الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(ستنا) إمرأة بحجم الثورة قصة .. أشبه ما تكون واقعية !!

هشام الطيب الفكي

2008 / 5 / 5
الادب والفن


كان يوماً كسائر أيام السنة ، وكانت الحاجة "ستنا" تأمل أن تبيع جميع أكياس التسالي والفول في هذا الصباح ، لقد ضاق بها الحال ولم تبتسم لها الدنيا منذ أمد بعيد ، الحاجة " ستنا " من النساء الشرفاء في هذا البلد الظالم أهله ، كان جل أحلامها أن تكسب المال الحلال ، لتعيش أبناءها ويكملوا ماتبقى من مراحل تعليمهم .
كانت حاجة " ستنـا " تقاوم الام الظهر الحادة ووجع المفاصل من كثرة الجلوس على "بنبر" العمل ، فهي تكافح من أجل اللقمة الشريفة والعيشة البسيطة ، لكيلا تشعر أبناءها الأربعة بمرارة التيتم ، فهي أم وأب في ان واحد ، لقد إستشهد زوجهـا " دانيال " في ظروف غامضة ، حيث تم إعتقاله من منزله لمدة ثمانية أيام وبعدها تم حبسه في إحدى الزنازين الضيقة بسجن كوبر ، ثم أطلق سراحه قبل أسبوع واحد من إستشهاده ، ففي حياة الثوريين العظام كثيراً ماتقوم الطبقات الظالمة والأجهزة القمعية بالملاحقات الدائمة وتلقى تعذيبها بغيظ وحشي أبعد وحشية وحقد جنوني أبعد الجنون بحملات من الكذب والافتراء، إن " دانيال " ، شأن جميع الثوريين العظام، كان يسعى ليلفت أنظار العمال الواعين إلى ما يبدو بالضبط في نظر الذهنية البرجوازية السائدة أقل ما يستحق الإنتباه، إلى أكثر ما يبدو لها مألوفا ، أو مقدسا بأوهام متأصلة، لذلك تم إستهدافه ، و إستشهد " دانيال " بعد أن خلف أربعة من الأبناء أطلق عليهم ( يسار ، شفيع ، ميري واخر أطلق عليه إسم عبد الخالق ) أسوة بالشهيد عبد الخالق محجوب ، فلقد كان " دانيال " زوج الحاجة " ستنا" من المتأثرين بالحركة الإشتراكية في هذا الوطن ، مهموماُ بقضايا العمال والثورة ، فكان دائماً هو المحرض و الثائر في قضايا العمال والجماهير .
كانت الحاجة " ستنا " رغم بعدها عن النشاط السياسي الذي شغلها عنه هموم الحياة وكثرة الأشغال ودراسة الأبناء ، لكنها كانت كثيرا ما تهتم بالحركة النسائية و تؤمن بدورها الفعال في تنمية المجتمع ، كونِها من المناضلات اللبراليات في تلك القرية التي كانت تقطن فيها أسرتهم البسيطة ، كما كانت الحاجة "ستنا " من النساء الناشطات ضد سلطة النظام الشمولي ، ومناصرةً لثورة البرولتارية تلك الطبقة الكادحة التي تتسم بالققر المدقع .
إمتهنت حاجة " ستنا " العديد من المهن بعد إستشهاد زوجها ، فعملت كمعلمة في إحدى المدارس الإبتدائية ليتم فصلها من التدريس ثم إلتحقت باحد المصانع قبل أن يتم إغلاقه ويشرد عماله بكل قسوة ، ثم أختارت أن تجلس على" بنبر " العمل لتبيع الفول والتسالي وأشياء اخرى معبأة في أكياس ثمنها لا يزيد عن العشرة جنيهات جلست بهم أمام منزلها البسيط .. لتتكفل عيشة أبناءها الاربعة وتضمن نجاح مستقبلهم .
لم تكن الحاجة " ستنا " تعلم أن هذا الصباح هو الاسوأ في حياتها وقد علمت بذلك عندما رأت مجموعة من قوات "الكجر " في حملة فارغة المحتوى أطلق عليها " النظام العام" تكاد تكون أشبه بالسرقة أوالنهب المسلح إستغلالاً لسلطة تنفيذ القانون المزمع فقد إعتادوا على القيام بمثل هذه الحملات كلما إحتاجت السلطة المتخلفة الى المال . أو كلما كانت ميزانية النظام عاجزة او ضئيلة .
كانوا ينظرون بتركيز شديد لثروة الحاجة "ستنا" المتمثلة في "صينية " عليها أكياس التسالي والفول وكل ما تمتلك الحاجة "ستنا " من ما يبقي فرض وجودها لتكون في هذه الحياة ، لم يراعوا الى الإنسانية أو حتى في إحترام إمرأة في سن " ستنا " ، لم يكتفوا بمصادرة ثروة الحاجة " ستنا " فقط .. بل زادو عليها غرامةٍ باهظة ، لم تستطع الحاجة " ستنا " دفعها فأٌخِذت نزيلةً بسجن النساء.
لم تكن الحاجة " ستنا " تهتم بأمر سجنها كثيراً فلقد إعتادت على ذلك في السابق عند عهد كل نظام شمولي لكنها كانت تهم على مستقبل أبنائها الذي تخشى عليه من الضياع بسبب أفاعيل النظام القذر .
لم تنزعج " ستنا " بقصتها المحزنة تلك ، فهي تُوقن تماماً أن في مجرى التطور ستحل الطبقة العاملة يوماً محل المجتمع البرجوازي المتخلف القديم رابطة لا مكان فيها للطبقات وظلمها ؛ ولن تكون ثمة أي سلطة سياسية بمعنى الكلمة الخاص، لأن السلطة السياسية بالذات هي الافصاح الرسمي عن تضاد الطبقات في قلب المجتمع البرجوازي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئاسة شؤون الحرمين: ترجمة خطبة عرفة إلى 20 لغة لاستهداف الوص


.. عبد الرحمن الشمري.. استدعاء الشاعر السعودي بعد تصريحات اعتبر




.. قطة تخطف أنظار الحضور بعد صعودها على خشبة المسرح أثناء عزف ا


.. عوام في بحر الكلام - علاقة الشاعر فؤاد حداد وسيد مكاوي




.. عوام في بحر الكلام - فؤاد حداد أول من حصل على لقب الشاعر في