الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدور الفرنسي في عدم الاستقرار السياسي في سوريا

عزو محمد عبد القادر ناجي

2008 / 4 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


كان لفرنسا أسوء الأثر في تحطيم سوريا، إبان الانتداب الفرنسي على سوريا، والذي ابتدأ منذ سقوط النظام الفيصلي، عام 1920، حيث عملت فرنسا على إقامة ما يسمى بلبنان الكبير مقتطعة أجزاءاً من المحافظات المحيطة بمتصرفيه جبل لبنان، لتقيم ما سمي فيما بعد بدولة لبنان، إضافة إلى إقامتها لدولة جبل العلويين، ودولة جبل الدروز، ودولة حلب التي كان من أجزائها لواء الإسكندرونة الذي حكم بشكل مباشر من قبلها، وهكذا اشتركت فرنسا بتقسيمين لسوريا، فالتقسيم الأول الذي شمل كل منطقة سوريا الطبيعية (الهلال الخصيب)، والتقسيم الثاني، الذي شمل تقسيم سوريا لتقطيعها إلى دويلات قزمية ومنها لبنان، إضافة لتسليمها لواء الموصل لبريطانيا مقابل أخذها لواء ديرالزور، وتسليمها كليكيا لتركيا، لكن تجدر الإشارة إلى أن دولة حلب لم تستمر سوى أربعة سنوات منفصلة عن دمشق، وظلت دولة جبل الدروز حتى عام 1940، بينما جبل العلويين حتى عام 1944، مع استمرار لبنان منفصلاً عن الوطن الأم حتى تاريخ كتابة هذه السطور، لكن أخطر إثر إثرته فرنسا على سوريا كان هو تسليمها لواء الإسكندرونة عام 1939، على إثر توقيع المعاهدة السورية الفرنسية عام 1936، حيث إدعت تركيا أن الإدارة التي كانت مفروضة على لواء الإسكندرونة هي لفرنسا حسب قرار عصبة الأمم، وليس لسوريا التي أصبحت لها إدارة مستقلة نظرياً، وبالمقابل رغبت فرنسا في وقوف تركيا إلى جانبهما في الحرب الوشيكة مع المحور، ودفعت لها أموالاً مقابل ذلك أيضاً، وعلى هذا الأساس تنازلت لتركيا عن اللواء، وكان دور بريطانيا في هذه المؤامرة، أنها حثت تركيا على مطالبتها بلواء الإسكندرونة بسبب تخوفها أن يصبح لفرنسا موقع جغرافي استراتيجي (جيوبولوتيكي). على البحر المتوسط ينافس بريطانيا، بالرغم من أن صك الانتداب لا يجيز لها التنازل عن أي أراض سورية، مع تعهدها بالدفاع عنها.
وعملت فرنسا على تفتيت الوحدة الوطنية في سوريا بإثارتها للطائفية منذ تعيين جورج بيكو عام 1914 قنصلاً عاماً على متصرفية جبل لبنان، إضافة إلى مؤامراتها في ظل الدولة العثمانية منذ القرن التاسع عشر، وخلال فترة الانتداب على سوريا أخذت تمنح الأكراد الكثير من الأراضي، رغم أنهم كانوا مهاجرين من تركيا بسبب الاضطهاد التركي لهم، وكان سبب إعطائها الأراضي لهم لمقاومة الحركة الاستقلالية في سوريا بقيادة الكتلة الوطنية التي يقودها شكري القوتلي وهاشم الأتاسي، كما ساهمت فرنسا في تطوير نظام الإقطاع القبلي بدل إدخالها إلى السوق الراسمالية العالمية، فتحول الملاك والتجار إلى وكلاء محليين للبضائع الأجنبية المصنعة، مما أثر سلباً على الحرفيين والصناع الصغار بسبب منافسة المنتجات المستوردة ، ومن تأثيرات الانتداب فيما بعد استقلال سوريا، أنها ولدت عند بعض أبطال استقلال سوريا، الإلتصاق بالمؤسسات الجمهورية، وبعاصمتهم دمشق بعد أن تحول مركز القومية العربية إلى بغداد بعد رحيل الملك فيصل إليها، فتميزت سوريا بذلك عن الممالك المجاورة لها في العراق والأردن، كما ظل النفوذ الفرنسي قوياً في الأوساط العسكرية السورية، لأن الكثير منهم كان في جيش الشرق المختلط الذي أسسته في ظل الانتداب، فأصحاب الانقلابات العسكرية الأربعة الأولى في سوريا كانوا في هذا الجيش، حتى أن صاحب أول انقلاب عسكري في سوريا والشرق الأوسط حسني الزعيم، كان يفضل التكلم بالفرنسية على العربية، كما كان تجهيز الجيش السوري بالأسلحة الفرنسية، وليس بمقدوره طلب قطع غيار إلا من فرنسا.
