سرّ نجاح نوال الزغبي ؟ ??




.. -تعتبر مصدر إلهام للكثير من الأعمال-.. أفلام ينصح بها صانع ا