الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشروع الجيني البشري

منير شحود

2004 / 1 / 7
الطب , والعلوم


تعرف الجينات جميعها بالمجموع الجيني أو المجين Genome. ومشروع المجموع الجيني البشري هو برنامج بحثي دولي متعاون يهدف لرسم خارطة جميع جينات الكائن البشري وفهم وظيفتها بصورة كاملة. وهذا المشروع يعتبر  الأوج الطبيعي لتاريخ البحوث الوراثية. ويمكن أن يقارن ببرنامج "أبوللو" الذي حمل الإنسان إلى القمر.
المادة الوراثية لجميع الكائنات الحية كثيرة الخلايا هي السلسلة المضاعفة من الحمض الريبي المنزوع الأوكسجين (DNA) الذي يحتوي على جيناتنا كلها. و ا ﻟ DNA بدوره يتألف من أربعة أسس كيماوية تشكل أزواجها هيكل السلم المفتول لجزيئة ا ﻟ DNA. تبنى الجينات كلها من تتالي الأسس الأربعة هذه والتي تصطف بطرق وأطوال مختلفة. ويعمل دارسو هذا المشروع على حل شيفرة رموز المجموع الجيني البشري بكشف ترتيب أو تتالي جميع أسس مجموعنا الجيني من ا ﻟ DNA ورسم الخرائط التي تبين توضع الجينات في الجزء الأكبر من صبغياتنا, والتي يمكن من خلالها تقصي السمات الوراثية (مثل تلك المتعلقة بالأمراض الوراثية) عبر الأجيال.
وسوف تمنح معلوماتُ مشروع المجموع الجيني البشري, الموجودة حاليا والنهائية, العالمَ موردا من المعلومات المفصلة حول بنية وتعضي ووظيفة المجموعة الكاملة من الجينات البشرية. كما يمكن أن تشكل هذه المعلومات قاعدة أساسية للتعليمات القابلة للتوريث من اجل تطور ووظيفة الكائن البشري.
وقد نشر الاتحاد الدولي لدراسة المجموع الجيني البشري أول نسخة ـ مسودة ـ من المجموع الجيني البشري في مجلة "الطبيعة Nature" في شهر شباط من عام 2001 م مع متتاليات المجموع الجيني من أزواج الأسس والتي بلغت ثلاثة بلايين من هذه الأزواج وبنسبة إنجاز تقدر بحوالي 90%. وتبين من موجودات هذه المسودة بأن عدد الجينات البشرية أقل مما كان يعتقد, ويتراوح بين 50000 و 140000.
واعتبر "فرانسيس كولينز Francis Collins" أن المجموع الجيني هو بمثابة كتاب تاريخي يروي مسيرة جنسنا البشري عبر الزمن, ومخزن هائل لتفاصيل بناء كل خلية بشرية, ويقدم مرجعا طبيا فريدا للأوساط المهتمة بالصحة يمكنه إعطاء دفعة جديدة في معالجة الأمراض والوقاية منها.
ويدعم مشروع المجموع الجيني البشري الجهود الهادفة لتوصيف المجموع الجيني لكائنات حية أخرى تستخدم بصورة واسعة في البحوث الحيوية مثل الفئران وذباب الفاكهة والديدان. وتدعم الجهود بعضها بعضا لأن معظم الكائنات الحية تتشابه أو تتماثل في بنية ووظيفة الكثير من الجينات. وبناء على ذلك فإن تحديد متتالية ووظيفة جين ما عند أحد الكائنات الحية, مثل الديدان, يساهم في فهم جين مماثل عند الكائن البشري أو عند كائن حي آخر. وتستخدم مثل هذه الأهداف الطموحة مختلف التِقانات الحديثة التي تجعل من الممكن إنجاز مسودة مشروع المجموع الجيني البشري بسرعة نسبيا والعمل على تحسينها باستمرار.
وبالطبع فإن المعلومات الأفضل هي التي يمكن الاستفادة منها. وعليه فإن الطرائق المتقدمة في تداول المعلومات المعممة بواسطة مشروع المجموع الجيني البشري إلى العلماء والأطباء وغيرهم, هي أيضا ضرورية من أجل ضمان التطبيق السريع لنتائج الأبحاث في خدمة الإنسانية. وسيستفيد البحث الطبي الحيوي من ذلك المشروع بصورة خاصة.
كما أن الجوانب الهامة المتعلقة برغبة الأفراد والمجتمع في الحصول على تفاصيل المعلومات الوراثية تجعل مشروع المجموع الجيني البشري محط الأنظار. ويتعلق أحد جوانب هذا المشروع بدراسة وتحليل الجوانب الأخلاقية والقانونية والاجتماعية لهذا العمل, وتبني الخيارات الحكيمة في تطبيقاته العملية.
وهكذا فإن الهدف الأول لمشروع المجموع الجيني للإنسان هو إعداد سلسلة من الخرائط والمخططات التوصيفية لكل صبغي بصورة متزايدة الدقة والتفصيل. ويشتمل ذلك على تقسيم الصبغي إلى قطع صغيرة يمكن إكثارها وتوصيفها ومن ثم وضعها في مكانها الخاص من الصبغيات. وبعد انتهاء رسم المخطط تأتي الخطوة التالية المتمثلة بتحديد تتالي أسس كل من قطع اﻟ DNA المحضرة.
ويتمثل الهدف النهائي لدراسة المجموع الجيني باكتشاف كل جينات اﻟ DNA وتطوير الوسائل اللازمة لاستخدام هذه المعلومات في الدراسات الطبية والحيوية البشرية. وإن تحسين التِقانات والأدوات المطلوبة لرسم الخرائط سوف يزيد من فعالية البرنامج. وتشمل الأهداف استخدام آليات وتِقانات مناسبة لاستنباط أكبر قدر من المعلومات المفيدة من الخرائط والمتتاليات.
ولقد حدد علماء الوراثة من قبل المواضع التقريبية لحوالي 2300 جين, وبدءوا في وضع خرائط أكثر دقة للمجموع الجيني أو المجين Genome وتنظيم الجهود الهادفة لدراسة التتالي الجيني بصورة منهجية  ووضع خطط لاتجاهات الأبحاث الجديدة. وتم تحديد موضع معظم هذه الجينات على شرائط محددة من الصبغيات. ويعود سبب تسريع وضع الخرائط الصبغية إلى:
1. مشاركة التِقانات الحديثة والمحدثة وتحليل الشرائط الصبغية,
2. معلومات الدراسات العائلية,
3. تِقانات نسخ اﻟ DNA.
أهداف مشروع المجموع الجيني البشري:
1. إتمام رسم الخارطة الجينية المفصلة للبشر,
2. دراسة المجموع الجيني بحالته المضاعفة,
3. تحديد تتالي النوييدات Nucleotides بصورة تامة,
4. اكتشاف الجينات كلها.
وبمساعدة المعطيات التي يوفرها المشروع سوف تكشف الاستقصاءات عن وظائف الجينات, كما تتطور الوسائل المساعدة من أجل التطبيقات الحيوية والطبية.
يجري العمل بمشروع المجموع الجيني البشري في الولايات المتحدة بصورة خاصة بالإضافة إلى المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا واليابان والصين.

موجز تاريخ مشروع المجموع الجيني البشري
في الخامس عشر من شهر شباط – فبراير من عام 2001 نشر مشروع المجموع الجيني البشري نتائجه حتى هذا التاريخ, فقد أنجز دراسة 90% من الثلاثة بلايين زوج الأسس في المجموع الجيني البشري. وقد كان للمشروع تجاذباته الإيديولوجية في منتصف الثمانينات, ولكنه ما لبث أن عاد إلى جذوره الفكرية التي نشأ عليها. وتم إعداد الخارطة الجينية الأولى لذبابة الفاكهة من قبل "ألفرد شتورتفانت" عام 1911. والخطوة الأولى الحاسمة في التحليل الجزيئي للمجموع الجيني وفي الكثير من البحوث الحيوية الجزيئية في النصف الثاني من القرن العشرين كانت اكتشاف البنية الحلزونية المضاعفة لجزيئة ا ﻟ DNA في عام 1953 من قبل "فرنسيس كريك Francis Crick" و "جيمس واطسون James Watson". وقد تقاسم الباحثان جائزة نوبل للطب عام 1962.
وفي أواسط السبعينات طور "فريدريك سانجر Frederick Sanger" تِقانات متتالية ا ﻟ DNA ونال عليها جائزة نوبل في الكيمياء للمرة الثانية عام 1980 (نال جائزته الأولى في عام 1958 لاكتشافه بنية البروتين). ومع أتمتة دراسة متتاليات ا ﻟ DNA في ثمانينات القرن الماضي طرحت فكرة تحليل المجموع الجيني البشري بكامله من قبل نفر من علماء الحياة. وبسبب الحاجة الماسة لدراسة تأثير الإشعاع على المجموع الجيني والوقاية من حدوث الطفرات الجينية ظهر أول مشروع جيني عام 1987. وترأس "جيمس واطسون" مكتب أبحاث المجموع الجيني البشري عام 1988 في المركز الوطني لأبحاث المشروع الجيني البشري في الولايات المتحدة. ومنذ عام 1990 بدأت المرحلة الأولى من العمل على المجموع الجيني البشري ولمدة خمس سنوات, وقد قدر الوقت اللازم لاستكمال المشروع ﺒ 15 سنة. وبعد استقالة "واطسون" عام 1992 ترأس المشروع "ميتشل كوزتمان Michael Gottesman" ثم "فرنسيس كولينز".
إن استخدام تِقانات بحثية محسنة جعلت من الممكن حدوث تطور مضطرد أدى إلى تحديث المخطط الموضوع عام 1990 بمخطط آخر عام 1993. كما أن الجزء الأكبر من العمل المبكر على المشروع الجيني كان يهدف إلى تطوير التِقانات بغية تسريع معرفة المجموع الجيني Genome. وتحقق في عام 2001 تطور لافت في مجال رسم الخرائط الجينية وكشف تتالي أسس أجزاء كبيرة من المجموع الجيني. وبجانب ذلك استمر العمل بسرعة على الأساس الوراثي لأمراض معينة. وكانت المفاجأة التي ظهرت أثناء العمل على المشروع هي العدد القليل نسبيا للجينات البشرية, والبناء المعقد للبروتينات البشرية مقارنة بنظيرتها عند الديدان والذباب (مع تشابه الجينات وتماثل الوظيفة).
وتتلخص مجالات الأبحاث الرئيسة المتعلقة بالمجموع الجيني في تطوير التِقانات المستخدمة في كشف تتالي أسس الجينات ورسم الخرائط, وتحليل وظائف الجينات والبروتينات المرمَّزة بها, والتِقانات الحاسوبية لنشر الكمية الهائلة من المعلومات المتعلقة بمشروع المجموع الجيني البشري, وتحديد الفروق الحاسمة في التمظهر الوراثي لمختلف أفراد البشر, وبحث الجوانب الأخلاقية والقانونية والاجتماعية للبحوث الوراثية ونتائجها الحالية والمرتقبة.
يتوقع الانتهاء من الكشف عن متتاليات المجموع الجيني البشري أواخر عام 2003 وبتكلفة أقل مما كان يتوقع. ومع اقتراب انتهاء العمل في هذا المشروع فإن الاهتمام ينصب على الأبحاث المتعلقة بوظائف المجموع الجيني بهدف تركيب منتجات جينية أي بروتينات. كما تجري مناقشة اتجاهات الأبحاث المستقبلية والدور المناط بها في حالتي الصحة والمرض. وثمة أيضا الكثير من الأمور التي تتطلب الإيضاح مثل العلاقة بين تباين التتالي الجيني والنمط الظاهري Phenotype, وفهم التعبيرية الوراثية, والتداخل الواسع النطاق بين البروتينات, والعمل على توظيف نتائج أبحاث المشروع في تشخيص الأمراض ومعالجتها والوقاية منها بصورة أفضل ولصالح الإنسانية جمعاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب: لماذا خرج آباء وأمهات طلبة الطب والصيدلة إلى الشارع؟


.. حملة لإعادة تأهيل الغابات والبحور باستخدام التكنولوجيا




.. ما هي التكنولوجيات التي استخدمت للبحث والعثور على مروحية الر


.. ظاهرة فلكية تحول ليل مدينة برتغالية إلى نهار




.. جامعة العلوم التطبيقية تقيم يوم المهن بمشاركة أكثر من 50 مؤس