وقد أيدت فرنسا انقلاب الزعيم وحثت الدول الأخرى على الاعتراف بحكمه، وكان السفير الفرنسي يتصل به يومياً، ووعدت فرنسا بالدفاع عن حكمه لو تعرض للخطر، خاصة بعد أن تعهدت الولايات المتحدة بالاعتراف بحكمه وأنها ضد أي تغيير في خارطة المنطقة، وكانت فرنسا من بين الأوساط الغربية التي ضغطت لدفع حسني الزعيم، لتسليم أنطون سعادة إلى السلطات اللبنانية في السابع من يوليو 1949 حيث أعدم بعد أربع وعشرين ساعة، بعد محاكمة صورية، وهذا مما أثار الشعب السوري، زد على ذلك أن فرنسا نفسها قد ساهمت في تهيئة الجو لانقلاب حسني الزعيم، فعملت على تجميد الودائع والأرصدة السورية في البنوك الفرنسية، وعدم إتاحة المجال لاستقلال العملة السورية عن العملة الفرنسية، ما حذا برئيس الحكومة خالد العظم أن يقترح في البرلمان عام 1948، /عند مناقشة ميزانية الدولة/، تخفيض رواتب الضباط وتسريح قسماً منهم، وتخفيض نفقات الجيش، كما أنه كان لفرنسا علاقات اقتصادية وثقافية في سوريا استمرت لما بعد الاستقلال، إضافة لعلاقاتها مع السياسيين السوريين، الذين تربوا على الجهاز الإداري الموروث عن الإدارة الفرنسية، وما فيه من قوانين فاسدة، استغلها بعض الانتهازيين لتحطيم هيبة الدولة، فكان سقوط حكومة سعدالله الجابري عام 1946، بسبب إثارة أحد عملائها لقضية النقد السوري حيث رفعت ضماناتها عنه، وكان هذا العميل هو عقلة القطامي، الذي كان نائباً لجبل العرب في البرلمان، وكان يلعب بالحكومة وبالجبل معاً، كما أنه مما يدل على أن لفرنسا علاقة بانقلاب الزعيم أنه وقع بعد انقلابه مباشرة على إتفاقية النقد مع فرنسا والتي رفضتها الحكومة السابقة.
أيضاً عمل الزعيم على السمسرة بتجارة الأسلحة مع فرنسا بواسطة عديله نذير فنصة، وقد استاءت فرنسا من انقلاب سامي الحناوي ودعوته لمشروع الوحدة مع العراق، بسبب مصالحها في لبنان، حيث يعتبرها الكثير من أبناء الطائفة المارونية بأنها الأم الحنون، لذلك عملت لاسقاط سامي الحناوي، برشوة بعض الصحف لكي لا تتعرض لسياسات فرنسا في وقوفها ضد الوحدة السورية العراقية، كما عملت على استخدام نفوذها بين ضباط الجيش لاسقاط سامي الحناوي عن قيادة الجيش، فكان قادة الانقلاب ضده من الموالين لها، أيضاً عملت على تأخير الإتفاق الاقتصادي بين سوريا والعراق، والذي كان جاهزاً في البرلمان، من خلال شركة البنك السورية الموالية لها، وإتفقت مع السعودية ومصر لإنجاح خططها وتدخلاتها معهم في سوريا، لأن بلاط الملك فاروق كان مخترقاً من قبل عملائها الذين كانوا يعملون لصالحها ولصالح سياستها، وهذا ما حذا بها لتأييد انقلاب أديب الشيشكلي عام 1949 مباشرة، ومما يدل على أن الشيشكلي والحوراني كانا على اتفاق مع فرنسا هو أن الصحف السورية في إبريل 1951، أصبحت تتحدث عن مساويء السياسة الإنكليزية القديمة، ولم تكن تذكرها من قبل أي في حينها، على اعتبار أنها صارت تذكرها بعد أن أصبح مصرف سوريا ولبنان "الفرنسي" يوزع الرشاوي على الناس باسم فرنسا، كما أن الصحف الفرنسية أصبحت تصف الشيشكلي بأنه بطل استقلال سوريا، لأنه أوقف الوحدة مع العراق في نفس اليوم الذي كان مقرراً فيه التصويت عليها في البرلمان، وأنه أعاد لها بعض نفوذها.
ولم تكتف فرنسا بالمساهمة في اسقاط سامي الحناوي بل عملت على تقويض النظام والحكومات المؤيدة للوحدة مع العراق، من خلال مساهمتها في اسقاط الحكومات التي شكلها حزب الأغلبية المطلقة في البرلمان وهو حزب الشعب، وهذا ما أكده رئيس الحكومة ناظم القدسي عام 1950 باتهامه لفرنسا عن مسؤوليتها في سقوط حكومته بقوله:" لقد وجدوا أنهم لا يمكن أن يتحملوا كوننا نعمل من أجل الوحدة العربية، وكانوا يخشون أيضاً أن نعمل على انتزاع بنك سوريا ولبنان من سيطرة فرنسا، إن حكومتي هي أول من أمم المشروعات الأجنبية في الشرق الأوسط، لقد استولينا على شركات المياه والكهرباء الافرنسية في حلب، وشركة الكهرباء الافرنسية في حمص، وشركات الكهرباء و النقل الإنكليزية في دمشق، وإدارة حصر التبع الافرنسية، فاعتقد الفرنسيون من ثم أن لدينا بالنسبة للبنك خططاً مماثلة" .

