الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشخصية المصرية المعاصرة

عصام عبدالله

2008 / 4 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


في إحدي لمحاته الذكية ، يشير المفكر والعالم الدكتور محمود عودة في كتابه العلامة : " التكيف والمقاومة .. الجذور الاجتماعية والسياسية للشخصية المصرية " ، إلي دراستين ميدانيتين مهمتين ، تلقيان الضوء بقوة علي ما يحدث اليوم ، رغم صدورهما في التسعينيات من القرن الماضي .
الأولي صدرت عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ، كتب تقريرها النهائي د. أحمد زايد ، بعنوان : " المصري المعاصر ، مقاربة نظرية ، وإمبيريقية لبعض أبعاد الشخصية القومية المصرية " . والدراسة الثانية نشرها زايد أيضا تحت عنوان " خطاب الحياة اليومية في المجتمع المصري " .
وهما إضافة إلي المزايا النظرية والمنهجية تنطويان – حسب المؤلف – علي مادة علمية هامة جمعت وحللت بطريقة منهجية منظمة ، ومن ثم تتسم بالابتعاد عن الأحكام العامة ، والاستنتاجات الانطباعية ، التي وسمت معظم دراسات الشخصية المصرية ، والطابع القومي ، إضافة إلي حداثة هذه المادة العلمية ، مما يتيح للباحث والمحلل وصانع القرار فرصة مناقشة قضية الاستمرار والانقطاع في الشخصية المصرية ، وتناقضاتها وتمفصلاتها.
تبنت الدراسة الأولي مفهوم الشخصية المنوالية الذي صاغه " رالف لنتون " في محاولة للكشف عن الجوانب الكمية للظاهرة ، ومن ثم استندت إلي استبيان جري بناؤه ، من خلال المقابلات المتعمقة والمناقشات المفتوحة التي تستهدف تجميع الخصائص والسمات الأكثر تكرارا مثل : الشك ، الثقة ، التدين ، العلاقة بالسياسة ، والتوكل والتواكل ، الصبر ، الفكاهة والمرح ، التفكير الخرافي .
وطبق الاستبيان علي عينة روعي أن تتوافر لها شروط التمثيل الكامل للجمهورية وسكانها بمستوياتهم التعليمية المختلفة ، وفئات السن والنوع ومكان الإقامة وغير ذلك ، وبلغ الحجم النهائي للعينة 1340 حالة .
ومن أهم النتائج التي انتهي إليها البحث ، أن المصري في كل أرجاء مصر من شمالها إلي جنوبها ، ربما يميل إلي التفاعل مع الأشخاص الأقرب منه نفسيا ، ومعيار التفاعل مع الآخرين هو الدين والأخلاق بوصفهما الأهم في تنشيط هذا التفاعل وتكثيفه . أما من حيث الشك والحذر من الآخرين فإن ما يحكم سلوك المصري ليس الشك علي إطلاقه وإنما الحذر والروية قبل التفاعل المكثف والمبادرة إليه ، وأن السلوك الحذر يتبدي كلما عبر دائرته الخاصة إلي الخارج ، فهو أكثر ثقة في الأقارب فالأصدقاء فالبلدات وأخيرا زملاء العمل ، وهذا يعني أن ثمة درجة من الشك وعدم الاطمئنان في الآخر غير القريب ، تتزايد بتزايد الابتعاد عن دائرة الفرد الشخصية ، ولا يؤثر التعليم أو التغير الاجتماعي في هذه الخاصية ، والخوف والشك من الغرباء أكثر منهما من الأعداء الصريحين والمباشرين ، فالعدو معروف ، لكن الغريب مجهول وذلك هو الأقرب إلي تفسير هذه النتيجة .
أما علاقة المصري بالسياسة فهي تنطوي علي ازدواجية بين الرأي والسلوك ، فالقوانين تطاع بغض النظر عن الرأي في خطئها أو صوابها ، لا لأنها شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي ، أوالضبط الاجتماعي يلتزم به الجميع ، ولكن لأنها صادرة عن سلطة عليا هي سلطة الدولة ، الأمر الذي يصور الدولة كجهاز رادع ، ينتقد نعم ، لكن أوامره ينبغي أن تطاع .
ورغم قناعة المصري أن الحكومة تسير في طريق ، ومصالحه في طريق آخر ، وأنه من الصعوبة بمكان أن يحصل المواطن علي حقوقه بسهولة من الدولة أو الحكومة ، فلا تكشف البيانات استعدادا للثورة أو التمرد ، بقدر ما تكشف عن الميل إلي القدرية والتدين . ومن ثم ينخفض معدل المشاركة السياسية ، الذي لا يرجع فقط إلي أن المشاركة القسرية غير واضحة الهدف ، وإنما الوعي بأن المشاركة عديمة الجدوي ولا فائدة من ورائها .
أما الدراسة الثانية ، الجديدة في منهجيتها ، فتكشف عن جوانب مهمة من جوانب الشخصية المصرية المعاصرة ، فثمة ظواهر جديدة أفرزتها تطورات العقدين الماضيين في خطاب الحياة اليومية ، بدأت ملامحها في التشكل اليوم وهي : 1- خطاب الحرفيين ، الذين أخذوا يحتلون وضعا اقتصاديا متميزا ، ويطورون لأنفسهم رؤية للعالم ، وخطابا يميزهم عن العمال من ناحية وعن أبناء الطبقة الوسطي من ناحية أخري ، ويقوم علي الإعلاء من شأنهم ، والتحقير من شأن التعليم والشهادات والوظائف ، وينطوي علي قيمة نفعية لا ترتبط بأي إطار أخلاقي واضح .
2- خطاب الهجرة ، وينطوي علي لامبالاة بالوطن والارتباط الروحي بمكان المهجر ، والثقافة الاستهلاكية ، والحديث عن العملات الأجنبية وأسعارها ، والأجهزة الكهربائية ، وهو خطاب الاغتراب الحقيقي .
3- خطاب الاقتصاد الانفتاحي ، وهو خطاب شريحة أصحاب الأعمال الجدد ، وهو يرتبط بالخطاب الحرفي المشار إليه ويتسم بالسعي نحو الكسب المادي دون اعتبار لأية قيمة ، ويدعو إلي الاستثمار في أنشطة ناقلة للثروة مولدة لها كالإسكان والمطاعم والفنادق ، ويتخذ موقفا من التعليم أقرب إلي الخطاب الحرفي ، وإن كان يميل إلي التواصل مع العلم والتعليم لتحقيق أهدافه ، كما يتسم بالاستخدام النفعي للدين كالسلوكيات المظهرية الدينية .
4- الخطاب الاستهلاكي ، وهو من أكثر العناصر الجديدة شيوعا في الخطاب اليومي في مصر ، وهو يرتبط بخطاب الهجرة ويستند إلي مبدأ الاستعراض والمحاكاة ، ومن خصائصه التفاخر بالاستهلاك ، والربط بين التميز الطبقي والقدرة الاستهلاكية ، وهو يظهر لدي الطبقات المختلفة بطرق مختلفة كما يحقق تفاعلات من نوع جديد بين الطبقات والشرائح الطبقية المختلفة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عدسات الكاميرات تلتقط غفوة لـ بايدن خلال حفل أندريا بوتشيلي


.. عمليات بحث عن ناجين بعد قصف منزل بحي الشيخ رضوان




.. أمريكا تفرض عقوبات على الجهات التي تمكن أنصار الله من تحقيق


.. سوليفان: المقترح الإسرائيلي الذي كشف عنه بايدن يمثل خارطة طر




.. أخبار الصباح | الجيش الإسرائيلي والمخابرات عرفا بهجوم 7 أكتو