الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركمان العراق : مواطنون ... ام رعايا ؟

ابراهيم الداقوقي

2004 / 1 / 6
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


ترددت كثيرا في الكتابة حول هذا الموضوع الشائك والمتشابك ، الذي تختلط فيه الهويات المختلفة ومفاهيم المواطنة ومعايير الديموقراطية وحقوق الانسان ، لاسيما بعد سقوط نظام الطاغية صدام حسين الذي نال التركمان – مثل المواطنين الاخرين – من غضبه واذيته وحقده وطغيانه ، الشئ الكثير : السجن والاعدام والتشريد( التهجير ) ومصادرة الاملاك ، اضافة الى سحب حق التملك او التصرف بالاملاك والعقارات .
وابتدءا اود التأكيد بان ثمة حقيقة واقعية – يقر بها الجميع – هي : ان التركمان في العراق يؤلفون الضلع الثالث من مربع الاثنيات والاديان والطوائف المتآخية في العراق ، بعد العرب والاكراد ،  منذ تأسيس الدولة العراقية الى يوم الناس هذا . كما ان ثمة حقيقة اجتماعية ملحوظة عن تركمان العراق ، هي انهم – واكاد اقول جميعهم – هم من الطبقة الوسطى التي تسكن المدن من جهة ، وانها كانت بعيدة عن العمل السياسي المنظّم حتى الانقلاب العسكري الثالث ( 1968 ) لان غالبيتهم العظمى محافظون متدينون وعلى خلفية معاداة اليسار ، رغم علمانية معظمهم وتسامحهم الديني ، من جهة اخرى .
واذا كانت المصادر التاريخية الموثوقة تؤكد بان التركمان وردوا الى العراق صمن جيش الامبراطور داريوس الفارسي ( المؤلف من الف الف مقاتل ) لمحاربة الاسكندر المقدوني عام 330 ق. م في معركة كواكميلا الشهيرة قرب اربيل الحالية ، حيث انهزم داريوس امام حنكة وتنظيم الاسكندر ( ول ديورانت – تاريخ الحضارة 3/ 460 ) فنتشراولئك الجند المهزومين في اراضي ميزوبوتاميا ... فان المصادر التاريخية الحديثة تؤكد بان السلالات التركمانية حكمت العراق اكثر من قرن ( 1401 - 1507 ) من خلال حكومتي القراقويونلية ( الخروف الاسود ) والآق قويونلية ( الخروف الابيض ) الى ان قضى عليها العثمانيون الذين كانوا سببا في ورود موجات اخرى من التركمان ( الاتراك ) الى العراق . ومن هنا فان ما ذهب اليه المؤرخ العراقي المرحوم عباس العزاوي ( تاريخ العراق بين احتلالين ) من ان التركمان العراقيين " هم من بقايا العثمانيين الذين جلبوا هؤلاء القوم الى العراق واسكنوهم في الهلال الممتد من تلعفر شمالا الى قزلرباط وشهربان على الحدود الايرانية ليكونوا حاجزا بين العرب والاكراد " امر يتناقض مع الوقائع التاريخية والمصادر الموثوقة حول تاريخ التركمان العراقيين . وبانهم مواطنون عراقيون ، قبل ان يكونوا رعايا العثمانيين او الاتراك المحدثين في الجمهورية التركية الحديثة ، رغم اتصالهم من حيث الارومة – باعتبارهم بطنا من بطون الاتراك الاثنين والعشرين في موطنهم الاصلي ( اسيا الوسطى ) كما اكدها الكشغري في ديوان لغات الترك ، بغداد 466 للهجرة – بالامة التركية المنداحة على مساحة واسعة من الارض تمتد من شمال الصين شرقا الى البحر الادرياتيكي غربا .
ولكن ، رغم هذا التاريخ الطويل لتركمان العراق الذين وجدوا في القسم الشمالي من بلاد الرافدين كمجموعة بشرية كبيرة  بعد الاكراد – الذين اشار اليهم الفيلسوف والقائد اليوناني زينفون عام 409 ق. م. في بلادهم كردوخيا –.في كردستان العراق ... فان صفة ( الرعايا العثمانيين ) و ( العمالة لتركيا ) بقيت لاصقة بهم بسبب الايديولوجيات المسيطرة  والمتغيرات السياسية المحلية  والدولية في المنطقة حتى سقوط نظام صدام حسين  وانتخاب الدكتور كمال عبد الرحمن لرئاسة الجبهة الوطنية التركمانية العراقية ، الذي اكد عقب انتخابه مباشرة  " ان الجبهة التركمانية هي منظمة سياسية عراقية ، لا علاقة لها بالجهات الاجنبية . كما ان علاقتها مع تركيا مثل علاقة الاحزاب العراقية القائمة بامريكا او ايران – مثلا – وضمن المصلحة الوطنية العراقية " . غير ان لموقف بعض المتطرفين العراقيين وتركيا – من نظام صدام حسين وااشأن العراقي – دور في استمرار تلك ( اللعنة ) اللاصقة بالتركمان .
