الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صداميــــــات كردية

دارا كيلو

2004 / 1 / 4
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


  سقط الديكتاتور ... وأية نهاية؟! لقد كشفت حقيقة الديكتاتور... كما هو، عارياً من كل أقنعة القهر والسلطة التي اختبأ خلفها طويلاً طويلاً ، مجرداً من زيف كل الشعارات الكبيرة والأيديولوجيا المغلقة، التي زاود عليها على عقود من الزمن . وربما كانت مأثرة صدام حسين الوحيدة والتي سيسجلها له التاريخ من بين كل الأمجاد التي ألصقها بنفسه هي نهايته، نعم لقد أظهر في نهايته حقيقة أخفاها  هو وغيره طويلا في عالمنا المتخلف.
   لقد ظهر الديكتاتور كما هو جبانا ذليلا، وأثبت أنه لا يمكن لديكتاتور أن يمثل قيما ومثلا رفيعة. فلا يمكن لديكتاتور إلا أن يمثل قيم الخسة والخيانة والغدر ...لا يمكن له إلا أن يكون جبانا. إن من يمتلك قيما رفيعة من بينها الشجاعة لا يمكن أن يرتقي في مسالك الديكتاتورية، لأن هذا الترقي يتطلب سلوكيات يترفع عنها أصحاب القيم ولا يستطيعون ممارستها.  فهل نتوقع من رجل ذو قيم أن يغدر برفيق عمره،أن يقتل من الخلف، أن ينتهك أعراض الناس، أن يزرع بلدا بالمقابر الجماعية، أن يغتال حاضر ومستقبل حلبجة بشراً وزرعاً وحجراً...أن يشعل حربا في الجبهة الشرقية والأرض المحتلة في الغرب، أن يطالب بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر ويجهز الجيوش المليونية لتحرير القدس تمهيداً لتسليم بغداد...
   لقد كتب الكثير عن نهاية صدام حسين، ومن وجهات نظر شتى تتراوح بين البكاء والشماتة، لكنني أعتقد أن المهم في هذا الحدث هو أنه درس ثمين يجب أن لا يفوت معاصريه ومنهم نحن الكرد السوريون، إقتداء بمقولة لم أعد أتذكر لمن تنسب مفادها: إذا وقعت واقعة عظيمة لا تبكي ...لا تضحك ...وإنما فكر . والحدث يستحق التفكير عميقا، حتى لا تتكرر هذه المأساة مرة أخرى، بالطبع ليس السقوط هو المأساة وإنما وجود الديكتاتور وحكمه .
   الكثيرين من الكرد يستغربون ويستنكرون  مواقف وردود أفعال اخوتهم العرب المتعاطفة مع صدام أو المستنكرة سقوطه رغم أن قائمة أفعاله السوداء طويلة ومكشوفة للجميع ، وهذا ما يفعله آخرون غيرهم، ولكنني أريد التركيز على الكرد السوريين.
  قبل الاستنكار وإطلاق الأحكام، يجب أن نتفهم موقفهم  ونتساءل:
 لماذا هناك الكثير من المثقفين العرب المخلصين ، أي أننا نستثني هنا من اشترى صدام مواقفهم، والجماهير العربية استنكروا سقوط صدام وأحبطوا بذلك ويتعامون عن رؤية ما فعله بالعراق؟
لماذا تلتقي كتلة هائلة من التيارات اليسارية والقومية العربية والإسلامية خارج العراق على اعتبار هذا السقوط سقوطا لها ولمشاريعها السياسية ؟ ... ويبنى على ذلك سؤال مفاده: من يستحق الإدانة الديكتاتور أم نمط التفكير وطبيعة المشروع السياسي للتيارات الثلاث؟... هل هو حالة استثنائية وظرف خاص أن تجد التيارات الثلاث نفسها تعلق آمالا على رجل كصدام، أم أن صدام يمثل حقيقة وجوهر هذه التيارات في مآلها إلى نهايتها الحتمية، وبالتالي يصبح دفاعها عن صدام دفاعا عن نفسها ويصبح الأمر مفهوما؟
   لا شك أن صدام بذرة خبيثة، ووصفنا لها بالخبيثة يخفف من سوئها آلاف المرات، فقد علق أحدهم ذات مرة أن صدام قطعة من جهنم  لكنني لا أدري إن كان هذا الوصف يعبر عن درجة سوء صدام أم لا.  
    والمهم أن هذه البذرة تعتبر شرا موجودا بالقوة، حسب التعبير الفلسفي، فكيف تحول إلى وجود بالفعل ؟ ما هي التربة التي احتضنت هذه البذرة الخبيثة فأنتجت هذه النبتة الجهنمية؟
   إن تشخيص وتحديد التربة التي احتضنت صدام حتى أينع ثمارا جهنمية، موضوع يحتمل الكثير من الجدل والنقاش والبحث، ولكن اعتقد أنه يمكن تلخيص الأمر بالعقلية ونمط التفكير العشائري البدوي، وذلك لا يعتبر نتاجا بيولوجيا، إنما نتاج اجتماعي تاريخي. فالمجتمعات المعنية لم تستطع أن تتجاوز في جوهرها مستوى مجتمع تقليدي شرقي وحدته الأساسية هي القبيلة القائمة على رابطة الدم. اجتماع واقتصاد وسياسة وثقافة هذه المجتمعات لم تتجاوز منطق الرابطة القبلية القائمة على الدم، إن كل شيء في هذه المجتمعات يجبر على الاتساق مع هذا المنطق تحت تهديد الزوال .قد تظهر هنا وهناك بعض المظاهر التجاوزية الهشة لكنها تنكسر وتنتكس في النهاية إلى الجوهر القبلي.
  هذه المجتمعات عند احتكاكها بالغرب المتطور، اطلعت عل بعض منتجات حضارته الفكرية والمادية، ولم تستطع أن تتعامل معه إلا بروح العقل القبلي الذي إذا ( بلغ له الفطام صبيا ..تخر له الجبابر ساجدينا) لم تستطع أن تتعلم منه بالتدريج، بل حاولت تقليده وتجاوزه بأقصى سرعة ممكنة. فمثلا أخذت عنه المشروع القومي وحولته إلى إمبراطورية قبيلة ، وأخذت منه الاشتراكية فحولته إلى إقطاع شرقي،   حاولت القفز فوق الرأسمالية بدون أن تمتلكها، بنت المشاريع في الأذهان دون دراسة ممكنات الواقع ، مشاريع كبيرة وخطط عظيمة وإنجاز يجعلك تبكي على الصفر، فالأمر إلى وراء .  
   بين الرغبة في اللحاق بالآخر وتجاوزه وعطالة القدرة وعدم الرغبة في الاعتراف بالواقع والإمكانات كما هي، تفرز حالة مزمنة من ازدواجية الشخصية على مستوى المجتمع وتجعل العقم على مستوى الإنجاز من سمات هذا المجتمع . مجتمع لا يرضى بالقليل لفظا ويتنطح للمهام الكبرى لفظا في حين أنه لا يستطيع حتى أن يحبو، يفرز قادة يحملون أشد الشعارات تطرفا وجذرية لكنهم لا يستطيعون إلا كبح الإنجاز العملي والإمعان في الانبطاح أمام الأعداء . والتيارات السياسية التي أشرنا إليها سابقا هي ابنة هكذا مجتمعات وهكذا ظروف تاريخية ، فلا يمكن إلا أن تتطبع بها،  وبالتالي تتعاون مع مجتمعاتها لاحتضان نسخ مكبرة أو مصغرة عن صدام حسين ورعايتها ومن ثم إنتاج تجارب مأساوية كالتجربة العراقية.
  كرديا ألا نحمل التربة المناسبة لنمو صدام حسين أو نسخا مكبرة أو مصغرة عنه لكنها لا تقل عنه كارثية على مجتمعاتها ؟ اعتقد أن  الإجابة هي نعم لدينا التربة، وبالنسبة للبذور فليس من الصعب إيجادها.  ولدينا التجارب التي مرت علينا، وبعض مظاهر حياتنا السياسية والفكرية، ومستوى تطور مجتمعنا دلائل قاطعة أننا لا نقل عن إخواننا العرب في إنتاج الظروف المناسبة لإنتاج "صدام" من هذا الحجم أو  ذاك. لنتأمل تجربة حزب العمال الكردستاني وقائده عبد الله أوجلان  ومصيرهما، لنجري إحصاءا عن عدد الأحزاب السياسية الكردية في سوريا، ربما كانت تنافس العشائر الكردية في تعدادها، ونقارن   برامجها وشعاراتها وندرس أسباب تعددها، لنتأمل ظاهرة أبدية الأمناء العامين وتوريث هذا المنصب، لنتأمل حالات إجماع الحركة الكردية  في سوريا على مواقف ما ودرجة هزالة هذه المواقف، لندرس الوجود الكردي وانتماءه في برامج وتفكير هذه الأحزاب، لندرس طبيعة الحياة الداخلية لهذه الأحزاب، ولنقس حجم الفعل والإنجاز ... بعد ذلك سنتأكد أننا نعاني من خطر ظهور "صدام" أو نصف صدام ( وربما كنا نعاني من وجوده) هنا أو هناك، وهذا ما سيكون مادة الحلقات اللاحقة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تدرس نقل السلطة في غزة إلى هيئة غير مرتبطة بحماس|#غر


.. القوات الإسرائيلية تدخل جباليا وتحضيرات لمعركة رفح|#غرفة_الأ




.. اتهامات جديدة لإسرائيل في جلسة محكمة العدل الدولية بلاهاي


.. شاهد| قصف إسرائيلي متواصل يستهدف مناطق عدة في مخيم جباليا




.. اعتراضات جوية في الجليل الأعلى وهضبة الجولان شمالي الأراضي ا