الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في شؤون -المحادل- والديمقراطية

عاصم بدرالدين

2008 / 4 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


لن تغير نتائج الإنتخابات الرئاسية في أميركا كثيراً في سياستها الشرق أوسطية أو حتى الدولية، كيفما كانت هوية الفائز فيها، أكان ديمقراطياً أم جمهورياً. وخصوصاً فيما يتعلق بالدعم المطلق للإحتلال الإسرائيلي. فهذه الأمور من الركائز الأولية للسياسة الخارجية الأميركية، تظل ثابتة رغم تبدل الإدارات والقيادات. لكن ربما، مع تغير إدارة بوش، ستسير مفاوضات السلام السورية-الإسرائيلية بشكل أسرع، وهذا ما نسمع صداه في الأيام الأخيرة.
ما يهمنا هنا، من الإستشهاد بالإنتخابات الأميركية، هي الطريقة الديمقراطية التي تدار فيها، وعلاقة المرشحين بالناخبين، وطريقة إختيار الناخب لمرشحه.
هنا تبرز مسألتان، مرتا أمامي خلال متابعتي البسيطة للحملات الإنتخابية، والأمرين يتعلقان بمرشحيّ الحزب الديمقراطي: باراك أوباما و هيلاري كلينتون.

فأوباما أثيرت ضجة كبيرة في المجتمع الأميركي حول علاقته بـ بيل آيرز، العضو الشهير في مجموعة إرهابية أميركية تدعى "ويذرمان" وقد نفذت هذه المجموعة العديد من العمليات الإرهابية داخل أميركا نفسها، حتى أن هذا الشخص إعترف بإقترافه تلك الجرائم في كتاب قام بتأليفه.
أما هيلاري كلينتون، فإضطرت إلى تجريد رئيس حملتها الإنتخابية من منصبه، بعد إنفضاح أمر عمله لدى شركة تقاضت 300 ألف دولار لقاء تسهيل صفقة تجارية كولومبية مع الولايات المتحدة، كانت كلينتون تقف ضدها في حملتها. مما أثار بلبلة في أوساط مؤيديها.

هاذين الحادثين، أثرا على أصوات الناخبين، وأرائهم. لأن الناخبين الأميركيين، لا تقودهم عصبية معينة تعميهم، بل يتبعون ما يروه مناسباً لدولتهم وحامياً لمصالحهم العامة. فالإتعاظ من التجربة الأميركية، ليس بعار أبداً، رغم القذرات التي تصبغ بها السياسة الأميركية في المنطقة. فهي الدولة الإمبريالية الحاقدة "مصاصة الدماء" العنصرية. كل هذا صحيح ولا ضرورة للنقاش، لكن لنعترف، أنهم مجتمع متحضر: يراقب ومن ثم يحاسب.
لنعترف أنهم مواطنون أما نحن فرعاية فقط لا غير. لنعترف أن المواطنية تحكمهم، بينما تحكمنا الزبائنية المنظمة والعصبية المتشددة. أكثر من ذلك، علينا أن نعترف بأننا متخلفون، بينما هم، على الرغم من كل "إجرامهم" متحضرون.
أوباما يُحاسب، لأن صديقه السابق مجرم وقاتل وإرهابي. فتخيلوا مثلاً لو أن أوباما نفسه كان قاتلاً، كيف سيكون موقفه أمام الرأي العام؟ لو نسخنا الحالة نفسها على الواقع اللبناني، لوجدنا المجرم، الذي وزع السلاح ودرَّب المقاتلين وحرض وشحن، وقتل وشارك في الحروب الأهلية، وبنى مجده على حطام الأجساد والأحجار إستحال زعيماً وطنياً جماهيرياً لا يقف في وجهه أي منافس أدميّ أو حتى –ولا مبالغة- منافس إلهيّ. وهنا تقع المفارقة، بين تخلفنا وتطورهم.
المجرمون يُنتخبون رؤساء ونواب ووزراء! لأننا لا نميز أو قل لا نبصر الحقيقة، إلا من خلف ستارة إنتمائنا المذهبي. لأننا خانعون خاضعون، لا نفرق بين الحقيقة والوهم. لأننا رعية، تحتاج إلى راعٍ صلب وعنيف يُسيِّرُنا كيفما شاء.. بسبب عجزنا البارز.

أمر أخر نستطيع إستخلاصه من تجارب "مصاصة الدماء" الديمقراطية، هو طريقة إختيار الأحزاب لمرشحيهم لأي إنتخابات كانت، وهو أسلوب ديمقراطي بحت، يعطي قيمة للعمل الحزبي ويضفي فعالية على هذا الإنتماء، فلديهم يتخطى الأمر مجرد حمل بطاقة تثبت الإنتماء، أو الإلتزام بدعوات التظاهر. العمل الحزبي في الدولة المتطورة هو مسؤولية خطيرة على عاتق الفرد-المواطن فعليه أن: يراقب، يناقش، يحاسب.. ويختار لاحقاً الأكفأ والأنسب والأفضل.
الإختيار الحزبي هناك، لا يُبنى على أساس الإنتماءات العرقية والعشائرية والعائلية كما في لبنان. فالأحزاب هنا –في وطننا- متداخلة بشكل سافر مع المجتمع الأهلي بالتالي فإن عملية إنتقاء المرشحين تخضع لتوازنات عشائرية قبلية صرفة: "فهذا النائب المنتمي للحزب الفلاني يمثل عشيرة كذا أو عائلة كذا"... يا للسخرية!
الفرق: أن إنتخاباتهم تقوم على البرامج التي يقدمها المرشحين، أما إنتخاباتنا فتقوم على "المحادل". تسير "المحدلة" حاملةً معها أسماء النواب الفائزين مسبقاً، لا تراعي أراء الناخبين ولا أذواقهم ورغباتهم.. تسير وتنزل في الصندوق "زي ما هيي". حتى أن الكثير من المواطنين لا يعرفون النواب الذين صوتوا لهم إلا من خلال الصدف... يا للعار!
ثم يأتي بعض المتبجحون من الساسة، ليبحثوا في شكل الدوائر الإنتخابية، متصارعين حول كيفية تقسيمها. وكيف يمكن للمسيحي أن ينتخب نائبه المسيحي، والمسلم يصوت للمسلم. هذا التخلف الذهني مثير للقرف والإحباط. حتى أن بعض "الفلاسفة الوطنيون" يعتقدون أن الحل هو في مجلس نيابي جديد، يراعي التمثيل الحقيقي للطوائف، أو بإنتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن أو في تأليف حكومة وحدة وطنية.
ربما بهذه الطريقة تحل الأزمة بشكل مرحلي ومؤقت، ونعود لندخل في الحرب الباردة للطوائف والملل. لكن الحل الحقيقي -وأقصد به: التطور والنمو والخلاص من قبائلية العمل السياسي والإجتماعي والوصول إلى الدولة المدنية- يكمن في تغيير ذهنية المواطن اللبناني عماد الدولة، لا في تغيير حجم الدوائر الإنتخابية أو بإلغاء المذهب الديني عن إخراجات القيد، لأن هذه الأمور محض شكلية وخارجية وقشورية، وفي ظل العسف الذي نعيشه لا طائل منها.
على اللبناني أن يعي أن الإنتخابات ليست مجرد ورقة تسقط في الصندوق بغير رجعة. عليه أن يفهم أن تلك الورقة وطريقة إختياره للمرشحين سيرتد عليه سلباً أو إيجاباً طيلة فترة حكم من إختارهم. لذا يجب أن يكون إختياره موضوعياً يراعي فيه مصلحة الوطن التي هي مصلحته في الوقت عينه.
فوق كل ذلك، يجب أن يعلم، أن صانع الحرب، لا يستطيع أن يصنع سلاماً، إلا سلاماً هشاً متوتراً كحالنا الآن. وأن الإنقسام المذهبي والتحصن خلف المذاهب والطوائف لن يؤدي إلا إلى الدمار والموت والتشرد. ويجب أن يدرك أيضاً، أن الإختلاف حق طبيعي، لا مفر من وجوده في هذا الكون. وأساساً هذا الإختلاف هو المؤسس الحقيقي لمنطق الحياة والإنسانية.
عندما يتطور الوعي الإنساني وينمو حس المواطنة لدى الفرد اللبناني، نستطيع حينها أن ندعي إمتلاك حضارة متميزة. أما عكس ذلك، فمن الأفضل أن نخرس جميعاً، لأن الصمت يصير في الحالة هذه أفضل تعبير عن جمودنا المرضي.. أو موتنا السريري. إلى الإنتخابات القادمة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرايا القدس: خضنا اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال في محور ال


.. تحليل اللواء الدويري على استخدام القسام عبوة رعدية في المعار




.. تطورات ميدانية.. اشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحت


.. ماذا سيحدث لك إذا اقتربت من ثقب أسود؟




.. مشاهد تظهر فرار سيدات وأطفال ومرضى من مركز للإيواء في مخيم ج