الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو مفهوم جديد للعروبة

مهدي سعد

2008 / 5 / 3
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


انتشرت في السنوات الأخيرة الدعوات لبلورة مفهوم جديد للعروبة يزيل عنها غبار الشوائب التي علقت بها على مدار عقود متواصلة عايشت خلالها أخطاءً أرتكبت باسمها وأفكارًا شمولية ارتدت عباءتها.

أعتقد أن أكبر ضربة تلقتها العروبة كانت من قبل "القوميين العرب" الذين حصروا مفهومها في إطار سياسي ضيق معتبرين العروبة "قومية"، وهم بذلك ارتكبوا أكبر جريمة بحقها برغم أنهم يدعون "الذود عن حياضها"، ذلك أن العروبة تتعدى كونها "قومية" لتكون هوية حضارية وثقافية تجمع مختلف الشعوب الناطقة بلغة الضاد.

لفهم حقيقة "الفكر القومي العربي" من الضروري الرجوع إلى ينابيع "الفكر القومي" في أوروبا العائدة جذوره إلى القرن التاسع عشر للميلاد الذي شهد صعودًا كبيرًا للأفكار القومية، فراحت الشعوب الأوروبية تطالب بحقها في تقرير مصيرها على أساس أن كل شعب منها ينتمي أبناءه إلى قومية واحدة. تلقفت كوكبة من المفكرين العرب "الأفكار القومية" وأخذت تدعو إلى "الوحدة العربية" وإنشاء دولة عربية واحدة من المحيط إلى الخليج بحجة أن العرب "أمة واحدة" تجمعها كل مركبات القومية بمفهومها الأوروبي الحديث. وبناءً على هذا الفكر قامت عدة محاولات "وحدوية" بين عدد من الدول العربية انتهت جميعها بالفشل الذريع.

تعود أسباب هذا الفشل برأيي إلى إغفال "القوميين العرب" لمفهوم "العروبة التاريخية" التي شكلت الوعاء الحضاري لشعوب المنطقة العربية على مدار قرون من الزمن وكانت -وما زالت- تمثل رابطة جماعية لهم في مختلف أماكن تواجدهم. إلا أن هذه الرابطة لا تصل إلى حدود "القومية" كما يدعي "القوميون العرب"، لأن الهوية العربية تجمع تحت عبائتها عدة شعوب وأمم قاطنة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكل شعب منها خصوصيته القومية المختلفة عن الشعوب العربية الأخرى.

المطلوب هو تبني مفهوم جديد للعروبة يكون مؤسسًا على الهوية العربية المشتركة التي تلتف حولها مختلف الشعوب الناطقة بالعربية، مع الأخذ بالإعتبار الخصوصيات القومية التي تنفرد بها كل دولة عربية، بمعنى أن الأوطان العربية هي دول مستقلة ذات سيادة وليست "أقطارًا مؤقتة" أو "كيانات مقتطعة من الوطن العربي الكبير" بحسب الفكر القومي العربي.

أضف إلى ذلك أن "العروبة الجديدة" يجب أن تكون أكثر إنسانية ومنفتحة على بقية ثقافات العالم في ظل "العولمة" التي تحتم على مختلف شعوب الأرض التواصل فيما بينها من أجل المشاركة في بناء الكون الإنساني الكبير.

العروبة من المفروض أن تكون بنظر المعلم كمال جنبلاط "وسيلة أخرى للالتقاء مع الآخرين، للانفتاح على ماهيتهم وهويتهم، للانسجام في حياتهم، للإسهام في عيش الجماعات كلها القاطنة فسحة هذه الأرض الصغيرة". وليست "أداة انكماش أو عزلة، أو قطبًا مثيرًا دائرًا على نفسه، محتجبًا ومنزويًا في أنانية ذاته".

كذلك من المهم أن ترتكز العروبة على النهج الديمقراطي السليم الذي يعطيها صبغتها الحضارية والتقدمية، فالديمقراطية باتت معيارًا هامًا لتحديد مدى نجاعة أي فكر أو تصور يتعلق بحياة الشعوب والأمم.

لقد ثبت أن القومية العربية ليست إلا خرافة من عالم الخيال لا تمت بصلة للواقع. والبديل الحقيقي لها هو "عروبة إنسانية حضارية تصالح العرب مع ذاتهم ومع العالم" و "نظام عربي يحترم الهويات والمصالح والسيادة الوطنية" وفق ما ذهبت إليه قوى الـ 14 من آذار في لبنان.













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا