الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوهام القبض على الدكتاتور13 عقلية المافيا الثورية

حمزة الحسن

2004 / 1 / 6
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لا أحد يدري كيف يمكن تبديل ذهنية وعقلية عدة أجيال سياسية من فكرة " العنف الثوري" و" قوى الثورة المضادة" وسلوك ضرب" العدو" السياسي طبعا في عقر داره وهو في مرحلة النوايا، إلى ذهنية سياسية مسالمة تقوم على الحوار وعلى أخلاقياته وعلى فهم مختلف للسياسة على أنها فن الخيارات وتعايش المصالح ضمن إطار مؤسسي قانوني؟

فصناعة " العدو" على عجل وتسويقه هي صناعة  منتجة بإفراط وبصورة دائمة من قبل جماعات الأحزاب وخاصة اليسارية أو النخب التي عاشت على هامش هذا الموروث، كما أن صناعة" الحليف" على عجل هو مصنع آخر للتقليد الحزبي والسياسي الذي أنتج، في النهاية، أقذر فاشية على وجه الأرض: العدو والحليف، في التقليد السياسي، لم يخضع بالأمس، كما هو اليوم، لقواعد متينة في العداء والتحالف، بل حسب مواقف آنية عابرة سياسية مرتجلة وباللغة يمكن تحويل الفراشة إلى وحش وبالعكس. 

وليس من الحكمة أن نغفل ان الدكتاتور الأهوج( لم أذكره بالاسم في حياتي غير ثلاث مرات تقريبا!) كان الابن الشرعي والوفي لتقاليد العمل الحزبي" الثوري" السائدة في حقب الخمسينات وما تلاها. وهي تقاليد أقرب إلى علاقات المافيا وأنماط الجريمة المنظمة  تم تصعيدها في العقول الفتية حتى وصلت مرتبة اليقين المطلق بل المقدس الذي لا يأتيه الشك من أمامه ولا من خلفه، بل صار من لا يؤمن بفكرة" العنف الثوري" وهو تشريع مرتجل للجريمة خارج القانون يشرّع حتى للاغتيال ـ الجسدي أو النفسي ـ لا يصلح للعمل الحزبي لأن هذا حكر على أصحاب القلوب الحديدية: أما أصحاب القلوب الهشة والرقيقة فهؤلاء مكانهم العمل المكتبي الأدنى. بهذه الصورة يتم إنتاج فكر العاهة وصناعة الدكتاتور المذهول من هذا الاستسلام الطوعي للجماعة المحيطة به.

 كل هذا العنف  على خلفية خلافات سياسية كان يمكن أن تحل في حوار سياسي مفتوح لو كانت هناك مصدات وتقاليد سياسية ومؤسسات مدنية وبرلمان وصحافة حرة وطبقة سياسية غير تلك التي نعرفها والمعبأة والمشحونة  ـ حتى الآن ـ بمشاعر الكراهية ونزعة الانتقام والثأر السياسي القادم من تقاليد الثأر القبلي: بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، مثلا، غادر الجميع إلى مواقع سياسية وفكرية وثقافية مغايرة ومختلفة قومية وليبرالية وشيوعية وعدمية ومصرفية بدون المعارة الشرقية التي تلصق بالفرد وتطالبه بالنوم " مدى الحياة" على فكرة واحدة حتى لو تعفنت لأن التقليد القبلي واليساري من بعد لا يسمح للحية أن تغير جلدها. هذا عيب: ( هل هو ثوب حيّة وينزع؟!) يتساءل أحد شعراء حقبة النوم على فكرة متعفنة حتى النهاية!

وفكرة ( الثبات المبدئي) هي فكرة شرقية مجلوبة من موروث العادات القبلية وقد تم ترحيلها إلى أحزاب اليسار بكل عناوينها. ليس هناك ثبات مبدئي في الأفكار لأن الأفكار لا علاقة لها بالشرف بل هي فرضيات قد تكون صحيحة اليوم وقد لا تكون صحيحة غدا خاصة في عصر الثقافة والمعلومات والاختراعات المتواصلة والمدهشة.

لا يجد الأوروبي المفرغ من حسن الحظ من نزعة وعقد القبيلة عائقا بينه وبين التخلي الفوري عن أفكاره إذا وجد أن أفكاره ليست دقيقة في ضوء علوم العصر ومنجزات الحضارة الإنسانية. كما أن الوسط السياسي والاجتماعي المفعم بحركية ونمو لا يشكل عائقا ماديا أو نفسيا أمام هذا التحول في القناعات الفردية ودون غمز ولمز بأن السيد" بدل أفكاره!" 360 درجة كما هو في التقليد الحزبي السائد في كل المراحل وحتى اليوم.

إن تبديل الأفكار أمر طبيعي في هذا العصر بل هو سلوك متحضر ينسجم مع تاريخ الحضارة. ونحن لا نفرق بين الأفكار وبين المثل العليا: إن المثل العليا كالصدق والحب والوفاء والنقاء والبراءة والشهامة والجمال والصداقة والوضوح والأمل وغيرها الكثير لا تسقط بالتقادم رغم التعديل النسبي في كل مرحلة من تاريخ البشر: الكرم مثلا قيمة أخلاقية راقية لكنه في كل عصر يدخل عليه تعديلات بحيث لا يعود ذبح نوق العائلة أو كباشها وتركها تحت رحمة الجوع هو من الكرم بل من السخف والغباء. إن قراءة نقدية واسعة وجدية  تقوم بها مؤسسة وأفراد هي أمر ملح وجدي ومصيري.

لكن من يقوم بهذا النقد اليوم والمثقف مستبعد من المشاركة في القرار وفي الرأي وقد تم استبداله بقناع آخر كما في كل مرحلة؟ من يقوم بالتصحيح؟ من يقوم بدور النقد والتحليل وفحص الفرضيات إذا كان المثقف قد رُكن في زاوية تليق بتحفة قديمة وضعت في الغرفة، الحزب، المؤسسة، للزينة، ولتحمل مسؤولية كبرى في يوم قادم حين يتنصل الجميع من مواقفهم وتلقى على ظهر هذا المخلوق البائس المطرود، فعليا، من كل شيء، حتى من النظام السياسي والاجتماعي والحزبي الذي خرج من أحشائه في ولادة غير شرعية  تنتهي ـ في كل مرة ـ بمجزرة تمتزج فيها السياسة بالانتحار؟
 
ليس هناك في العالم مثقف يعيش خارج السلطة. وليس هناك فكر ينتج خارج السلطة أيضا: الفكر يُنتج، حسب ميشيل فوكو، إما بالصراع مع سلطة ما أو بالتوافق: والسلطة ليست الدولة فحسب، بل هي سلطة اللغة، والجسد، والعائلة، والمعايير،والنظرة، والذاكرة: أي كل ما لا يعتقد السياسي العراقي "العبقري" أنه سلطة ملحة تشاركه في نومه ورغباته وقراراته دون وعي منه! 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -