الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


باراك وسياسة الأرض المحروقة

برهوم جرايسي

2008 / 5 / 6
القضية الفلسطينية


أجرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، في نهاية الأسبوع الماضي مقالة مطولة جدا، مع وزير الحرب إيهود باراك، لم يأت فيها بجديد، فباراك الذي كان ضبابيا في أجوبته عن أفق السلام، كان واضحا أكثر في أجوبته عن ضرورة استخدام القوة كوسيلة لحل الأزمات، والأصح، من أجل حرق الأرض التي عليها الأزمات.
فهذه الضبابية ليست من باب دبلوماسية السياسيين، الذين لا يريدون "كشف أوراقهم" خارج طاولة المفاوضات، ليكون أمامهم حيز للمناورة وعدم الالتزام بوعود وتصريحات، بل إنها تعكس عقلية باراك، الذي يرفض عمليا أي عملية تفاوضية سياسية مع الجانب الفلسطيني في هذه المرحلة، وفي المقابل الدفع أكثر نحو تفجير أكبر للأزمة من منطلق أنه بعد انفجار كهذا ستتغير الكثير من "أوراق اللعبة" لصالح إسرائيل بسبب تفوقها العسكري، والدعم الذي تحظى به من القوة الأكبر في العالم.
فباراك الذي أطلق في نهاية العام 2000 مقولة: "لا يوجد شريك فلسطيني للسلام"، وادعاؤه بأن الرئيس ياسر عرفات ليس معنيا بالحل، لأنه لم يرضخ لإملاءات إسرائيل، ومن ثم اتهامه بدعم ما يسميه الاحتلال بـ "الارهاب"، ما يزال يتشبث بنفس المقولة أيضا تجاه الرئيس الفلسطيني الحالي، محمود عباس (أبو مازن)، بزعم أنه ليست لديه القدرة على تطبيق أي حل يجري التوصل إليه.
وعمليا فإن الجنرال (احتياط) إيهود باراك أكثر ما يجسد توجهات المؤسسة الأمنية العسكرية الإسرائيلية، التي توجه كل حكومات إسرائيل، برفضها المبدئي لأي حراك فعلي وجدي نحو حل القضية الفلسطينية، وتتمسك بعقلية تقديس القوة لحل الأزمات، اعتقادا منها أن أي اتفاق يتم ابرامه في هذه المرحلة لن يحمي إسرائيل من "الأزمات المستقبلية الأخطر على كيانها"، مثل العامل الديمغرافي، وضيق المساحة الجغرافية، والسيطرة على الموارد الطبيعية وخاصة المياه، وغيرها.
ومن هنا فبالإمكان تلخيص موقف باراك بنقطتين مركزيتين، أولهما التخلي كليا عن طاولة المفاوضات، أو الانشغال السطحي بها لبث أوهام أمام العالم وكأن إسرائيل معنية بالمفاوضات والحل، وهذا التخلي يكون تحت يافطة "لا يوجد شريك فلسطيني للسلام"، وحتى وإن تبدلت القيادة الفلسطينية الحالية، فلن يتغير هذا الموقف، لأن باراك نفسه قال سابقا: "إن الشعب الفلسطيني بحاجة إلى تغيير أجيال حتى ظهور قيادة جديدة بالإمكان التحاور معها".
أما النقطة الثانية التي ينشط على أساسها باراك، لنسف أي أفق سياسي فهي الإسراع بفرض أكثر ما يمكن من وقائع على الأرض، مثل الاستيطان الذي يتسارع بوتيرة عالية جدا، وبالإمكان القول إنه في كل عام تنشأ في الضفة الغربية المحتلة مدينة جديدة، حسب المقاييس الإسرائيلية، باعتبار انه سنويا يزداد عدد المستوطنين بما بين 20 ألفا وحتى 25 ألف مستوطن.
كذلك فإن باراك يرفض إزالة كل ما يمنع حتى الحد الأدنى من الحياة اليومية للشعب الفلسطيني، ليس في قطاع غزة فقط، بل حتى في الأساس في الضفة الغربية المحتلة.
