الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدموع المتجمدة

محمد البوزيدي

2008 / 5 / 1
الادب والفن



حيوية الصباح
مع إشراقة كل يوم جديد يحمل العربي حقيبته الكبيرة ، يتأبط مستقبله بكل قوة وإصرار ، ويمضي بعيدا إلى مكان ليبيع سلعا يجلبها من درب عمر.
اليوم سيذهب إلى سوق القريعة حيث يجد هناك أصحاب وأحباب من كل صوب وحدب ليعرضوا سلعهم المختلفة ....
هنا الكل يمارس الإشهار بطريقته الخاصة موظفا فيه كل اللغات المعروفة، والقوافي المتعددة ،هنا سوق عكاظ آخر في فن وفتن البلاغة والخطابة سعيا لجذب الزبون المتردد والذي اعتاد هذا المنظر كل لحظة وحين ، ومحاولة دفعه لشراء سلعة ما ولو بربح ضئيل .
هنا تعيش آلاف الأسر عبر شغل معيلها الوحيد: هذا يبيع خضرا، وعجوز تعرض خبزا أعدته في منزله، بينما آخر يخاطب أصحاب الفكر بكتب حمراء وصفراء وبأثمنة مناسبة ،أما صاحب اللحية فيصر على أن أدويته وصكوكه المعدة بإتقان شفاء لما في الصدور وحماية من الذهاب المبكر للقبور ..،البعض يمارس لعبة الحظ المعروفة، وآخرون حولوا أمكنتهم إلى مطاعم رخيصة، أما علي فيبيع موادا للعطور والزينة وبعض الحلي الرخيصة.........وهكذا تستمر الحياة بلا ضفاف محددة .
السوق يتسع للجميع من القوي إلى الضعيف، من تسول الشيخ، إلى مسح الأحذية من الصغار وتوسلات المعاقين حقيقة أو افتراضا....إلى مقرات أصحاب الحال دون أن ننسى أنه منطقة نفوذ خاصة للمجانين ومختلسي الجيوب ...و.السماسرة...والعقلاء وكبار التجار أيضا.
لوحات الزوال
في منتصف النهار، يرتفع الإيقاع شيئا ما، يكثر الرواد، ويزداد الازدحام ازدحاما ، ضغط الجوع يسرع بالناس مهرولين لمنازلهم .
البعض يتوقف هنا قبل الذهاب لمنزله:هذا يشتري فواكه، والآخر يأخذ غذاءه جاهزا في أوراق خاصة ، وأصحاب الحال يأخذون حصتهم المعروفة عرفيا إما نقدا أو عينا ...يضعون الحصيلة اليومية تحت قبعاتهم المعروفة وينصرفوا ليوصلوا جزءا من الغنيمة إلى رؤسائهم في المكاتب المكيفة.
في لحظة خاصة، تتوقف الحركة نسبيا ، يعمد علي لحقيبته ، يأخذ غذاءه المطهي من المنزل ، يلتهمه بسرعة تحت ظل شجرة هناك، ويشرب ماء من قنينة بلاستيكية ترافقه دوما في الحقيبة، يعكف لاستراحة نسبية في نوم عابر موصيا زميله بالانتباه للسلع التي بقيت وحيدة دون ازدحام .

هرولة المساء
ومع المغيب، يسدل الستار على السوق اليومي ،البعض يغادر مبكرا خشية السقوط في فخ رياضيي الأصابع ، والبعض الآخر يتأخر لعله يضيف قليلا إلى الدريهمات اليومية.
بعد استنفاذ السلع يعكف علي على عد القطع النقدية المتراكمة في جيوبه المختلفة، لكن وبفطنة خاصة يتوقف عن الأمر يجمع الكل في علبة بلاستيكية سوداء مرجئا الأمر إلى المنزل حيث يستمتع بعد الحصيلة رفقة زوجته المجازة في علوم الرياضيات.
في الطريق إلى الباص، وقبل أن يغادر السوق يتعرض له ثلاثة شبان ،إثنان قيدا حركتاه ومنعاه من الصراخ ، والثالث ذهب مباشرة للقصيد وانتشل الوعاء البلاستيكي من الجيب الأيمن ، بحث في الجيوب العلوية من ملابسه، لكن لا شيء إلا البطاقة الوطنية وورقة عليها أرقام هواتف معينة ،علق أحدهم :هل نسرق منه حتى هويته ؟؟؟؟
أجابه الآخر :وبماذا ستنفعنا إن لم تنفعه الآن لحمايته منا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ .
لم يقدر على الحركة، فقد وضعوا سكينا أمام رقبته ومنعوه من الصراخ ،البعض يمر أمامه دون التدخل في الأمر، كما أن رهبة المفاجأة أفقدته قوته المعروفة، وشلت قدرته على الحركة ، لكن شجاعة طارئة جعلته يقول لهم بصوت غائر
+ أرجوكم ثمن الطاكسي لأصل منزلي .
رفض الأول، لكن الثاني أمر الثالث بمنحه خمسة دراهم قائلا لأصحابه:
ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء .

أحزان الليل
يدخل الغرفة التي يكتريها مع عائلته الصغيرة وسط شقة يتقاسمها مع ثلاث أسر أخرى في الطابق الخامس من عمارة يطلقون عليها عمارة بويا عمر .....
استقبله الصغار بابا..بابا..
حاول الابتسامة لهم كما اعتاد لكنه لم يقدر.....
حاول البكاء فلم يقدر أيضا، ولم يحتمل أمام الأبناء
يقي صامتا وسط الأطفال الذين كانوا يصيحون: بابا أين دراجتي؟؟؟؟
بابا ..أين .................أين ...؟
حاولت الزوجة معرفة سر الأمر ..لكن بكاء الرجال دوما ذا ملوحة خاصة ورسائل معينة لا يخطئها حدس القلب الجريح.
حاول البكاء من جديد لكن تجمدت المقل، فتوقف النزيف ....................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حول العالم | لوحات فنية رسمتها جبال الأرز في فيتنام


.. سكرين شوت | صناعة الموسيقى لا تتطلب آلات فقط بل أيضاً إحساس.




.. أول ظهور لفنان العرب محمد عبده بعد إعلان إصابته بالسرطان


.. «جمع ماشية ورحيم ومرادف البؤس».. أسئلة أثارت جدلًا في امتحان




.. تششيع جنازة والدة الفنان كريم عبد العزيز