الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مع الأمريكان وضد الأختلاط

بكر أحمد

2008 / 5 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


يقول ذلك الشيخ بأنه يجب فصل النساء نهائيا عن الرجال وأن تكون لهم مبانيهم الخاصة ومداخلهم المعزولة عن الرجال وأن لا يتم الاختلاط معهم في أي حال من الأحوال ومهما كانت الأسباب ، وان المرأة لا يجب أن تعمل مع الرجل في نفس المبنى أو تدخل وإياه سويا من ذات المدخل ، أنه يطالب بالعزل التام بين الرجال والنساء فكلاهما وأن أختلط بالآخر ستشيع الفاحشة فيما بينهم ويعم الفساد وسيغضب الله علينا .

هذا الشيخ هو ذاته ألذي صرح أكثر من مرة بأن الجهاد في العراق محرم وأن العراقيين لا يعملون تحت لواء واحد ، والأمريكان هم الآن أصحاب هذا اللواء الذي يجب على الشعب العراقي العمل تحته وعدم الخروج عنه لأن الأمريكان هم أولياء الأمر ، وبعد هذه التصاريح أو الفتاوى ، أصبح هذا الشيخ سوبر ستار ، وصارت صوره تأتي على الغلاف في المجلات النسائية قبل هيفاء وهبي ونانسي عجرم وزاحم الكثير من المشاهير والفنانين ، وصارت تفتح له المحافل والإعلام والقنوات ، وأقصد هنا الإعلام التابع للدول المعتدلة التي تسير منذ عهود طويلة على منوال واضح وصريح ويختلف كليا عن ما تريده أمتنا .

أن كان هنالك أحدا يرى بأن هذا الشيخ متناقض بين فتاويه ، وأنه متطرف من جهة ومتساهل حد الميوعة من جهة أخرى فهو خاطئ ، وكل ما في الأمر هو أن نلحظ الوضع السائد الذي يعيشه هذا الشيخ ، ومن ثم علينا أن نقراء الوضع قراءة مادية بحته على غرار ما كان يفعله الرفاق في عهودهم السالفة ، لنكتشف حينها وبكل سهولة لماذا يسلك هذا المفتى هذا الطريق الوعر لدى البعض والطبيعي جدا لدى الغالبية العظمى .

نعرف أن المجتمعات العربية لم تعش التطور المرحلي الطبيعي الذي يجب أن تمر عليه باقي الأمم الأخرى والمتدرجة ما بين البداوة والتحضر والصناعة والثورة الثقافية ، بل أنه قفز على كثير من المراحل ، فاسقط أهم نظرية اجتماعية و التي تقول بأن التطور الاجتماعي قرين وملازم للرخاء الاقتصادي ، وبعض العرب حباهم الله بنعمة النفط الذي نقلهم وخلال فترة وجيزة إلى مجتمع ينعم في بحبوبة من العيش الخارجي أو السطحي ، بينما هو يكتنز ذات الثقافة وذات الفكر القائم على ذكورية الرجل واستجداء الماضي ليكن حاضرا وحاكما ومسيرا لكل مناحي حياته ، وهذا ما جعل ذلك الشيخ يعطي هذا المجتمع ما يريده في تزمته وربما كراهيته للمرأة ، ومن جهة أخرى يرضي قادته السياسيين الذين هم في الصف الأمريكي حيثما ذهب أو توجه ، لذا هذا الشيخ يعتبر من أثرياء البلد ويشغل مناصب عاليه ويتمتع بالنفوذ الكبير ، وما كانت الفتاوى واللحية سوى طريقة سهلة وسلسلة يمكن الاستفادة منها في ظل مجتمع يرى في رجل الدين هو كل شيء وهو الذي من حقه أن يتحدث عن كل شيء وفي كل وقت وزمان .
هذا النموذج لا يختلف كثيرا عن بعض النماذج من رجال الدين الموجودين في اليمن ، فهنالك من هم أكثر تطرفا من الشيخ السعودي وأكثر ولاءً وقربا للنظام الفاسد ومع ذلك لا يستغرب أحدا منه ذلك الشيء ، فهو شيخ وهو يستطيع أن يشفي الآخرين من مرض الايدز وهو من يستطيع أن يخلق أنواعا شتى من مسميات الزواج ليعزف على الوتر ألذكوري ثم يذهب إلى تجارته ويروج لها ويجني هو الآخر ثروة هائلة وكبيرة .

هذا النوع من الدين ميزته أنه نشاء وترعرع في أحضان النظام السياسي أو بأكثر دقه تحت نظر الاستخبارات الأمريكية التي مولتهم بالسلاح وبالدعاية في حربها ضد السوفييت ، وبعد انتهاء الحرب ، بعضا منهم تمرد والبعض الآخر ظل على ولائه للأمريكان يبرر لهم أفعالهم ويحلل لهم كل جرائمهم بحق الإنسانية .