وهذا الموقف يحتاج، أيضا، لقراءة من منظور إسرائيلي داخلي للساحة الحزبية الإسرائيلية، لأن باراك هو أيضا رئيس حزب "العمل"، الشريك الأكبر في حكومة إيهود أولمرت، بعد الحزب الحاكم، "كديما"، وكان لحزب "العمل" أهمية كبيرة على الساحة الإسرائيلية، نظرا لكونه الحزب المؤسس لإسرائيل في السنوات التسع والعشرين الأولى، وهو الحزب الذي قاد الحروب الأساسية التي أدت إلى الحدود الحالية لإسرائيل.
ولاحقا تم تصنيف هذا الحزب في خانة "اليسار" الصهيوني، وطبعا يسارية نسبية، وهذا ليس بسبب سياسته، بل لأن قوى يسارية صهيونية لجأت لهذا الحزب وعملت في فلكه، من منطلق أنه أخف وطأة من حزب الليكود اليميني، حسب المفاهيم الإسرائيلية الداخلية.
وكان حزب "العمل" على مدار عشرات السنوات يتناوب على الحكم، أو يُعتبر بديلا في حال كان الحكم لليمين، ولكن الحزب اليوم، كما هي الحال منذ العام 2000 فاقد لأي أجندة سياسية وبرنامج سياسي واضح، انخرط في ثلاث حكومات يمينية بزعامة أريئيل شارون وإيهود أولمرت، دون أن يسعى لطرح برنامج بديل، ليصبح حزب "ظل" لا أكثر، وهو في تراجع مستمر.
هذا الانطباع عن الحزب ثبته أكثر باراك في المقابلة الصحافية الأخيرة، فهو لم يغازل قوى اليمين المتطرف، بل هذه أفكاره الحقيقية، ولكن هذا اليمين لن يلجأ إلى باراك لأن لديه أحزابا تمثله، كما أن اليمين ينظر بالأساس إلى الشخصيات والقوى السياسية التي تدور في فلك حزب "العمل"، وهي ليست بالضرورة تخدم مصالح هذا اليمين وتوجهاته.
وفي المقابل فإن قوى "اليسار الصهيوني"، أو القوى السياسية الوسطية الأقرب للتوجه اليساري، لن تجد في باراك عنوانا لها، باعتبار أنها تسعى إلى أفق سياسي للأزمات المتلاحقة، وهي أيضا ستبتعد من جديد عن حزب "العمل".
وهذه الحال هي السبب الرئيسي لتراجع "حزب "العمل" المستمر في استطلاعات الرأي التي تتنبأ لهذا الحزب الذي لديه 19 مقعدا من اصل 120 مقعدا برلمانيا، بأن يحافظ على قوته البرلمانية الهزيلة، مقارنة بقوته الماضية، أو حتى أن يتراجع بمقعد وحتى ثلاثة، ليتحول إلى الحزب الثالث وحتى الرابع على الساحة السياسية.
في هذه الأيام عادت إمكانية التوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة إلى جدول الأعمال، مع تفجر قضية شبهات جديدة بالفساد متورط بها رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، ومن السابق لأوانه معرفة اتجاه الأجواء منذ الآن، والأمر يحتاج لأيام عديدة.
ولكن ما هو واضح منذ الآن، أن أية انتخابات برلمانية مبكرة في هذه المرحلة بالذات، وفي حال بقيت قيادة حزب "العمل" على حالها، بزعامة باراك، ستجري في حلبة اليمين الذي يقدس مبدأ القوة ويرفض الحل، في حين ان "أصوات النقيض" لهذا المبدأ، وهي موجودة، ستكون خافتة، وحتى أنها محيّدة.
واعتمادا على تجارب السنوات الأخيرة، فإن "أصوات النقيض" هذه قد تمتنع عن المشاركة في الانتخابات، ووزنها البرلماني سيتراجع أكثر، ليتشكل برلمان جديد لإسرائيل أكثر يمينية وعنصرية، وهي وتيرة متصاعدة منذ سنوات، ولا يوجد أي مؤشر لتراجعها في المستقبل القريب.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح