الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلادنا رغم أنف الحاكمين

رمضان متولي

2008 / 4 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الفوضى في مصر لا تقتصر على المنظومة السياسية التي تعمل على توجيه أجهزة الإدارة بانحيازها ضد الغالبية العظمى من فقراء مصر ولصالح أقلية محدودة تسيطر على الثروة والسلطة، ولا على مؤسسة الدستور والمنظومة القانونية بما فيها من خلل وعوار يبعد بنا عن دولة القانون الحديثة آلاف الأميال، ولا على المؤسسات النيابية والأحزاب الرسمية بما يكتنفها من ترد وانحطاط، ولا على الجهاز الإداري والتنفيذي الذي أسقط القانون والحقوق ليجعل العشوائية والفوضى والفساد نمطا للحياة في بلادنا المنكوبة حتى يعيث في البلاد فسادا واستبدادا دون مساءلة وحساب معتقدا أن احتكاره لسلطة القمع وأدواته تجعله الأقدر على فرض إرادته وحماية نفسه ونظامه في مجتمع الفوضى حيث تسود القوة بمعناها المادي دون الحاجة إلى مبرر أخلاقي.

ذلك أن هذه الفوضى ممتدة ومتشعبة على نطاق أوسع في الأسواق، ونستطيع أن نكتشفها دون عناء عند قراءة بعض المفارقات. ففي وقت ارتفاع أسعار الطاقة عالميا لتضرب أرقاما قياسية يوما بعد يوم، تقدم الحكومة المصرية الغاز للشركات الأجنبية والمحلية وبعض الدول بأسعار تقل عن أسعار السوق بنسبة تصل إلى 80%، بل وتقدمها لدولة مثل إسرائيل بأقل من تكاليف إنتاجها في مصر! ثم تستورد الحكومة من أموالنا ما يلزم البلاد من منتجات الطاقة بأسعار السوق العالمية ليدفع الفقراء ثمن الفساد مضاعفا.

مفارقة أخرى نجدها في سوق الأسمدة، حيث أن الفلاحين المصريين لا يستطيعون الحصول على السماد اللازم لمحاصيلهم حتى بأضعاف السعر المدعوم في السوق السوداء، بينما تقوم العديد من مصانع السماد في مصر، سواء في المناطق الحرة أو مناطق الاستثمار الداخلي، بتصدير أغلب إنتاجها إلى الخارج، محققة أرباحا خيالية من إهدار موارد المصريين وعرقهم الرخيص.

مفارقة ثالثة في أسواق مواد البناء حيث تنخفض تكاليف إنتاج الأسمنت والحديد وغيرها من المواد في مصر عن أي مكان آخر في العالم، بسبب حصولها على دعم كبير للطاقة وانخفاض أجور العمال المصريين إلى مستوى يقل كثيرا عن أجور العمال في الدول المنافسة، ومع ذلك تباع هذه المواد للمصريين بأسعار تضاهي الأسعار في الأسواق العالمية، ويترجم ذلك إلى أرباح خرافية لشركات الأسمنت والحديد بينما يفلس صغار المقاولين ولا يحصل المصريون على حقهم في سكن ملائم رغم إهدار موارد بلادهم وسرقة عرقهم وكدهم.

مفارقة ثالثة أن بلادنا من أكثر البلدان المنكوبة بالتلوث في العالم، ومع ذلك تقدم الحكومة تسهيلات لا مثيل لها لتلك الصناعات الملوثة للبيئة بمزايا لا يمكن أن تحصل عليها في أي بلد آخر في العالم يحظى مواطنوه بالحد الأدنى من الاحترام اللائق بالإنسان.

هذه الفوضى تسمح لمن قتل أكثر من ألف نفس غرقا في عبارة الموت أن يغادر البلاد في حماية السلطة ويعيش مرفها في بريطانيا، بينما تعتقل شبابا وفتيات ممن شاركوا في إضراب المحلة وغيرهم من المدونين مثل الشرقاوي وإسراء لم يقترفوا إثما أو جريمة إلا أنهم طالبوا بحقهم في حياة كريمة على أرض بلادهم.

تلك بعض من مظاهر الفوضى التي تجعل المنظومة السياسية مترنحة وتدعم الفساد والاستبداد في الأجهزة التنفيذية أملا في حماية نفسها والاستمرار في مواقعها وامتيازاتها. لقد خلقوا بسياساتهم أصحاب المليارات، ولكنهم جعلوا 50% من شعب مصر فقراء، حققوا معدلات نمو بلغت 7 % سنويا، ولكنهم خلفوا وراءهم جيشا من العاطلين يهيم على وجهه شرقا وغربا بحثا عن فرصة عمل ورزق عزيز المنال في وطنهم، استطاعوا زيادة الصادرات، ولكن غابت عن الأسواق سلع الفقراء الأساسية حتى طالت الأزمة الخبز والغذاء، وزاد العجز التجاري إلى مستويات غير مسبوقة. ارتفعت الاستثمارات، ولكن لكي تستنزف موارد المصريين وتقدمها لغيرهم ولكي ترتفع أرباح الأجانب وشركائهم من رجال الأعمال.

إنهم يريدون منا أن نسلم بأن هذه البلاد ليست بلادنا، ومع ذلك فإن البلاد سوف تظل بلادنا وإنما نستطيع فقط أن نقر ونعترف لهم أن السلطة التي تحكمنا وتفرض إرادتها علينا بقوة القمع والاعتقال هي التي لا تنتمي لنا، ليست منا ولا تعبر عنا، وأنها تنتمي إلى من تسمح لهم بنهب ثرواتنا وعرقنا وسرقة مستقبل الأجيال القادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر يبدع في تحضير جاج بالفريكة ????


.. ما تأثير وفاة رئيسي على السياسة الخارجية الإيرانية؟ • فرانس




.. كيف سقطت مروحية الرئيس الإيراني رئيسي؟ وما سبب تحطمها؟


.. كيف حولت أميركا طائرات إيران إلى -نعوش طائرة-؟




.. بعد مقتل رئيسي.. كيف أثرت العقوبات الأميركية على قطاع الطيرا