وهذا الدين الذي ظل مع الخط الأمريكي هو حليف تقليدي قديم لواشنطن ، وهو الدين الذي تسميه أمريكا الآن بالدين المعتدل الذي يقمع الشعوب وحريتها ويفرق بين رجاله ونسائه والذي يمنع دعاوى التحرر من الطغيان والاستبداد العالمي والذي يرفع من الأنظمة الحاكمة حد القداسة ، لذا كان عليه أن يكون هو النموذج والقدوة ويجب أن يظهر على القنوات الفضائية والمجلات الدعائية .

لكن ألا نلاحظ دائما أنه هنالك ربط متين بين التخلف الفكري والثقافي وبين الولاء الكبير للأجنبي المحتل الذي يجيد فن قتل الشعوب واستغلال ثرواتها ، وانه هنالك ربط من جهة أخرى بين التحرر الثقافي والفكري والنهضوي وبين مقارعة الاحتلال ومناصرة المظلومين ، وأن هؤلاء الفريقين كانوا في نزاع مستمر وطويل يبدو أنه حسم ولو مؤقتا لصالح الرجعية الغنية على حساب التقدمية الفقيرة ، وهذا النصر سيؤدي إلى تمزيق العراق إلى أكثر من دولة بعد أن ساهم في احتلالها ، وإلى إضاعة فلسطين بشكل نهائي بعد أن تحولت القضية إلى مسألة صراع داخلي تافه بين الفلسطينيين أنفسهم ، وهم أيضا ذاتهم من يساهمون وبنفس العنفوان ضد سوريا حاليا حسب الرغبة الأمريكية .
وهذه الرجعية ومنذ نشأتها على صور دول وأقطار نجدها دائما وكل ما تقوم به يصب في النهاية في صالح دولة إسرائيل حتى وأن لم يقوموا بعلاقات دبلوماسية أو اقتصادية معها ، وقد تلتقي مصالح بعض الدول في مرات متفرقة ، لكن أن يكون كل تحرك تقوم به بعض دولنا العربية المعتدلة هو في صالح تل أبيب فتلك مفارقة لم تعد تثير استغراب أحد .

سيبقى هذا الدين المتخلف هو المهيمن على الشارع العربي ، فهو يملك المال والنفط والإعلام وهو يجد دعم من الولايات المتحدة الأمريكية ، بينما الآخرين من ذوي الثقافة التحررية لا مكان لهم على الخارطة ، فهم زنادقة وكفار وملحدين وعلمانيون ، وهم وقبل كل ذلك عزلوا نفسهم وقعدوا في بروجا عاجية ينٌظروا لثقافة غير مفهومة ويتحدثون عن مشاكل غير موجودة ويبحثون عن حلول لقضايا لا تعني أحد في منطقتنا ، في وقت برزت طبقة أخري تريد أن تسحب البساط منهم باستخدام نفس الخطاب الليبرالي التحرري ولكنه بنفس صياغة الدين الأمريكي ، أنهم الليبراليون الجدد الذين ملاؤ الدنيا تنظيرا وتبريرا للوجود الأمريكي والاستعمار الغربي .

لا أحسب أنه ثمة عدالة مستعجلة يمكن أن تأتي لتختطف الجاني وتنصر المظلوم ، لأنه وأن كان كذلك ، لما كان لرجل مثل جورج دبليو بوش أن ينجو بفعلته بعد أن تسبب في مقتل الملايين من البشر خلال فترة زمنية قياسية ، ثم يغادر قصر حكمه بكل تلك الحفاوة والابتسامات المتملقة ، ولكني أثق أكثر بقدرة الشعوب أن يأتي لها يوما لتنتصر لحقها وتأخذ حريتها عنوة مهما طال الزمن ، وأومن أيضا بأن مصير منطقتنا العربية هي التحرر الثقافي والمساواة بين الجنس والدين والفكر لأن هذه هي الخطوة الأولى نحو التقدم الصناعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي بمختلف المستويات والأصعدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكبر هيكل عظمي لديناصور في العالم معروض للبيع بمزاد علني.. ب


.. لابيد يحذر نتنياهو من -حكم بالإعدام- بحق المختطفين




.. ضغوط عربية ودولية على نتنياهو وحماس للقبول بمقترحات بايدن بش


.. أردوغان يصف نتائج هيئة الإحصاء بأنها كارثة حقيقية وتهديد وجو




.. هل بإمكان ترامب الترشح للرئاسة بعد إدانته بـ34 تهمة؟