وعندما قام الشيشكلي بانقلابه الثاني في نوفمبر 1951، إعترفت فرنسا وتركيا وبريطانيا مباشرة بالنظام الجديد، وأصبح نظام الشيشكلي يتقارب مع فرنسا، واخترقت الشركات الفرنسية للاقتصاد السوري، فعلى سبيل المثال في 8 نوفمبر 1951، تحولت شركة حاييم ناثاينيل التي يترأسها أحد اليهود الفرنسيين، إلى شركة سورية باسم شركة الزيدي، بعد أن دفع مديرها للنائب جميل الشماط رشوة حتى يتوسط أكرم الحوراني بعملية التمويل، وبسبب تخوف فرنسا من التقارب العراقي السوري بعد لقاء الرئيس أديب الشيشكلي مع رئيس الحكومة العراقية نوري السعيد في يونيو 1952، واجتماع الموفد العراقي لبحث الوحدة بين سوريا والعراق مع وزير الخارجية السوري ظافر الرفاعي، في نفس الشهر، عملت على دعم المناهضين للوحدة العراقية السورية.
وبعد سقوط الشيشكلي عام 1954 استمرت فرنسا في سياستها القديمة بوقف أي تقارب سوري عراقي، فعارضت حلف بغداد ، كما ساهمت من خلال عملائها بالضغط على سوريا لجعلها ترفضه، وكان لذلك أثراً كبيراً في إثارة تركيا التي حشدت قواتها على الحدود السورية في مارس 1955، كما أن فرنسا رفضت تزويد سوريا بالأسلحة منذ عام 1954 بحجة الدعم السوري للثورة الجزائرية، لكن كان تدخلها في العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر 1956 قد أبعد سوريا عنها وقطعت العلاقات الدبلوماسية معها، خاصة بعد خطفها للطائرة التي تقل زعماء الثورة الجزائرية، فاندلعت المظاهرات في سوريا أمام السفارة الفرنسية في دمشق، والقنصلية الفرنسية في حلب، وأحرقت مدرستان كاثوليكيتان، فرنسيتان، ومدرسة علمانية فرنسية أخرى في حلب وكان تلكؤ أجهزة الأمن في إيقاف هذه المظاهرات ظاهراً للعيان، لأن هذه الحوادث كانت بتدبير عبدالحميد السراج – الموالي للقيادة المصرية- الذي أصدر أوامره بعدم التعرض لهذه المظاهرات، رغم أن وزير الداخلية أحمد قنبر أمر بإطلاق النار على المتظاهرين لكن لم يستجب ضباط الأمن لأوامره.
وعملت فرنسا إبان الوحدة على تقويض هذه الوحدة بسبب ما أصاب مصالحها في سوريا ولبنان بسببها، وضياع هيبتها في الجزائر ومصر، فاعترفت بحركة عبدالكريم النحلاوي بعد فترة وجيزة من قيامها، رغم أن الجنرال شارل ديغول عمل منذ عام 1958 على تحسين العلاقة بين فرنسا وسوريا وأوقف بيع الأسلحة الفرنسية لإسرائيل، لكن تجدر الإشارة إلى أنها ظلت لها عملاء في سوريا، يعملون لصالحها، وإن كان دورهم قد قل نتيجة إزدياد نفوذ الدولتين العظميين في سوريا، خاصة بعد انقلاب زياد الحريري في 8مارس 1963 لكن كان لفرنسا دورها في وقف العدوان الإسرائيلي في حرب 1967 ، فلولاها لكان من الممكن لإسرائيل احتلال المزيد من الأراضي التي احتلتها.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ما بعد الحرب.. ترقب لإمكانية تطبيق دعوة نشر قوات دولية ف


.. الشحنة الأولى من المساعدات الإنسانية تصل إلى غزة عبر الميناء




.. مظاهرة في العاصمة الأردنية عمان دعما للمقاومة الفلسطينية في


.. إعلام إسرائيلي: الغارة الجوية على جنين استهدفت خلية كانت تعت




.. ”كاذبون“.. متظاهرة تقاطع الوفد الإسرائيلي بالعدل الدولية في