الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صولات الدم العراقية

سلام عبود

2008 / 4 / 28
الارهاب, الحرب والسلام


لأنني أعنى باللغة أكثر من عنايتي بالسياسة وجدت نفسي منجذبا الى الجانب الدلالي لتعبير حملة المالكي الشهيرة "صولة الفرسان".
لا أريد هنا ربط تعبير المالكي بالتعبير الأميركي، الذي سمى الهجوم على مدينة الصدر بعملية "صيد الجرذان"، ولا أريد تفسير مغزاه الثقافي والاجتماعي، فالاحتقار الأميركي لشعبنا والصلف والاستهتار الأميركي ليس لها ضفاف.
ولا أريد أيضا مناقشة تفصيلات دعائية تافهة أعاد ترديدها وعلكها المستشارون والمحللون، مثل القول بأن العمليات الحربية في البصرة ومدينة الصدر تستهدف المهربين وقتلة النساء. كيف يمكن لقاذفة "قنابل انشطارية" أن تقتصّ من قاتل نساء يختفي في إحدى خرائب الكزيزة، أو مهرب يختفي في سوق مريدي، أو في إحدى صرائف الفضيليّة؟ لا أريد أن أواصل التساؤلات التافهة بالقول: كيف جرؤت السلطة الشريفة على قول ذلك؟ ألا يعني هذا أنها تسترت على قتل هذه العدد الكبير من النسوة الذبيحات لسنوات عديدة وهي تعرف القتلة بالاسم والعدد؟ وكيف صبرت كل هذه السنين على مهربي ثروة البلاد وموانئها, التي يسيطر عليها حزبا الحكيم والدعوة إداريا وعسكريا، واللذان يريدان احتكار التهريب من دون شركاء؟ أحقا أن هذه دولة قانون؟ لا أريد إعادة تصريح قائد القوات البريطانية في البصرة، الذي برر خلافه مع صولة المالكي قائلا إنهم عرضوا على المالكي منذ فترة طويلة خطة متكاملة عسكرية وأمنية لكنه رفضها، لأن من يُراد سحقهم الآن كانوا حلفاءه؟ ولا أريد أن أتساءل عن السحر العسكري الجديد، سحر الاستعدادات القتالية التي جرت في الموصل، والتي وصلت الى مداها النهائي حينما أعلن مستشارو المالكي استكمال وصول القوات وتجهيز المليشيات المساندة، ولم يتبق سوى الاقتحام والحسم. كيف هبّت هذه القوات من نومها، بطرفة عين، ثم استدارت فجأة نحو الجنوب، مغادرة أسوار الموصل لتنبعث في شوارع وأزقة البصرة ومدينة الصدر؟
الصحوة (نسخة أميركية مشوهة من قوات الليفي)والعشائر تحمل سلاح الدولة، الدولة المقدسة، التي يتباكى عليها مرتزقة العلمانية، والتي تريد حصر السلاح في يدها الطاهرة، العفيفة، النظيفة. كيف نفهم مثل هذه الترهات السياسية والقانونية والأخلاقية؟ أية دولة هذه التي تمدّ العشائر وزاهقي أرواح البشر بالسلاح، والتي تُشارك قوات أجنبية في قتل شعبها، والتي لا تجرؤ على نزع سلاح أحقر مجرم من مجرمي شركة بلاك ووتر؟
تعبير صولة الفرسان يذكرنا بتعبير صدام حسين: "الصولة الجهادية"؛ وهو الاسم الفني والعملياتي لصولة قطع رأس حسين كامل، في زمن الموت السريّ. في "الصولة الجهادية" أمر صدام "فتوات" العشيرة بنحر الصهر العاق، الذي تجرأ وأظهر شيئا من الغرور و"الدلال" الأحمق.
وها هو المالكي ومعه الأحزاب الطائفية يعيدون تذكيرنا بصولات صدام, ولكن في زمن الموت العلني، فيشرعون في نحر مدن كاملة, لأنها أبدت عقوقا سياسيا.
المالكي يعيد صولة صدام، ولكن ضد ملايين البشر، ضد مدن رضعت الظلم والجور والحرمان، لأنه وجدها تهدد مشاريعه السياسية والحزبية، معتقدا أنه يستطيع الآن الاستغناء عن دعم قيادتها، وتدجين وتحاصص قاعدتها الشعبية بالقوة المسلحة.
حقا، ماذا يفعل رئيس حكومة بملايين "الجرذان" إذا كان يملك دعم الصحوات والعشائر والقوى الطائفية والعرقية, والأهم أنه يحظى بدعم طائرات أف 16 ودبابات ابرامس؟
لقد غبي على المالكي ومستشاريه أمر تافه، لقد غبي عليهم أن المجرمين المحترفين الذين يؤسسون قوتهم باسم الدولة، وباسم "شرعية العنف"، هم ورثةٌ نجباء ومخلصون حقا، لكنهم ورثةٌ لصولات الدم والقتل الجماعي حسب.
صولات برسي كوكس، وصولة ياسين الهاشمي، وصولات بكر صدقي، وصولات الوصي عبدالإله ونوري السعيد، وصولات تموز، وصولات الحرس القومي، وصولات بشت آشان، وصولات صدام حسين، وصولات بريمر، وصولات المالكي أو من سيخلفه، بعضٌ من تراث الدولة المحاربة، المشيدة على الجماجم والدم.
إن تاريخ الحكام العراقيين معبّدٌ بالصولات والصائلين، الشانقين المشنوقين.
ففي العراق يُعتّق الدم كما يُعتّق النبيذ، ويُحتلب من جسد الشعب كما يُستحلب اللبن من ضروع جريحة.
دمٌ حليبٌ هو دم العراقيين في أفواه الحكام.
أولئك هم سلالة القتلة، الذين سيخلدهم التاريخ الى الأبد، ولكن في صفحاته السود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ذكرى النكبة.. فلسطيني من غزة: ما أشبه الليلة بالبارحة


.. إسرائيليون يعترضون شاحنات مساعدات إلى غزة ويلقون طرود المواد




.. في السعودية.. رقصة مقابل كوب من القهوة مجانا! • فرانس 24


.. هشام الحلبي: الحرب عادت إلى شمال غزة لأن كلمة السر هي في الأ




.. الرحيل من رفح بأي ثمن قبل عملية برية إسرائيلية مرتقبة