الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخصوصية الحضارية في عصر العولمة

ميسون البياتي

2008 / 5 / 7
العولمة وتطورات العالم المعاصر


يرى المؤرخون المعنيون بالفكر العربي الحديث أن حملة نابليون بونابرت على مصر سنة 1798 ميلادية كانت على قصرها بداية للنهضة العربية الحديثة , لأن العرب ومنذ ذلك التاريخ بدأوا يقيمون الصلات مع الفكر الغربي بطرق مختلفة منها : فرنجة الدولة العثمانية المحتلة للعرب , وإصلاحات محمد علي باشا في مصر , والبعثات التبشيرية وازدهار التعليم في لبنان , ونشاط حركة الترجمة , وتقدم وسائل الطباعة , والبعثات العلمية العربية الى أوربا , وحركة الإستشراق . ولكل من هذه الأسباب تأثيره في الواقع الموضوعي العربي .
نلاحظ أن المتعلمين العرب وهم ينفتحون على الغرب , ينقسمون الى ثلاث فئات في طريقة تعاملهم مع ثقافتهم الأصلية العربية .
الفئة الأولى من المتعلمين الثقافة عندها لاتتعدى حدود القشر . تعتز بالثقافة العربية بمغالاة تكاد تمسخ هذه الثقافة , أفرادها لا يفهمون أن الخصوصية الحضارية لأي أمة هو إحتواء ثقافتها على بعض العوامل , وإنتفاء وجود عوامل أخرى , وذلك ليس عيبا , لكنهم يصرون على إلصاق كل شيء بالثقافة العربية حتى جعلوها مثل ثوب مليء بالرقع . وخذوا هذه الأمثلة : حين تقول إن الأدب العربي يخلو من المسرحية , ينبرون لك بالقول : هناك محمد إبن دانيال ومسرحيات خيال الظل .. يسمون خيال الظل مسرحية مع أنه لا يرقى الى شبه مسرحية . ثم يذكرون لك مقامات بديع الزمان الهمداني ... فأين المقامة من المسرحية !!؟
نترك هذه ونمسك الأخرى .. نهاية القرن التاسع عشر إنفصل علم النفس عن الفلسفة , وبدأن أفكار نظرية فرويد في التحليل النفسي تتداول بين الناس , وربما ظن البعض أن فرويد قد عثر على تركيب عضوي في جسم الإنسان إسمه ( النفس ) فإنبرت هذه الفئة من متعلمينا الى القول إن القرآن الكريم إحتوى على ذكر النفس بدليل ذكره للعديد من النفوس : النفس اللوامة والنفس الآمنة والنفس المطمئنة والنفس الفاجرة والنفس التقية .. وهكذا , لكنهم خرسوا جميعا حين تبين أن نظرية فرويد هي مجرد فرضية على الورق لتفسـير سـلوك البشـرولا وجود مادي لها على الإطلاق . وعلى هذه الأمثلة يمكن قياس الكثير .
الفئة الثانية من متعلمينا أيضا تمتلك ثقافة قشور . هيكل كبير من الخارج وألقاب علمية طنانة وفراغ وخواء من الداخل , وهم شكل من أشكال العيوب التي أفرزها نظام إلزامية ومجانية التعليم التي أقرت في دول الوطن العربي حين خرجت مجانية التعليم إمعات لا يملكون من الثقافة غير الشهادة , وبهذه الشهادة أصبحوا طبقة من الأمية المسلحة وصلت الى مراكز وظيفية رفيعة لتمارس فرز خوائها داخل المجتمع من خلال ممارسات لا تمت الى الثقافة بصلة يلزم الناس بتطبيقها من خلال القرار الإداري والقانون الحكومي .
الطبيعة النفسية لأفراد هذه الفئة أنهم يقدسون المظاهر التي لا يمتلكون سواها , و ينسحب هذا التقديس , الى مظاهر التقدم الصناعي والتكنولوجي التي يمتلكها الغرب بطريقة تجعلهم يحتقرون واقعهم بغثه وسمينه , لاهثين وراء الإعجاب بالغرب , متناسين أن الحضارة والثقافة ليستا تقدما تكنلوجيا وعلميا فقط وإنما نظام أخلاقي وقيمي يصاحب ذلك التقدم , الغرب اليوم أشد بقاع الأرض إفتقارا إليه .
