الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيد بلا محتفلين

سفيان صيام

2008 / 5 / 3
ملف الاول من آيار 2008 - أفاق الماركسية واليسار ودور الطبقة العاملة في عهد العولمة


من سخريات الأمور ما يحدث كل عام تقريبا فيما يعرف بعيد العمال حيث يمنح الموظفون _ وليس العمال _ إجازة رسمية يريحون أعصابهم بها من العمل، ويضيفون إلى رصيد إجازاتهم الكثيرة يوما على حساب العمال الذين يتمنى جلهم لو كانت هناك فرصة لأي عمل يدر عليهم قليلا من المال يقومون به حتى في هذا اليوم المعروف بعيدهم الوهمي .
وعلى مدار السنوات السابقة لم أر يوما عاملاً أخذ بحق إجازة مدفوعة الأجر في يوم العمال ، وهذا العام المصيبة أكبر وأعظم خصوصا عمالنا في قطاع غزة الذين تحولوا من أكبر قوة شرائية واقتصادية تدر على المجتمع مبالغا طائلة من الأموال ،إلى فئة من الباحثين عن البطالات غير العادلة ، والكوبونات التي توزع هنا وهناك بالسر والعلن ، وأضيفت أرقامهم بعشرات الآلاف إلى تصنيف البطالة والعاطلين عن العمل وبالتبعية القابعين تحت خط الفقر .
لكل من ينسى نذكر أن الانتفاضة الأولى عام 1987 قد اشتعلت نارها بوقود من دماء العمال الذين كان دمهم أول دم يسيل فيها ، وشرارتهم أول من أشعل نارها ولهيبها ، بل واستمر سيل دمائهم خلالها فكلنا يذكر مجزرة الأحد الأسود التي تأتينا في العشرين من مايو كل عام.
هذه الدماء التي سالت لتعيد لهذه الأرض كينونتها وتنقل الشعب الفلسطيني في ذلك الوقت من نقيض إلى نقيض ، فكلنا يذكر أنه في ذلك الوقت كانت ثقافة التعايش والقبول بالاحتلال هي القائمة لدى الشعب الفلسطيني وللإنصاف نقول لأغلب فئاته ، وقد وصل الأمر إلى حد الصداقات المتبادلة والمجاملات الاجتماعية ، وحتى نزول الأسواق المتبادل فلا تستغرب وقتها إن وجدت ليفي يتسوق في سوق الأربعاء أو الجمعة أو حتى سوق مخيم الشاطئ ، مثلما لا تستغرب إن كان مدعوا لحضور حفل زفاف ابن صديقه عبد الغزاوي ، والعكس صحيح ، لكن دماء العمال كانت نقطة التحول والبذرة التي نمت بعد ذلك وكبرت شجرة متفرعة وارفة الظلال من ثقافة الرفض بدلاً من التعايش ، وغرست روح المقاومة ، وأعادت التذكير بالإطار الطبيعي للعلاقة بين شعب تحت الاحتلال مع من يحتله بالقوة القهرية و كذلك الأساس الذي تقوم عليه هذه العلاقة وهو الرفض والمقاومة .

ليكتشف العمال بعد واحد وعشرين عاما أنهم أكثر وأول فئات الشعب الذين يدفعون ثمن روح الممانعة التي بثتها دماؤهم ، وثقافة المقاومة والرفض التي رسختها تضحياتهم ، فهم أول من دفع ثمن الانتفاضة الأولى ، وهم أول من دفع ثمن الانتفاضة الثانية نتيجة منعهم من التوجه لأماكن عملهم التي تدر عليها ربحا سخيا ، وهم أول من دفع ثمن الحصار بعد الانقلاب بعدما منعت إسرائيل المواد الأساسية بزعامة كيس الاسمنت من دخول القطاع ، وما نتج عنه من حرمان عشرات آلاف العمال من أعمالهم التي لم تكن تفي أصلا بحاجات أسرهم الأساسية ، ولكنها كانت على الأقل تمنعهم من ترصُّدِ أبواب المؤسسات للكوبونة والبطالة .

كم هو مثير للسخرية ما يحدث اليوم في ذكرى يوم العمال حيث الموظفين ينعمون بإجازة رسمية مدفوعة الأجر ، والسياسيون يتغزلون بالعمال وتضحياتهم ، والنقابيون يتكلمون عن دور الطليعة العمالية ويغزوا الجميع وسائل الإعلام ويثقلونها بكلام جميل يجعل من العمال ملوكا من ورق أو من حبر لا أكثر ، فهم المقاومة والسياسة والصمود والتحدي وبناة الدولة العتيدة ، وتطرز الكلمات والعبارات تمدح وتعظم وتبجل فيهم إلى أبعد الحدود ، ولكن هل يصدق أي عامل منهم كلمة واحدة مما يقال ، أو هل يقرأ أحد منهم ما يكتب أصلا وإن قرأ فهل يهتم أحد لذلك ، ما جدوى كل كلمات المدح والثناء ومعدة العامل خاوية .؟؟؟

العامل الفلسطيني يئن تحت وطأة الحرمان والحصار والبؤس ويعاني أكثر مما يعانيه أي مواطن من أي فئة أخرى رغم الامتياز الكبير الذي يتمتع به العامل الفلسطيني ألا وهو تمتعه برعاية حكومتين في حالة فريدة من نوعها ، وكلتاهما تتغني به وتمجده ولكن بالنهاية لا تضع في جوف أبنائه أكثر من الكلام . وتتركه وحيدا في مواجهة أمعائهم الخاوية .
دعوني أذكر بزيارة حاكم غزة بقوة الأمر الواقع إلى إيران حيث عدَّد فيما عدده من انجازات هذه الزيارة مئة دولار شهريا لستين ألف عامل لمدة ستة شهور ، والتي بقدرة الله مُسِخت إلى مئة دولار يتيمة وُزعت على الذين لم يحصلوا عليها من حكومة الضفة .

وهكذا تبدو المضحكات المبكيات المثيرات للسخرية ماثلة للعيان فهناك عيد للعمال ولكن من يستفيد منه هم الموظفون ومن يتغني به هم المثقفون والسياسيون والنقابيون والكتاب والمحللون فيما يغيب أهل العيد عن شعائره وطقوسه كأن الأمر لا يعنيهم مطلقا ، فالعرس باليمن وأهل الشام يرقصون .

هناك عيد ولكن ليس هناك من يحتفل فأصحاب العيد يغطون رؤوسهم ويتوارون عن أطفالهم خوفا من سؤال محرج وصعب ... أبي أريد أن أملأ معدتي الخاوية ،،، أبي أريد أن ألبس ثيابا بدلا من هذه البالية ،،، أبي أريد أن أحيا كغيري فمتى تحقق لي هذه الأمنية الغالية ؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد مع فراس وراند.. مين بيحب التاني أكتر؟ | خلينا نحكي


.. الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟ • فرانس 24 / FRA




.. تكثيف الضغوط على حماس وإسرائيل للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النا


.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف إطلاق النار في قطاع غز




.. هل يقترب إعلان نهاية الحرب في غزة مع عودة المفاوضات في القاه