الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جـيـش لإعمار الـوطـن بدل الجيش المنحل

صادق البلادي

2004 / 1 / 7
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


قبل انهيار نظام المافيا الصدامية دون قتال إثر الغزو الأمريكي للعراق كانت القوى السياسية المعارضة
وهي في ذروة الإحباط واليأس ، ما تزال تأمل في أن يكون للجيش دور في الخلاص من صدام ، وبذكرى تأسيس الجيش العراقي العام الماضي ورد في بيان للمجلس الإسلامي الأعلى  أن ذلك (لا يتحقق الاّ بالتلاحم بين الجيش والعشائر والفصائل المجاهدة في الداخل ) ، وقد تكون تلك الدعوة مفهومة من أجل تعبئة كل قوة ممكنة للخلاص من النظام ، ولكن تلك الدعوة تكشف عدم التخلص بعد  من الأوهام التي نسجت حول تاريخ الجيش العراقي ومواقفه، وتناسي الدور الفعلي للجيش - فعلا أو تركا - في وصول العراق إلى ما آل إليه زمن النظام البعثي الفاشي.
فقد تأسس الجيش العراقي أساسا من أجل حماية الأمن الداخلي، كأداة لقمع التمردات الشعبية.
ومن الواضح أن طابع أية مؤسسة لا يتحدد بنوايا وسلوك بعض منتسبيها ، وانما وفق المهمات التي توكل إليها أساسا. والجيش العراقي، كمؤسسة، لم يشذ عن هذه القاعدة. 
ان المفخرة التي يسجلها العراقيون للجيش هي ثورة 14 تموز التي نجحت نتيجة النضالات الشعبية المتعددة قبلها، بما في ذلك حركة أيار 41 ، ومساهمة العسكريين في حرب فلسطين 48 ، وما خبروه من خيانة وتواطؤ الحكام ضد القضية الفلسطينية ، وترك الجيش العراقي في فلسطين مشلولا لأن " ماكو أوامر.
والمهمات التي نفذها الجيش العراقي تسببت في إتلاف الثروة الوطنية .فالإنفاق العسكري كان تبديدا  مرعبا و رهيبا للثروة الوطنية ، وقد بلغ ارقاما خيالية. فصنع المدفع العملاق كلف و قبل ان يكمل إنتاجه
ملياري دولار .وخلال الفترة 1976 _ 1990 استنزفت النفقات العسكرية 250 مليار دولار. وضخامة أتلاف الثروة الوطنية على الإنفاق العسكري ليست حكرا على زمن صدام وحده بل في كل عهود الدولة العراقية و منذ نشأتها.(للتفصيل يمكن مراجعة مقالتي : لنحول الجيش الى مؤسسة لإعمار الوطن الثقافة الجديدة عدد 266 / 1995 ).