 ففي الوقت الذي سكتت فيه تركيا – رغم علاقاتها الجيدة بالنظام الساقط – عن اعدام رئيس النادي التركماني اللواء المتقاعد عبدالله عبد الرحمن – والد الدكتور كمال عبد الرحمان  بالتهمة اياها ، وهي العمالة لتركيا والتجسس – مع عضوين من الهيئة الادارية للنادي المذكور ، وهي التهمة الجاهزة التي كان يتهم بها النظام الساقط ، كل الوطنيين والمعارضين له او غير الخاضعين لمشيئة الدكتاتور ، لا لسبب الا لانه اقام دعوة عشاء للسفير التركي في نادي الاخاء التركماني بمناسبة نقل السفير المذكور الى انقرة ....فانها – أي انقرة - قد سكتت ايضا عن تهجير تركمان كركوك المعارضين وغير المنتمين الى الحزب ، الى الكوت والبصرة او السليمانية مع مصادرة املاكهم ومنحها للعرب المنقولين اليها قصد تعريب هذه المدينة التي - كانت ولا تزال – تعد مدينة التآخي والتآلف والانسجام منذ تاسيس الدولة العراقية ، رغم مطالبة كل من التركمان والاكراد بها دون ان يستطيع أي منهما اثبات حيازة اقلياتها على الاكثرية السكانية فيها - تاريخيا – الى الان . ولذلك فانني انصح بعض المتطرفين من الاخوة الاعداء -_ الاكراد والتركمان – ا ن يتخلوا عن المطالبة بكركوك -  مدينة التآخي القومي ورمز الوحدة الوطنية ، لسببن : ان العراقيين ومعظم العرب لا يقبلون بفكرة الحاق كركوك باقليم كردستان  او جعلها مركز ( تركمنستان )  التي يدعو بعص التركمان اقامتها في العراق" حفاظا على وحدة التراب الوطني وبحجة حماية الامن القومي "  نظرا لعدم نضوج الممارسة الديموقراطية والاعتراف بالرأي الاخر بصدق ومسؤولية في العراق وبالتالي لرفضهم فكرة الفيدرالية او الاعتراف بحق تقرير المصير اولا ... ولأن الالحاح على تلك المطالبة وتطورها الى الكفاح المسلح بين الاخوة الاعداء قد تتخذها قوات الاحتلال حجة لفصل ولاية الموصل القديمة والحاقها باحدى – او اكثر من واحدة من دول الجوار في سيناريوهاتها المعدة لاعادة تشكيل المنطقة العربية – وفق تطلعات المحافظين الجدد في واشنطن والايديولوجيات المسيطرة في المنطقة -  او في مساوماتها مع دول الجوار لتنفيذ تلك المخططات ، لايماني بان الزمن وخلال العشرين عاما القادمة كفيل بحل مشكلة الاقليات في الوطن العربي . كما ان انقرة ساندت الجبهة التركمانية السابقة في اربيل واقامت لها اذاعة وتلفزيونا ومدارس تقوم بتدريس المناهج الدراسية التركية وباللغة اللاتينية لفصل التركمان عن اخوانهم الاكراد العراقيين من جهة ولاستخدام الجبهة المذكورة ضد منظمة حزب العمال الكردستاني التركي ، الذي حلت بعض فصائله في كردستان العراق  بعد القاء القبض على رئيسها اوجلان عام 1998 من جهة اخرى. 
وبعد سقوط نظام الدكتاتور ، وتشكيل مجلس الحكم بامر قائد الاحتلال ، انتقمت اميركا من عدم مشاركة انقرة لغزوها للعراق ، من تركمان العراق برفض اشراك الجبهة التركمانية – رغم عضويتها في مجلس المعارضة بلندن – في مجلس الحكم نكاية بانقرة وعينت  بدلا منها -  أي من الجبهة -  مهندسة تركمانية غير معروفة في الاوساط التركمانية – مع احترامي لها ولوطنيتها – ثقافيا او اجتماعيا او سياسيا ، عضوا في مجلس الحكم وكممثلة للاقلية التركمانية فيه . وهو الامر الذي سيضطر معه التركمان – وبالتالي جبهتهم المنتخبة ، للتعاون مع الجهات غير الممثلة في مجلس الحكم لاثبات وجودهم – وهم محقون في ذلك – للحفاظ على هويتهم التقافية في العراق الجديد والديموقراطي .
