الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من نوري السعيد الى نوري التعيس

سلام عبود

2008 / 5 / 3
الارهاب, الحرب والسلام


نوريّان حكما العراق الحديث.
بين النوريين مواطن اختلاف واتفاق تثير العجب.
نوري الأول خلع ولاءة العثماني ورفع شعارات المحرر- المحتل البريطاني، فصار رجله الأول.
ونوري الثاني أخفى تعاليم اطلاعات في جيبه وراح يعزف نشيد التحرير - الاحتلال الأميركي، فنُصّبوه فارسهم وصائلهم الأول والأخير.
نوري الأول نسب الى نفسه تأسيس العراق الجديد، الإنجليزي النكهة.
ونوري الثاني ينسب الى نفسه إعادة تأسيس العراق الجديد، الأميركي اللون والطعم والرائحة.
نوري الأول عسكري في الجيش العثماني نزع بدلة العسكر وارتدى بدلة رئيس الوزراء المدنية.
أما نوري الثاني، المدني، فقد فعل العكس، تزيّا أو ألبس صولة الفرسان وقلد نفسه رتبة القائد الأعلى للقوات المسلحة.
كنية نوري الأول ارتبطت بالظهور وبالفجر، فهو أبو صباح.
أما الثاني فارتبطت كنيته بالإدلاج والذهاب الخفي، بالإسراء.
الأول يقع من السماء على الأرض، والثاني يتبخر من الأرض الى السماء.
قُتل الأول مرتديا عباءة امرأة، وأضحى موته درسا بشعا في مساوئ تلقين الضحايا فنون الانتقام.
أما الثاني فلم يزل يتفنن تفننا عجيبا في تدريب خصومه وضحاياه وأبنائهم على سبل اختيار طريقة توديعه في رحلة الإسراء الأخيرة.
تميز نوري الأول بالمرح وروح الدعابة، بينما تميز الثاني بالمزاج السوداوي والروح الكئيبة المنقبضة.
أحاط الأول نفسه بفئات من المتنورين العصريين وصار زعيم نخبهم الحكومية غير مرة بقوة العرش الملكي، بينما اصطفى الثاني شذاذ الآفاق من الجهلة واللصوص، وصار رئيسهم الأعلى، بقوة المحاصصة والأباتشي.
اختير الأول سلميا لخمس عشرة مرة، وفق قواعد اللعبة الدستورية، التي يحتكرها هو وجماعات محدودة من العسكريين السابقين وقادة الشرائح العليا من المجتمع.
أما الثاني فقد جاء ضمن قائمة انتخابية اسمها "اتلث دويرات"، حسب تعبير سكان الجنوب. لذلك يظن أن شرعية الانتخاب تمنحه، كحاكم، شرعية القتل، وعلى وجه خاص قتل من انتخبوا قائمته. أما طريقة حصول القائمة على الأصوات فكانت أكثر من فريدة. فقد رُسمت للناخبين ثلاث دوائر ( ثلاث خمسات)، وقالوا لهم ابصموا حيثما رأيتم الدوائر الثلاث. وحينما بصم خمسة ملايين ناخب على "اتلث دويرات" ابتدأ فجر السلالات في العراق الديموقراطي، فجر الحرية الكبير.
كثيرا ما هدد نوري الأول الكتاب والصحافيين بالويل والثبور, أما الثاني فهدد الإعلاميين بما هو أعجب، هددهم بأن ينالوا عقابا أشد واقسى من عقاب الإرهابيين، ولا أحد يعلم طبيعة مثل هذا العقاب. فإذا كان الأطفال والنساء يُقنبلون بأوامر منه بالقنابل الفسفورية والانشطارية جراء تطوعهم للوقوف "كدروع بشرية تحمي ظهور العصاة"، فماذا سيفعل بمن يفضحون مجازره الجماعية (لا يحلو له النوم إذا كان عدد ضحايا كل صولة أقل من خمسمئة ذبيح!). بماذا سيقنبل منتقديه! وبأي مثقب سيحفر جماجمهم؟
نوري الثاني يهدد من نصحوه قائلين له وجّه قاذفات أف 16 نحو الحدود لايقاف تدفق الإرهابيين، أو وجهها للحد من نشاط القوى المسلحة التي لا تقوى البيشمركة على طردها من أرض العراق الجديد، أو امنع غارات القوات التركية على سيادة الوطن! لكنه لا يتذكر السيادة إلا حينما تنتهك الحدود في سوق مريدي فحسب، لأن حدود الكزيزة وسوق مريدي وخمسة ميل أقدس من حدود العراق الدولية.
المقارنات والمفارقات بين النوريين طويلة جدا ولا نهائية.
لكن أهمها أن الأول حمل لقب نوري السعيد، على الرغم من موته التعيس؛ أما الثاني فقد حق عليه لقب نوري التعيس، على الرغم من سعادته العجيبة بفن القتل الجماعي، وعلى الرغم من جهلنا الطريقة التي سيقرر بها ضحاياه رد الجميل اليه.
ترى هل سيمتد بنا العمر لنشهد ولادة نوري ثالث، نوري يكسر واحدية الرئاسة، نوري يجمع، في وحدة ديموقراطية فريدة، بين ما قبل السقوط وما بعد السقوط، بين السعادة والتعاسة، بين العمامة والشورت، بين الحجاب والبكيني، بين الأميركيين والبريطانيين، بين الصحوة والنوم، بين ولاية الفقيه والولايات المتحدة الأميركية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الصيد: مصعب الكيومي .Vs خليفة المزروعي - نقطة النهاية |


.. الشرطة التونسية تقتحم مقر -هيئة المحامين- للمرة الثانية خلال




.. طفلة فلسطينية تنهال بالبكاء متوسلة إخراج مَن تبقّى من عائلته


.. حرب غزة.. الرؤية الأميركية للصراع | #الظهيرة




.. الخارجية القطرية: الدوحة أكدت مرارا أنها ستستمر في دورها في