الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عرسه المدوّن...قضية بلاد

حسام السراي

2008 / 5 / 2
الادب والفن



يأتي النتاج الإبداعي المتميز تتويجا لحياة وكلمات صادقة امتلك صاحبها الجرأة،بشكل يجعل النفس البشرية كبيرة بما تملك، حينما لا تقايضُ إباءها بأي ثمن، ولعل الصمت والعزوف عن الانخراط في جحافل التطبيل والمدح الفارغ،لهو تعبيرٌ أمثلٌ عن أقصى درجات الألم العبقريّ،ألم الإبداع الذي يشغل البال ويسكن الروح ويستوطن فيها، وبسبب ماحصل ويحصل في سياق ما عهدناه من شعر شعبيّ عراقي،بعد خروج ووفاة عدد من أسمائه اللامعة، والتي تبدأ ب"أبو سرحان " وطارق ياسين وكاظم الركابي ولا تنتهي عند مظفر النواب، أصبحنا نتقزّز من شيء اسمه شعر شعبي،شرب من دماء المذبوحين في حروب الدكتاتورية ومشانقها، حتى صار الى نموذج معبر عن خراب العراق ثقافيا وإنسانيا، لتواصل مسيرة الخراب اليوم مجموعة أخرى من شعراء المنابر، جُلّ مالديهم الصراخ والشتائم تحت مسمى الشعر الشعبيّ.
وفي إصداره الجديد "عرس الماي "، تتزاحم في المخيلة كلمات كثيرة من الإثابة والإجلال لكتابات كاظم غيلان، والتي ختمها مؤخرا بإصداره وهو يقول:"هذا هو ردي على موجة التسفيه التي تتسيد مشهد الشعر الشعبيّ الآن "، وكأن غيلان يدفعنا بتلك العصبية والثورة المعهودة عنه، وقت سماعه نبأ لا يروق له "ثقافيا"، لتنصيبه مفتي ثقافة، فقهه مقالاته المنتشرة في صفحات الجرائد،وفتاواه وأرائه التي شهدتها حانة اتحاد الأدباء وحانات باب توما في دمشق.
وفي كل ذلك يؤشر شكلا آخر لمبدع لا يهادن على حساب الحقيقة التي يؤمن بها ويريد لها أن تكون بوصلة لمن يعرفهم.تتوثب أفكاره من ملاذه:ذاكرته،المتشرّبة بروح الجنوب العراقي وما فيه من ماء وقصب وبردي وطيبة مغروسة في الأعماق، لأننا نتذكر ان فوزي كريم في (العودة الى كاردينيا) وهو يروي لنا ذكرياته عن محلة العباسية، يجسد لنا كيف ان الذاكرة تتحول الى ملاذ للكاتب يغرّف منها مادته الأساس، حتى وان خانته الأيام ومتاهات السياسة وما تحمله من انحطاط في صفقاتها.وكاظم غيلان مازالت ذاكرته تشكل عِمادا لنصوصه التي غرقت في أحداث صباه وشبابه وما يختزنه عقله من قوائم لأولئك الذين تخلوا عن شرفهم الثقافيّ وباعوه على باب هذا أو ذاك.
ومع تقدم القهر في عمر وطنه وعمره،وانغلاق سبل النجاة في عراق ملتهب،ما انفكت منه الأزمات والرزايا، ظل يسأل ويجادل الى مستوى محاكمته لما يكتبه من شعر، إن لم يرفع من شأن الزهد والعفة المتجذرتين في دواخله، وهنا يربط بين الفقر وشتم الناس للسائد، ودموع الأمهات وحزنهن في "الجدية" ص 23 "اهناك الفقر وحده اليقره ويكتب"/ اهناك الناس ما تمدح...بس اتسب".
ولعل ماكرره هذا الرافض لجديد العراق وقديمه،من قطيعة متواصلة مع هكذا نماذج من التسفيه للقصيد الشعبي الرصين، نجده في أكثر من قصيدة احتوتها صفحات ديوانه، مؤكدا على ان هذه القطيعة،انما هي قديمة جديدة، بتحول مادة الشعر من مدح الديكتاتور الى مدح الولاءات الرخيصة والانتماءات الضيقة والمخجلة،وفيها مؤاخاة بين هم الشعر والناس،قصيدة (اغنية عن الشعر والناس) ص77 "الشعر مثل البشر مسجون يا ناس/الشعر مثل البشر مذبوح ياناس ".
وإذ نعود للماي وعرسه، نجد ان اللغة التي يكتب بها نصوصه تحتكم لموسيقى أخاذة الى منطقة الحزن، معبرة عن رفضه للواقع،في الوقت الذي تستشرف فيه حسرات البلاد ونكباتها، ليربط بين ألم العراق وشاعره السياب في قصيدة (اعتراف) ص91 " بوجوههم ماشفت/غير العراق ووحشة السياب".
وهو يعرف قيمته وإبداعه جيدا منذ زمن، وان طالت مدة صمته،كوننا نؤمن بأن الإبداع الانساني بين حالتين،صمت ونطق، يدعونا في حالته الثانية، لتحفيز "نظر الأعمى " و"ايقاظ سمع من به صمم"، من منطلق الحفاظ على الوجود ومد يده الى القارىء ليصافحه أخيرا، لكن ليس بنموذج معتاد،بل بتحفة "غيلانية" يزف فيها نفسه إلينا في كل لحظة إهداء لصديق من أصدقائه، ممن خبّر نقاءه ودرجة انتمائه لقضية بلاده في الأمس واليوم وفي الغد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم


.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع




.. هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية