الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحت الخيمة:الإصلاح المحافظ

محمد سيد رصاص

2008 / 5 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


في النصف الثاني من عقد الثمانينيات جرت ثلاثة محاولات اصلاحية في نظام عقائدي(غورباتشوف)،وفي حكم عسكري واجهته كانت متمثلة في الحزب الواحد(الشاذلي بن جديد)،وفي نظام فصل عنصري ضد الأكثرية السوداء(دي كليرك):كانت تلك المحاولات آتية بسبب وصول الأنظمة الثلاث إلى الحائط المسدود،بفعل إما اختلال التوازن الدولي لغير صالح أحد قطبي الحرب الباردة المجتمع مع فقدان الحزب الحاكم للتمثيل والرضا الاجتماعيين(= موسكو)،أوعن وصول النظام القائم إلى مرحلة انفجرت فيها ضده أغلبية البنية المجتمعية الناقمة على الأوضاع القائمة(الجزائر في لحظة مظاهرات أوكتوبر1988)،أوبسبب فقدان النظام لوظيفته الدولية في لحظة انتهاء الحرب الباردة ليجتمع ذلك مع مقاومة الأكثرية السوداء لنظام الأبارتهيد(جنوب افريقيا ).
كان اجتماع العامل الدولي مع الداخلي،في موسكو وجوهانسبورغ،مساعداً على جعل المحاولة الاصلاحية فاقدة للقدرة على السيطرة على أجنداتها وتحديد مسار محدد للإصلاح،لتتحول إلى انهيار للبنية القائمة الحاكمة،فيماكان الوضع بالجزائر،بين عامي 1988و1992،منقسماً بين أنصار الاسلاميين والقوى المضادة لهم ولو مع أرجحية لأصحاب العمائم،ليأتي الوضع الدولي،الذي كان مائلاً ضد الاسلاميين في فترة مابعد انتهاء الحرب الباردة إثر انتهاء تحالفهم مع الغرب ضد موسكو،ليتيح لعسكر الجزائر القيام بانقلابهم بالشهر الأول من عام1992،مدعومين من قوى محلية مرموقة القوة(العلمانيون،البربر،اليساريون،المرأة)،ماأتاح لجنرالات الجيش ،الحاكمين منذ عام1965،الإحتفاظ بالسلطة ولوعبر واجهات جديدة غير الحزب الحاكم،والحفاظ على الوضع القائم.
مقابل هذه التجارب الثلاث نجد،عبر التجربة التاريخية،قيام ثلاث محاولات اصلاحية جرت تحت الخيمة القائمة،استطاعت الحفاظ على المؤسسة القائمة،هي تجارب اليسوعية،وخروتشوف في الحزب الشيوعي السوفياتي،ودينغ سياو بينغ في التجربة الشيوعية الصينية.
في مواجهة البروتستانتية التي قدمها مارتن لوثرت1546نرى أغناطيوس ليولا،الذي أسس الأخوية اليسوعية في عام1534،يقدم رؤية كاثوليكية جديدة تركز على أن الاصلاح والأطر الجديدة لايجوز أن يمسا مكانة وقداسة المؤسسة البابوية،حيث رأى أن التجديد يجب أن ينحصر في العقلية والروحية،معتبراً أن المبدأ والرموز والمؤسسات إذا طالهم التغيير فهذا يعني ليس الإصلاح وإنما الإنتقال إلى إطار عقيدي آخر:لذلك رأينا كيف كان اليسوعيون يجمعون بين التشدد الايماني ونزعة المحافظة المؤسساتية وبين الانفتاح على كافة ميادين المعرفة من أجل استخدامها إما للدفاع عن المؤسسة أولتكريس سلطتها،فيمانراهم على الصعيد العملي يجمعون التعصب مع الدهاء والمرونة في التطبيق ،مزاوجين بشكل بارع بين الدوغمائية والبراغماتية.
في تجربة خروتشوف،اقتصرت الإصلاحات على الجوانب الاقتصادية وعلى ميدان السياسة الخارجية،وبعض الإجراءات الحذرة لتخفيف القيود الجدانوفية على المجال الثقافي،فيماكانت انتقاداته لستالين مقتصرة على الجوانب التطبيقية ولم تمتد إلى الفكر الستاليني،فيمالم يحاول خروتشوف المس بالمؤسسة الحزبية الشيوعية أوبالمبدأ الماركسي.لذلك فإنه عندما رأت المؤسسة أن خروتشوف لم يحقق النجاحات في الميادين التي أراد الاصلاح بها،استبدلته ووضعته جانباً في عام1964،حيث اختارت بعده مزيجاً معقداً يجمع بين الدوغمائية الستالينية وبين البراغماتية في ميدان السياسة الخارجية،ولو أنها اقتربت(ثم تراجعت بسرعة في عام1968مع سيطرة بريجنيف)من حافة الراديكالية الاقتصادية التي اقترنت باسم رئيس الوزراء كوسيجين.
إن مافشل فيه خروتشوف قد نجح به دينغ سياو بينغ عبر اصلاحاته التي بدأها في عام1978:فمن خلال عملية التقارب بين الصين والغرب،التي استطاع من خلالها الصينيين انشاء مظلة دولية لردع اقتحامية الفيتناميين المدعومين من موسكو أثناء غزوهم لكمبوديا بالشهر الأول من عام1979،استطاعت بكين أيضاً- إضافة لذلك- أن تضمن تدفقاً كبيراً للتكنولوجيا الغربية واليابانية،ماكان في صلب برنامج الاصلاحات الاقتصادية الذي بدأه(دينغ)،الذي كانت اتجاهاته بمنحى التخفيف من اجراءات المركزة في مجال إدارة العملية الإقتصادية،وفي منحى ادخال قوانين السوق للزراعة،مافتح الباب منذ الثمانينيات لانتعاش اقتصادي صيني أتاح لاحقاً،منذ التسعينيات،المجال لأن يقود الحزب الشيوعي الصيني ثورة رأسمالية اقتصادية بالمدينة والريف،لاتختلف كثيراً عن الثورة التي قامت بها البرجوازية الانكليزية بالقرنين الثامن والتاسع عشر.هذا أتاح للشيوعيين الصينيين القدرة على عدم دفع أية ضرائب أيديولوجية أوسياسية،رغم وجود طبعة صينية من غورباتشوف تمثلت في الأمين العام للحزب(زهاو زيانغ)ك2 1987-حزيران1989،الذي أزيح لماتعاطف مع حركة الطلاب والمثقفين،التي كانت بسبب النجاحات الاقتصادية بدون أي تجاوب اجتماعي ،فيما استطاع(دينغ)أن يجمع الراديكالية الاقتصادية مع التشدد الماركسي،وأن يزاوج التعددية الاقتصادية مع الوحدانية السياسية،فيماكانت البراغماتية هي شراع السياسة الخارجية الصينية.
في هذه التجارب الثلاث،كان المصلح قادراً على الامساك والسيطرة على زمام برنامجه الاصلاحي،لاأن تسيطر عليه قوة محلية منافسة عقائدياً أوتعبر عن اتجاه سياسي آخر،أوأن تتداخل التأثيرات الخارجية فيه،كماأن الدافع له قد كان ذاتياً أوداخلياً محضاً،لاتعبيراً أوتحت ضغط اختلال التوازنات مع(الآخر)= اليسوعية،حيث حافظت الكاثوليكية على القوة الهجومية حتى أثناء لحظة الانشقاق البروتستانتيأومع الخارج الدولي،حيث كان التوازن الدولي مريحاً لموسكو في زمن خروتشوف،ومساعداً مع دينغ سياو بينغ.
=================================================








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحداث قيصري-.. أزمة داخلية ومؤامرة خارجية؟ | المسائية-


.. السودانيون بحاجة ماسة للمساعدات بأنواعها المختلفة




.. كأس أمم أوروبا: تركيا وهولندا إلى ربع النهائي بعد فوزهما على


.. نيويورك تايمز: جنرالات في إسرائيل يريدون وقف إطلاق النار في




.. البحرين - إيران: تقارب أم كسر مؤقت للقطيعة؟ • فرانس 24 / FRA