الفئة الثالثة من المتعلمين في هذه الأمة , ربما هم الفئة الوحيدة التي تمتلك ثقافة تمتد الى جوهرها وليس ثقافة قشر كما في الفئتين الأخريين . ولهذا تجدهم يؤمنون بخصوصية حضارتهم فلا ينسبون لها ما ليس فيها .. ويقدرون جميل مزاياها ولا ينسون ذلك وهم يتطلعون الى ما يمتلكه الآخرون من تقدم , ويقيمون الجوانب السلبية عند غيرهم بما يجعلهم لا يندفعون إندفاعا أعمى لتقليد الغرب .
الى ما قبل عقدين أو ثلاثة من الزمان لم تكن وسائل الإتصال والنقل بهذه الفاعلية .. الآن كتابة إيميل واحد وإرساله الى مئات الأشخاص حول العالم , يصلهم جميعا في عدة ثواني .
والرحلة الجوية التي كانت تستغرق عدة أيام صارت الآن لا تأخذ أكثر من عدة ساعات .
كما أن قوانين نظم التعليم والتجارة والهجرة والمبادلات الثقافية , صارت أسهل وأيسر وأكثر إنفتاحا , قصرت المسافات وتقاربت الثقافات , ولابد أن تتلاقح وتتداخل شئنا ذلك أم أبينا .
متعلمونا العرب في عصر العولمة ستنقسم ردود أفعالهم إزاء التطبيع الحاصل , الفئة المعتزة بالثقافة العربية ستنغلق ويتقوقع أغلب أفرادها , ومن المحتمل أن ينكص إجتماعيا الكثير منهم , فيحيون لنا عادات وتقاليد عربية كنا قد نسيناها منذ عشرات أو مئات السنين .
الفئة المستهترة بقيم أمتها واللاهثة وراء تقدم الغرب الصناعي والتكنولوجي , هؤلاء سينسلخون عن الأمة ويكونون أول باعة قيمها وتقاليدها وعاداتها , وهم أول خونتها وباعة مصالحها اذا سمحت لهم الأحوال بذلك , تراهم يفتحون الباب للمحتل ويشرعنون وجوده , ويتعاونون معه على أهاليهم , لا أتكلم عن العراق وحده إنما عن كل بقاع العرب المحتقنة في فلسطين ولبنان والسودان . أفراد هذه الفئة وحسب تشبيه الروائي جاسم الرصيف في روايته الأخيرة ( رؤوس الحرية المكيسة ) يسمحون لأنفسهم بإمتهان مهنة ( مسمار حذاء) في بسطال المحتل .
وحين يستقدمون تكنلوجيا الغرب الى بلدانهم فهم أول من يستخدمها إستخداما سيئا , يستعمل السكين للقتل , والقناة الفضائية للبحث عن سفاسف الأمور , والموبايل للتعدي على الناس , والكومبيوتر لممارسة بعض الترهات , وسهولة النقل الجوي لممارسة إبتذالاته في بقاع بعيدة عن الأعين .
وهناك فئة من المثقفين العرب ستتعامل مع الواقع الجديد بإعتدال , تقتبس عن الغير أحسن ما عنده , ولا تنسى قيمها , مؤمنة أن الإنصهار الحتمي للإنسانية في بوتقة العولمة هو شيء حتمي .. لكننا ونحن ماضون إليه فعلينا أن نأخذ معنا أفضل ما عندنا من قيم وعادات , ولا نتركها خلفنا للفناء .
وسيبقى التعريف الأجمل للفضيلة : إنها الحد الوسط .. بين إفراط وتفريط .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كا?س العالم للرياضات الا?لكترونية مع تركي وعلاء ???? | 1v1 ب


.. فـرنـسـا: أي اسـتـراتـيـجـيـة أمـام الـتـجـمـع الـوطـنـي؟ •




.. إصابة عشرات الركاب بطائرة تعرضت لمطبات هوائية شديدة


.. حزب الله يحرّم الشمال على إسرائيل.. وتوقيت الحرب تحدّد! | #ا




.. أنقرة ودمشق .. أحداث -قيصري- تخلط أوراق التقارب.|#غرفة_الأخب