كما ولا يمكن تجاهل الالتزامات الدولية المفروضة على العراق من قبل الأمم المتحدة. فالقرار 1483 يؤكد ليس فقط اهمية نزع اسلحة الدمار الشامل العراقية بل وعلى أهمية نزع سلاح العراق في نهاية المطاف،
ورفع الحظر على تجارة العراق لا يشمل تدابير الحظر المتصلة ببيع الأسلحة أو الاعتدة ذات الصلة
للعراق أو تزويده إياها في ما عدا الأسلحة والاعتدة ذات الصلة التي تحتاج إليها السلطة لخدمة أغراض هذا القرار والقرارات الأخرى ذات الصلة.والقرار 1483 يدعو إلى اعادة بناء قدرات قوة الشرطة المدنية
العراقية فقط.. ويؤكد على ضرورة قيام العراق بتلبية  التزاماته في شأن نزع السلاح ، كما ويضع القرار على  صندوق التنمية مهمة الإنفاق على مواصلة نزع سلاح العراق.  فالقرار الذي صاغته قوات الاحتلال
واصدره مجلس الأمن بالإجماع أكد على نزع سلاح العراق في آخر المطاف ، يتضمن قرار حل الجيش ، فما معنى وجود جيش في بلد لا يجوز له شراء السلاح والعتاد ، بل وعليه مواصلة نزع السلاح؟.
 يقدر الاقتصاديون إن العراق أمام مستقبل قاتم ، ويحتاج إلى عشرات السنين ، ليعود باقتصاده الى مستوى عام 1960.ان جسامة الجهود و المواد اللازمة لإعمار العراق و تسديد الاستحقاقات المفروضة عليه تتطلب  وضع أوليات تؤمن توفير الحد الأدنى من الضرورات المعاشية و الصحية و التربوية ومكافحة الفلتان الأمني وتزايد الجرائم ، جرائم السلب و النهب والقتل والاختلاس المستشرية و المتزايدة باستمرار. هل يمكن تحقيق مهمة إعادة اعمار الوطن ، الذي بات كله بصرة حل بها الخراب، و في نفس الوقت تجري إعادة بناء الجيش؟ هل يجوز لبلد جائع ان يضع إعادة بناء جيشه في سلم الأولويات؟ هل يمكن لعراق تحت الأحتلال أن يعيد تسليح جيشه لدرجة تجعله قادرا عسكريا على الدفاع عن الوطن ضد أي اعتداء؟  هل حقا ان إعادة بناء الجيش هي الوسيلة الوحيدة للحفاظ على سلامة العراق و أمنه الخارجي؟ هل ان دور العراق العربي والإقليمي يتوقف على قدراته العسكرية فقط.؟ أما يمكن للعراق بعد صدام أن يضمن أمنه وسلامته دوليا وإقليميا بربط التزامه في التخلي عن أسلحة الدمار الشامل وعن أية أطماع إقليمية وتخليه عن إعادة بناء الجيش، و الاستفادة مما في قرارات الأمم المتحدة من تأكيد على ضمان حرمة الحدود الدولية للعراق.؟ ان قيام عراق بدون جيش هو اضمن خطوة للتأكد من نواياه السلمية. والسبيل الممكن لانصراف العراق لاعادة اعمار البلاد و توفير لقمة الغذاء وحبة الدواء، ويشارك سلميا في تحقيق نظام للأمن والسلام في المنطقة، و يخصص نسبة محدودة من ميزانيته لصندوق للدفاع من اجل تمويل قوات من الأمم المتحدة عند حدوث خطر عدوان عليه بدل إهدارها على جيش دائم لن يصل في مستقبل منظور إلى درجة تمكنه ذاتيا من حماية حدوده.أن قوات الاحتلال تتحدث عن جيش بأربعين ألف ،و لقد رأينا ما فعل الجيش ذو الـ 400000 جندي ،
فما سيكون بقدرة الجيش الصغير من القيام به؟
ان قيام عراق مسالم بدون جيش، تضمن حرمة حدوده و أمنه الأمم المتحدة المسئولة عن رصد امتثال العراق للتخلي عن أسلحة الدمار الشامل، هو في صالح جميع دول المنطقة ، فلا يكون مصدر تهديد لجيرانه ، مما يسهم في الحد من الإنفاق العسكري في المنطقة، ويكون دافعا لجعل المنطقة كلها خالية من أسلحة الدمار الشامل ،  وتحقيق رقابة متوازنة وشاملة للأسلحة في المنطقة الهدفان اللذان حددهما القرار 687 ،و ضاعا في ضجيج الأزمات التي افتعلها النظام العراقي. ويساعد في تفعيل التضامن العربي ومؤسسات الجامعة العربية وإقامة نظام أمن وتعاون إقليمي في المنطقة .
وليست هذه فكرة لا سابقة لها إطلاقا، فكوستاريكا تعيش بدون جيش منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية دون ان تتعرض لعدوان، و بقيت ألمانيا ، الدولة العظمى في اوربا، محتلة دون جيش طوال أكثر من عشرة أعوام بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية ، و لولا اشتداد الحرب الباردة و المجابهة بين حلفاء الأمس ، لما فسح لها مجال إعادة بناء الجيش وتسليحه . انها تساؤلات للبحث عن حل استثنائي لوضع استثنائي ،  تساؤلات تجر أخرى وراءها ، مثل البحث عن سبل سلمية لحل المشاكل القائمة والمحتملة في المنطقة ،حول الحدود والمياه ومسيرة السلام بين العرب وإسرائيل والقضية الكردية ، تساؤلات تحتاج لاراء و دراسات ذوي مختلف الاختصاصات بما فيهم العسكريون الوطنيون ،تحتاج لتتبع ما يدور في العالم من دراسات حول دور الجيش والتسلح،في ألمانيا مثلا يطرح الخبير في نزع السلاح إيغون بار فيما اذا كان بقاء البوندسفير(جيش ألمانيا) قائما يتفق مع الدستور الألماني بعد تبدل الوضع السياسي جذريا مع انتهاء المجابهة بين الشرق والغرب ، ويؤكد على أن أوربا الغربية غير قادرة على اللحاق بالتفوق العسكري الأمريكي،وان من المضحك أن تسعى أوربا لمنافسة أمريكا عسكريا، ,ان الفجوة العسكرية ستتسع بدل أن تتضاءل، وأن قوة أوربا الغربية هي في استقلاليتها السياسية لا العسكرية. انها تساؤلات  تحتاج لتحريك و تنشيط النقاش حولها ، دون إن تشغل قوى المعارضة عن المهمة الرئيسية: مهمة خلاص العراق و المنطقة من هذا النظام ، واقامة نظام ديمقراطي تعددي لا يشكل خطرا على جيرانه.                         

في مقابلة الدكتور عباس النصراوي  يدعو إلي ان " الوضع الصحي و المعاشي و التربوي ينبغي ان تكون له الأولوية بعد الحرمان الطويل " ويدعو الى إمكان إهمال:" بعض المنشآت المهدمة مثل المنشآت العسكرية التي لا حاجة إليها في عراق مسالم "
.والدكتور كاظم حبيب يطالب في دراسته عن مستقبل العراق الى إعادة جمهرة كبيرة من القوات المسلحة العراقية غير الموالية للنظام السابق, وهي كثيرة, إلى الخدمة العسكرية في الجيش والشرطة لتمارس مهمتها في مواجهة الوضع الأمني المتدهور ومراقبة التسلل عبر الحدود.
كذلك هناك حاجة للمنشآت الطبية العسكرية  لتلحق بوزارة الصحة ، وصنف الأمور الهندسية يلحق بهيأة للأعمار ، و دوائر التجنيد  تلحق بهيأة الإعمار و تقوم  بسوق " المجندين"  للخدمة المدنية الإلزامية  في هيأة الإعمار الوطني .وبهذا توفر و تكثف الجهود و القدرات من اجل الإعمار و لا تبدد الأموال على حديد يصدأ أو يصهر قبل أدائه مهمته او يؤدي مهمته في قتل أبناء الوطن كما جرى في كردستان ، و حلبجة شاهد يجب الا ينسى، وكما جرى أثناء انتفاضة آذار/شعبان 91 و فيما بعد في الأهوار.
إن تحقيق ضرورة حل الجيش العسكري و إقامة هيأة اعمار الوطن على أساس الخدمة المدنية الإلزامية تحتاج إلى توافر جهود كل الحريصين على مستقبل الوطن من مفكرين وسياسيين وعسكريين أيضا يضعون مصلحة العراق فوق المصلحة الشخصية. أما مسألة حماية أمن العراق من عدوان خارجي فينبغي العمل من اجل ان تكون ضمن نظام أمن شرق أوسطي و خليجي ويتكفل مجلس الأمن الذي فرض القيود على عراق الغد ضمانه . وحربا الخليج برهان جديد على أن القوة العسكرية ليست حلا للمشاكل الدولية واستعادة الحقوق، وليست الضمان لتوفير الأمن وحماية الاستقلال الوطني .

ينبغي ألا يكون شعارنا  سوى :

                     كسرة خبز وحبة دواء بدل طلقة قتل.  








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد يطالب عضو مجلس الحرب ب


.. عالم الزلزال الهولندي يثير الجدل بتصريحات جديدة عن بناء #أهر




.. واشنطن والرياض وتل أبيب.. أي فرص للصفقة الثلاثية؟


.. أكسيوس: إدارة بايدن تحمل السنوار مسؤولية توقف مفاوضات التهدئ




.. غانتس يضع خطة من 6 نقاط في غزة.. مهلة 20 يوما أو الاستقالة