الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قادمات من الشرق ..... ج / 3

حسن جميل الحريس

2008 / 5 / 9
الادب والفن


كان الشارع خالياً بليلة باردة إلا من قطة تموء شادية من تخمة أصابتها بها أكياس فضلات أغنياء حيّنا الزاهية ، وأعمدة النور كافية لتطبع خيال تلك القطة على جدران بيوتهم العامرة حتى ظننت أن تلك الجدران قد وشمت نفسها بأوراق نقدية عليها صورة تلك القطة البلهاء الصاحية ، مثلما نقش ماري انطوانيت ووريثها دبليو واشنطن بوش بمسمى ( كات لينكولن الأخضر ) الذي يحلم بلقائه عامل نظافة حيّنا ، فهو يجرد الأرض بمشحفه البلاستيكي متمنياً أن يعثر على مايسد به رمق أطفاله الثمانية وزوجته الغافية .
ظهرت لولو عصر الأمس بوسط حيّنا وهي تتبختر ببنطالها الأبيض وتهّز مقعدها متباهية ، ولا أظن أنها تعرف من مصطلحات الحشمة إلا ورقة توت سقطت على موجة مرتفعة عاتية ، فأخذت تتأرجح وكأنها ياسمينة تتموج تحت نافورة ماء طافية ، ونادت على رفيقتها العارية مثلها إلا من قبعة رمتها على رأسها فهي وفق منهاجها كافية ووافية ، وصاحت عليها بصوتها الراقص :
- فينو .... تعالي وانظري من يلحق بنا ؟!
أدركتهم بنظرة فظننت أنهم رجال خرجوا بمسيرة تأييد لفك الحصار عن أهلنا بغزة ، ولكن ظني هوى بقشعريرة باردة ، فكانت تأوهاتهم كتسونامي يلحقون بغانية ، إذ تكرمت شمس العصر على موائد شهواتهم وعرضت لهم مفاتن فينو كاملة وكأنها دجاجة نزعت ريشها وصعدت تتمطع فوق قمة رابية ، والذي تعجبت له أن بينهم عجوز تحمله قدماه وكأنهما عكازتين بشريتين انتهت صلاحية احداهما والثانية لا زالت تجهد نفسها لتبقى تحت مصطلح ( قدم وساق لاهية ) ، ولم يكن كمال مكترثاً لهما إذ كان منشغلاً بحفلة تبوله على جدار بيت جارنا ، والمفارقة أن اسمه كمال المدلل بينما في حقيقة أمره لم يكن لا عاقلاً ولا كاملا ، وعمره فوق الخمسين عاماً ويملك داراً كبيرة بنهاية حيّنا ، وقد اعتاد أن يخرج من بيته يومياُ قبل الظهيرة ليعود إليه بعد العصر ليمارس نشاطه الحيوي ويتخذ من جدران المنازل مراحيض أزقة مترامية ، وكان يسأل المارة بلكنة غريبة متكسرة بعض الشيء لعلة في فمه الفارغ من كل شيء إلا من بضعة أسنان أثرية سوداء مهترأة تنم عن بلاهته المتناهية :
- اعطني شيكارة ؟
والشيء الوحيد الذي يتقنه أن شفتيه تعودتا أن تقبضا على لفافة تبغ وكأنه يسوقها إلى مشنقة أخشاب عالية ، حتى تلك المعدومة منها لم تسلم من قبلة شفتيه فهو يلتقط بقاياها من الأرض وممن مروا عليها منذ ساعات ماضية ، سألني فأعطيته منها لفافة واحدة ولكنه أدركني وطالبني بأخواتها وعماتها وخالاتها حتى تنازلت له عن عائلتها كلها وأرسلت معها موقدها فحملها وطاف بها وكأنها شعلة أولمبياد تطوف على ضمائر عارية ، فأخذت ظني لنفسي وسألتها :
- ما الذي ألهم أبوه أن يسميه لحظة ولادته باسمه ( كمال ) ؟!!!! وكم من أسماء بشر لا تتناسب إطلاقاً مع شخصيات أصحابها ..... وأسماء البشر كثيرة جداً ولا تعطي معناها المطلوب منها !!!! ثم ؟؟ بماذا فكر والداه عندما وضعته أمه حتى أسمياه بذاك الكمال !!! غريب أمر هذا الزمان ؟؟ فذاك اسمه فهد وهو رعديد جبان وتلك اسمها أفنان من ريح الجنان وهي في حقيقة أمرها من زقوم زؤوام ، وآخر اسمه عبد الإله وهو من أتباع الشيطان وذاك اسمه يوسف وهو خسيس وسارق وكذاب فأين هو المعيار !!! هل القياس بما سيملك هو من إرث ومال أم بما تمتع به أبواه ؟؟؟ سؤال برسم التسليم بقضاء الله ألا يكون من ورثة الأنبياء ودعاة الطاعة العمياء !!!!!
وبعدما أخذ مني علبة السجائر وموقدها سألني قائلاً :
- اعطني خمشين ليرة لأشتري شندويشة ؟
ثمن داره غالٍ جداً ولكنه اعتاد كفاف الناس ، وبنطاله أثري أيضاً فهو من العصور الوسطى إذ رسم عليه خرائط جزر ويابسة من بقايا بوله المتناثر على كافة الأرجاء ، وبينما هو ينحت توقيعه على جدار جارنا ابتسمت فينو الفاتنة بوجهه تبشره أنه من حكماء عصرنا العظام ، وأخرجت من حقيبتها الزورقية قطعة حلوى وأعطته إياها فأخذها منها بيده الفريدة بينما يده الأخرى لا زالت تمسك بصنبوره الفلتان ، وقد لف مشهدهما ضباب تبغ خرج من فمه كنيران ، إنها طبيعة البشر الخارجة عن إراداتهم ولكنهم جعلوا أقدارهم يعيشون كدواب وأنعام .... وحالة كمال هي من حالات الفراغ الذهني الذي ورثه من أبويه وسيورثه لأجيال قادمة ربما ستختلف في أشكالها ولكنها ستتشابه بمقامها كل زمان ...
خرج أبو رامي من بيته وألقى علينا تحيته الخجولة كحضوره دائماً ، وكان يحمل تحت إبطيه لوحات رسم صغيرة رسمها ببنان عبقريته الباكية ، واستعجل خطاه ليلحق بوقته الذي يمكنه من ارسالها لصديقه المقيم بدولة غربية كي يبيعها له ويقتات منها ، فأدركته بسلامي قبل أن يتوارى عن نظري فأجابني مثلما اعتاد :
- انتظرني سأعود إليك بعدما أرسل اللوحات .
فرددت إلى نفسي قائلاً :
- يالهذا الزمان ؟ المؤمن أسير مبتلى !!! والكافر ينعم حراً طليقاً كريشة حبر تخط علينا القوانين والأنظمة !!!! يتبع ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب