الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غباء الطغاة

سمير طاهر

2008 / 5 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


أظرف خطابات الحكام العرب خطاباتهم الانتخابية! فبعدما سلموا بالأمر الواقع واضطروا الى مجاراة العالم في "موجة" الديمقراطية والانتخابات التي تجتاحه، وقرروا ـ بتواضع ـ الترشح للانتخابات "مثلهم مثل أي مواطن آخر!"، وجدوا أنفسهم مطالبين بصياغة خطابات وبرامج انتخابية، وهنا المأزق. فما عساهم سيقولون لجمهورهم؟! إن تحدث أحدهم عن "قيادته للشعب" خلال فترة حكمه المديدة فان الخطابات الانتخابية لمرشحي المعارضة تكشف عن "قيادته" للفساد والنهب والقمع طوال هذه الفترة. ولشعبية شعار "التغيير" وقوة تأثيره في الجمهور اضطر الحكام العرب أيضا الى منافسة المعارضة به فطالبوا بدورهم بالتغيير، ونسوا أحيانا أنفسهم فاسترسلوا في الكلام مطالبين بتغيير "الأوضاع البائسة" بما فيها من "الفساد" و" التخلف" و"القهر" و"نهب البلد وناسها" و"استخدام العنف ضد المعارضين"! ثم يختتمون خطاباتهم تلك بالحث على انتخابهم لكي يتم تغيير الأوضاع على أيديهم! هل ثمة صورة كاريكاتيرية أظرف من صورة حاكم يدين ما جنت يداه ويطالب بأن يغير، هو نفسه، نظامه الحاكم؟! لكن هذا الكاريكاتير تجسد بكامله على أرض الواقع في عدة بلدان عربية: اليمن، سوريا، ليبيا، تونس، مصر.
ان حكامنا يرفضون حتى النفس الأخير الاعتراف بمسؤوليتهم عن تردي الأوضاع المحلية في بلدانهم وتردي الوضع العربي عموما. عندما أدى حاكم ليبيا معمر القذافي أحد عروضه المسرحية بأن قاد "بلدوزر" وهدم به سجنا صحراويا للمعارضين في ثورة على "القمع السياسي" فقد افتتح بذلك عهد الكاريكاتير العربي حيث يصمت الحاكم وهو يسجن الناس سراً ثم يهتف وهو يطلق سراحهم أمام الكاميرات. الأمر نفسه شهدناه في بلدان عربية أخرى عندما كانت الأنظمة تعلن الحرب أثناء الانتخابات على كل ما ظلت هي تمارسه في صمت زمنا طويلا. وبمناسبة ليبيا فان الوريث القادم للقذافي لا يغفل في خطبه الرنانة إنتقاد سلبيات الحكم الراهن وسوء الأحوال العامة في عهد والده، واعداً ـ ضمنياً ـ بوضع حد لذلك كله بمجرد استلامه الارث!
لكن اللافت هو إنه عندما تنتقد بيانات الحكام وخطبهم الانتخابية الأوضاع البائسة في بلدانهم فإن هذا يعني أنهم على دراية تامة بهذا البؤس. عجباً، إذا كانوا على دراية بما هو سيء وظالم فلماذا ظلوا يمارسونه كل هذه العقود؟! إذا كانوا يعرفون أن الفساد فساد، وأن الظم ظلم وأن الإثْرة إثْرة، فلماذا أفسدوا وظلموا واستأثروا؟ لقد فعلوا ذلك ـ إذن ـ عامدين، وهذا يكذّب خطاباتهم، ويكذّبهم. وأكثر من ذلك لا يبدو أن لديهم نية لوضع حد لسنّتهم هذه، ولا ينوون أن يتغيروا، بدليل أنهم يتوسلون كل وسيلة لكي يظلوا في الحكم: فالتوريث إن تَسَنّى، وإلا فـ "الانتخاب"!
في "ربيع دمشق" عقب موت حافظ الأسد كان المطلوب هو امتصاص النقمة الشعبية على "توريث الديكتاتورية"، فنَصَحت المخابرات السورية السلطة بأن يتم تصوير التوريث وكأنه ولادة للديمقراطية: فمنع بشار رفع صور له في الأماكن العامة وفتح الباب للصحافة المستقلة والمنظمات المدنية فعم البلاد جو من الرضى، ولم يتسبب عن ذلك أي تهديد للحكم (كما تتحجج الأنظمة العربية) بل بالعكس كان ثمة شعور عام بالامتنان والدعم لـ "الرئيس الشاب" الجديد. لكن هذا الامتنان والدعم لم يشفعا، فما أن استتب الوضع وتأمنت سلطات الرئيس حتى أعيد كل شيء الى سابقه: لا صحافة مستقلة ولا تنظيمات مدنية ولا ديمقراطية! أي أن الرئيس الشاب، والمخابرات غير الشابة، والجهاز الحاكم كله يعرف ما يحبه الشعب وما يكرهه، فقدموا له ما يحب (الديمقراطية) برهة من الزمن لكي يديموا عليه ما يكره: الطغيان. إنهم واعون بما يفعلون. إنهم يعرفون ما العدل وما الظلم ويختارون الظلم.
الطغاة في بلداننا لا يجهلون واقع بلدانهم وشعوبهم، إنهم يعرفونه جيداً وإلا لما تمكنوا بدهائهم من الصعود الى الحكم. كما إن هواجسهم الأمنية أنتجت أعدادا ضخمة من المستشارين وأجهزة جمع وتنظيم المعلومات، والاحصاءات والوقائع توضع على مكاتبهم يومياً عن كل شيء وكل فرد يشاؤون في البلاد. هذا إضافة الى المعلومات التي يجبَرون على الاطلاع عليها مثل تقارير المنظمات الدولية أو حتى وكالات الأنباء. ولكن مع ذلك يبقى هؤلاء الطغاة أغبياء، وذلك لأنهم ـ بعد كل علمهم هذا عن واقع بلدانهم وشعوبهم ـ يختارون عن عمد أن يكونوا طغاة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|