الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلامة راسك يا ستي

علي عبيدات

2008 / 5 / 6
كتابات ساخرة


في مثل هذه الأيام قبل ستين عاما بالتحديد، كانت ستي الختيارة التي لم تتجاوز الخامسة عشر حينها، تستعد لعملية تطبيل وتزمير للجيوش العربية القادمة من أجل التحرير، كانت بطلتها آنذاك إذاعة صوت العرب من القاهرة.
وعلى نبرات صوت الإذاعي أحمد سعيد المبثوث عبر الأثير، كانت ستي تطرب فرحا مع كل تصريح يطلقه، ليبعث شعورا مؤكدا بنصر قريب، كانت تعطش وتجوع للنصر كلما دعا سعيد سمك البحر ليجوع، في جملة حفظتُها من كثر ما رددوها على مسامعي "تجوع يا سمك البحر".
ووسط عملية التحضير تطبيلا وتزميرا، وحالة انتظار ستي وسمك البحر معا لوعود سعيد العرب، جاءت الجيوش العربية، وبدأت ستي تخبز تحضيرا للولائم، ولائم الانتصار، ولكن الجيوش العربية القادمة أكلت الخبز الذي أعدته، ولكن ليس فرحا بالنصر، بل هربا من الجوع، لأنهم أرسلوا إلى فلسطين بدون زاد وعتاد.
فوجئت ستي بأقدام غريبة في المكان، حسبتهم جنوداً مقبلين، سيشاركونها فرحة النصر، فكل الناس آنذاك لم تستطع أن تثنيها عن التحضير للنصر، لكنهم كانوا جنودا فارين لم تخف كوفياتهم الحمراء خيبة الأمل على وجوههم، ليس جبنا فيهم ولا قلة عزيمة، بل جبنا في قادتهم وقلة إدارة، "ودوهم يحاربوا بدون سلاح، بدون أكل، بدون ذخيرة... ما بكى معهم رصاص، ولا حتى دوا"، واستمرت رواية ستي.
لم يُجد خبيز ستي نفعا، فهي ما زالت عطشى للانتصار، وسمك البحر لا زال جائعا، استشهد من استشهد وقتل من قتل آنذاك، وسطر المقاتلون العرب من جنوب فلسطين لشمالها معارك مجد خالدة، تحسب لهم شخصيا ولا تحسب لقياداتهم، أرسلوهم ليقضوا على اليهود ويعودوا، فقضوا دفاعا عن فلسطين وهم يطلقون رصاصاتهم الأخيرة، واستقبلتهم أمهاتهم بزغاريد الشهادة، ما شكل مفاجئة لم كان يعد المنصة لزغاريد الانتصار، وأصبح لزاما عليه أن يعد كلمات تناسب رثاء من أرسلهم.
آلياتهم لا زالت هنا، أتذكر أني أخذت صورة بجوار دبابة في منطقة الشمال، كان المنظر جميلا جدا، وكان الشعور كذلك، مشاعر مختلفة امتزجت في لحظة طفولية أذكرها للآن، كنت فرحا جدا لأني لأول مره أرى دبابة وألمسها دون أن أخاف منها، وحزنت جدا لأننا لا نملك جيشا ودولة، ولأن من قضى على متن تلك الدبابة لم يحقق ما جاء لأجله، صدّقت حينها أن العرب يملكون دبابات حقيقية، غير تلك الدبابات الكرتونية التي كانوا يعرضونها مع كل عيد للاستقلال والثورة.
والآن وبعد ستين عاما، نحن على أبواب عملية تطبيل وتزمير جديدة، وكلنا يستعد ليطبل على ليلاه، ستي ومثيلاتها بانتظار الصحفيين أمثالي كي ينقلن الرواية، وأنا الصحفيين أمثالي نعد خطة لمهاجمة ذاكرتهن، ولنسجل عملية التطبيل صوتيا، التي يعد لها المسؤولون، كل حسب موقعه ومرتبته، وحجم المهرجان المدعو إليه.
زميلي ناصر اللحام لم يرغب في أن يطبل ويزمر، وتساءل إن كان سيقول للحضور عقبال الـ 120، وأنا أتساءل أيضا، ماذا سأقول لمسنة في حي بمخيم، تعبت من كثر ما شاهدتني وزملائي على أبواب منزلها، وتعبت أكثر من وعود لم تتغير رغم تغير مُطلقيها.
ستي تعبت، وسمك البحر أيضا، لكنها لم تفقد الأمل بالنصر، وأنا تعبت رغم أني لم أغط للان عمليات تطبيل كثيرة، ولكني سأعمل دائما كي أعد نفسي لعملية تطبيل أعدت لها ستي العدة قبل ستين عاما، رغم أن ستي لم تقل لي في ذكرى النكبة، إلا "سلامة راسك يا ستي".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