لقد كان الاكراد والتركمان – اللذين تربطهما اقوى الوشائج الاجتماعية -  ضحية مساومات الدول الكبرى منذ ان وجد النفط في باباكركر ( كركوك ) بالاضافة الى دول المنطقة وصراعهما معا – او ضد بعضهما البعض -  لتحقيق مصالحهما الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة . ومثلما كان بعض المحللين ، يصفون الاكراد بالعمالة للانكليز بعد الحرب العالمية الاولى ، فانهم انفسهم يصفون الاكراد – اليوم – بالعمالة للاميركيين وكذلك التركمان بالعمالة لتركيا من اجل اثارة الحساسيات من جهة ولضرب الوحدة الوطنية القائمة على الاخاء والتسامح والحرص على وحدة نسيج المجتمع العراقي بموزاييكه المتعدد الاطياف سياسيا وثقافيا واجتماعيا ، مثلما اثار عملاء شركة نفط العراق ، الفتنة الطائفية في كركوك في احتفالات الذكرى الاولى بتأسيس الجمهورية باطلاق العيارات النارية ضد المتظاهرين الاكراد ابتهاجا بالمناسبة ، ثم اتهام التركمان بمحاولة القيام بمؤامرة ضد ثورة 1958 " بالاتفاق مع اللواء ناظم الطبقجلي  قائد الفرقة الثانية- آنذاك -   في كركوك " ثم بدء عمليات السحل والقتل العشوائي والنهب التي قام بها عملاء الشركة واتهام بعض الوطنيين الشرفاء من الشيوعيين والاكراد ، بارتكاب تلك العمليات لتصفية العناصر الوطنية النظيفة من القوميين واليساريين معا ، لضرب الوحدة الوطنية والتسامح الاخوي في مدينة التآخي ( كركوك ) خدمة لمصالح الاستعمار البريطاني انذاك . غير ان شعور العراقيين الاباة بمسؤوليتهم التاريخية وبدرجة عالية من نكران الذات من اجل بناء العراق الديموقراطي ، المسالم والمؤمن بالتعددية و  بالتسامح الفكري والديني سيقضي – اليوم – على المخطط اياه ، بعد الاحداث المؤسفة التي وقعت خلال الاسبوعين الماضيين ، التي تريد بها ايتام النظام الساقط وعملاء الاستعمار الجديد المغلف بالديموقراطية اثارة احقاد الماضي للاصطياد في المياه العكرة مرة اخرى  .
ان الشعب العراقي الواعي لاهداف الايديولوجيات المسيطرة في المنطقة العربية ومحاولاتها بشتى الطرق لضرب الوحدة الوطنية باثارة النعرات العرقية والطائفية والمذهبية في عراق اليوم ، الذي تخلص من اعتي الانظمة الدكتاتورية والفاشية والمتخلفة في العالم ، سوف لن يسمح بعودة مأساة القرن بآلته الجهنمية لتطحنه من جديد . لان تلك المأساة قد خلق من الانسان العراقي ، فرداً آخر يؤمن بحقه في الحياة الحرة والكريمة ومستعد للتضحية من اجلها . ليكون عراق المستقبل ، القوي والمتحضر بحكومته المستقلة ودولته – دولة القانون والعدالة وحقوق الانسان -  الفيدرالية ، قدوة لكل بلدان الشرق الاوسط الكبير من افغانستان شرقا الى نواكشوط غربا ، اما قوات التحالف المحتلة لبلادنا فان الزمن كفيل برحيله ، عاجلا او آجلا .
واذا كان الدرس الحقيقي الذي يجب ان نستخلصه من مهزلة القاء القبض على صدام حسين – بذلك الشكل المهين وبتلك الهيئة الخانعة والمذلة – هو ان نعي عواقب الاستبداد والدكتاتورية ، واهمية العمل الجمعي ومشاركة جميع اطياف الموشور السياسي في ظل الحريات والممارسة الديموقراطية في بلادنا ... فان الامل معقود على مجلس الحكم من اجل تحقيق امرين : ضم كافة الاطياف السياسية غير الممثلة فيه اليوم – لاسباب ومسببات عديدة – لكي لا تنجذب الى مراكز الجذب الاجنبية ، سواءا في الجوار او مراكز الآخرين الطامعين بارضنا وثرواتنا من جهة ، ثم العمل على اعادة بناء الدولة والمجتمع بما يخدم وقوف العراق على قدميه – امنيا وديموقراطيا واقتصاديا – للنهوض بعمليتي الاعمار والاصلاح معا ، من جهة اخرى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب يؤكد أن نيكي هيلي ليست في قائمة المرشحين لمنصب نائب ال


.. هل انهارت مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس؟




.. الناطق باسم الدفاع المدني بغزة: القصف الإسرائيلي لم يتوقف دق


.. فلسطيني يوثق استشهاد شقيقه بقصف الاحتلال




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يهتفون بـ -انتفاضة- في طوكيو