الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة فى قانون المرور الجديد: الايجابيات والسلبيات

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2008 / 5 / 8
دراسات وابحاث قانونية


لقد تبوأت مصر مكانة عالمية فى حوادث الطرق حيث تشير التقارير الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة أن مصر شهدت فى عام 2007م أكثر من 73 ألف حادث مرورى وأسفرت هذه الحوادث عن 73 ألف قتيل وجريح ووفقا للدراسة التى قامت بها الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب فإن مصر تأتى فى مقدمة الدول العربية التى تعانى من حوادث الطرق التى بلغت 1959 حادث مروري لكل 100 ألف مواطن. ولم تقف الحكومة مكتوفة الأيدى أمام هذه الإحصائيات المفجعة بل تقدمت بقانون جديد ينظم المرور ويقلل الحوادث ويعيد الانضباط لشوارع وطرق المحروسة غير أن هذا القانون تعرض مؤخرا لانتقادات عديدة فى الصحف المختلفة. بداية لا بد أن نعترف أن القانون الجديد يحتوى على جوانب ايجابية وأخرى سلبية. لا شك أن البنود الايجابية التى يتضمنها القانون تهدف إلى إعادة الانضباط إلى الطرق والشوارع التى انتشرت فيها الفوضى وكثرت فيها الحوادث والمشاجرات وتسعى إلى رفع المعاناة عن كاهل المواطنين وتعيد الشعور بالأمان الذى افتقده المواطن راكبا وسائقا لمركبة. أما الجوانب السلبية فى القانون فهى تتمثل فى بعض البنود التى تهدد المواطنين بالحبس لأسباب لا تستحق هذا العقاب السالب للحرية.

دعنا نتحدث أولا عن ايجابيات هذا القانون. فمن أهم الايجابيات التى لا تخطئها العين البصيرة هى تلك البنود والفقرات التى تتصدى للأسباب التى تؤدى إلى حوادث الطرق التى يذهب ضحيتها الآلاف المواطنين سنويا. وتأتى المطبات الصناعية على قمة المعالم السيئة فى شوارعنا والتى تقام بطريقة عشوائية دون مراعاة الضوابط والمعايير الخاصة ودون وضع علامات إرشادية تدل على وجودها مما يعرض السيارات للتلف ويعرض المواطنين لخطر الإصابة والموت. ويتجلى هذا التصدى فى البنود التى تشير إلى جواز الحبس فى مخالفات عديدة كتزوير رخصة القيادة أو تجاوز السرعة أو استعمال أجهزة كشف الرادار أو قيادة السيارة فى حالة سكر أو تحت تأثير مخدر. وكذلك يتصدى القانون لأى اعتداء على سلامة البيئة التى تنتهك سواء من خلال السيارات التى تلقى المخلفات على الطرق أو السيارات التى تتساقط منها مواد البناء.

وبالإضافة إلى ما سبق فإن قانون المرور يهدف أيضا إلى القضاء على بعض الأزمات التى تحدث نتيجة الفوضى المرورية التى تشهدها شوارع المحروسة كالاعتداء على رجال المرور أو امتناع سائقى سيارات الأجرة عن نقل المواطنين. وكلتا المخالفتين قد تقودان المَرء إلى السجن. وإذا ما توقفنا قليلا لدراسة مرتكبى هاتين المخالفتين نجد أن سائقى التاكسى هم المرشحون لارتكاب المخالفة الثانية. فكلنا يدرك أن المرء لن يستطيع أن يستقل سيارة تاكسى قبل الاتفاق مع سائقها على قيمة الأجرة بحجة أن العداد به عطل. أما إذا أمعنا النظر فى وجوه المعتدين على رجال المرور وأصحاب المقولة الشهيرة "أنت متعرفش أنا مين؟" فسنجد أنهم أصحاب السلطة والنفوذ والكل يعرف أن البسطاء لا يجرؤون على الإتيان بهذا السلوك لأنهم يعرفون ماذا سيحدث لهم ومن ثم لا يوجد مبرر لقلق المواطن البسيط على هذا البند لأنه غير مقصود وسنرى كيف سيتم تطبيق هذا البند على الأثرياء وأصحاب السلطة.

أما سلبيات هذا القانون فتتمثل فى بنود عديدة منها البند الذى يشير إلى عدم جواز الترخيص لسيارات الأجرة التى مضى على صنعها عشرين عاما أو البند الذى يحول دون توقف السيارات أمام المحال التجارية. بالنسبة للبند الذى يتعلق بالسيارات القديمة فإن الموقف يقتضى أن نفترض جدلا أن هناك مواطنا اشترى سيارة أجرة عام 1988 وظل يصل الليل بالنهار لسداد أقساطها لمدة عشرين عاما وما لبث أن تنفس الصعداء وبدأ فى تذوق ثمرة الكفاح الطويل ثم يفاجأ بقانون جديد يدعوه إلى تسليم سيارته التى صارت قديمة ومطلوب منه العودة إلى دوامة الأقساط مرة أخرى. أما بالنسبة للبند الخاص بأماكن التوقف فإنه يمنع انتظار السيارات فى الأماكن الممنوعة وأمام المحال التجارية وقد يتعرض من يخالف ذلك للسجن أو الغرامة. من الواضح أن أحدا لم يتكبد عناء تحديد الأماكن المتاحة لانتظار السيارات. فمن المعروف أن المواطن فى الكثير من الأحيان يحتار أين يوقف سيارته ويمضى نصف اليوم باحثا عن الأماكن المناسبة. هذا البند سوف يكون مفيدا فى حالة واحدة فقط: إذا صارت الأماكن المتاحة أكثر من الأماكن المحظورة كما الحال فى الدول المتقدمة.

وربما يعتقد القارئ أن العقوبات السالبة للحرية تستهدف سائقى سيارات الأجرة فقط غير أن هناك مطبات أخرى فى هذا القانون من شانها أن توقع أى مواطن فى الفخ لنصبح جميعا ذات يوم من أرباب السوابق بعد أن نقضى بضع سنوات فى غياهب السجن. أما ما يأتى فى طليعة هذه المطبات فهو ذلك البند الذى يعرضك للسجن أو الغرامة إذا لم تغلق أبواب السيارة كاملا أو إذا تعمدت التوقف أو السير ببطء شديد على الكبارى أو عند مطالعها أو مخارجها وفى الأنفاق أو عند مداخلها أو مخارجها. والمعضلة فى هذا البند يتمثل فى أن المواطن بات تحت رحمة رجل المرور إذ لا توجد ثمة معايير واضحة لتحديد وقياس التباطىء فى السير.

والغريب أنك لا تستطيع أن تدافع عن نفسك، فقد تتعرض للحبس أو الغرامة إذا حاولت إبداء الرأى. صحيح أننا لا نقبل أن يعتدى كائن ما كان على رجل المرور ولكن لم تشر أية مادة من مواد القانون إلى التجاوزات التى قد تحدث من بعض رجال المرور. ومن الملاحظ أيضا أن القانون الذى يوفر الحماية الكافية لرجل المرور لا يقدم ذات الحماية للمواطن الذى قد يتعرض للبطش والتعسف وإساءة استخدام السلطة أو يلقى اللامبالاة والاستهتار. ويكفى للاستدلال على هذا الطرح الواقعة التى سردها لنا الصحفى هانى لبيب فى مقال له فى جريدة روز اليوسف الصادرة فى 14 إبريل الماضى حيث شاهد أثناء خروجه من نفق شبرا سيارة ضخمة تسير فى عكس اتجاه السير داخل النفق وربما كان الصحفى يسير ببطء مما جنبه الاصطدام بالمركبة المخالفة والغريب أن هذه المخالفة حدثت على مرأى ومسمع من أفراد كمين تحدث إليهم الصحفى فور خروجه من النفق بسلام غير أن احدهم رد عليه بحدة قائلا (يا أستاذ ديه عربية تبع المحافظة) وأشار له ليذهب إلى حال سبيله ومعنى هذا أن السيارة الحكومية تفعل ما تشاء وتسير فى أى اتجاه يعجب سائقها ومن حسن حظ الصحفى أن هذه الواقعة حدثت قبل إقرار القانون الجديد وإلا لتعرض للحبس أو الغرامة لأنه كان يسير ببطء داخل النفق أو لأنه تحدث بطريقة غير لائقة إلى قوة الكمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهالي الأسرى: عناد نتنياهو الوحيد من يقف بيننا وبين أحبابنا


.. أطفال يتظاهرون في أيرلندا تضامنا مع أطفال غزة وتنديدا بمجازر




.. شبكات | اعتقال وزيرة بتهمة ممارسة -السحر الأسود- ضد رئيس الم


.. الجزيرة ترصد معاناة النازحين من حي الشجاعة جراء العملية العس




.. طبيبة سودانية في مصر تقدم المساعدة الطبية والنفسية للاجئين م