الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تنامي الدور التركي

محمد سيد رصاص

2008 / 5 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


في رد على احتجاجات الإسلاميين بزعامة نجم الدين أرباكان ،على سماح السلطات التركية باستخدام قاعدة إنجيلرك الجوية من قبل الطائرات الأميركية لضرب العراق في حرب عام1991،قال الرئيس التركي توركوت أوزال في تبرير لإنضمامه للتحالف الثلاثيني:"إن هناك مائدة قد مُدت،ولايجوز لتركيا أن تتخلف عنها".
لم تحصل تركيا شيئاً من تلك الشاة المذبوحة،بل على العكس من ذلك فقد خرجت تلك الحرب بحصيلة مقلقة لأنقرة،تمثلت في تلك النواة لكيان كردي،رعت الولايات المتحدة إقامتها في شمال العراق منذ عام1992.رغم ذلك،فقد ظل الرئيس التركي يأمل في أن الدور التركي سيتنامى في عالم مابعد الحرب الباردة،بعد أن كانت أنقرة تقوم بذلك الدور الكبير ضد موسكو الشيوعية،إلى درجة أن صفقة تفكيك الصواريخ السوفياتية في كوبا،عام1962،قد أصر خروتشوف فيها على تفكيك مقابل لصواريخ وقواعد تنصت كان الأميركان يستخدمونها في شمال شرق تركيا.
إن ماخاب فيه أمل أوزال،في الشرق الأوسط،قد حاوله في جمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية السابقة لإقامة"عالم تركي يمتد من بحر إيجة حتى الحدود الصينية"،على حد تعبيره قبيل وفاته في شهر نيسان من عام1993،في تحالف مع الولايات المتحدة لملء الفراغ السوفياتي في تلك الجمهوريات الناشئة من أجل منع الإمتدادات الإيرانية هناك،فيماقامت أنقرة بأدوار،ليست بعيدة عن الرغبة الأميركية،في دعم أذربيجان ضد أرمينيا المتحالفة مع موسكو وطهران بالنزاع على اقليم ناغورني كاراباخ،وفي مساندة جيورجيا ضد الإنفصاليين المدعومين من الروس في اقليم أبخازيا،فيما كانت أدوار تركيا بالبلقان في التسعينيات،بنزاع البوسنة وفي حرب كوسوفو،أساسية للولايات المتحدة من حيث تقديم غطاء اقليمي- واسلامي- في مواجهة صربيا المدعومة من روسيا،ولوأدى ذلك إلى قلق يوناني عميق،حيث كان واضحاً أن عواطف وتأييدات أثينا كانت بعيدة عن واشنطن في النزاعات البلقانية،التي تداخلت فيها عند اليونانيين العواطف الأرثودكسية المؤيدة للصرب مع الخشية من عودة الأتراك بشيء يذكر بامتدادات العثمانيين في البلقان،ليضاف لذلك القلق من تنامي قوة اسلام أوروبي،عند الألبان والبوسنيين،كان تاريخياً يلتقي دائماً،ضد أرثودكس البلقان من أثينا حتى بلغراد،مع الأتراك القادمين من آسيا الصغرى،فيماكانت عواطف الأرثودكس البلقانيين تتلاقى تاريخياً مع قياصرة روسيا،لتعود وتلتقي- رغم خلافات تيتو مع موسكو ورغم أطلسية أثينا بالحرب الباردة ومابعدها- مع روسيا مابعد السوفييت في مشاكل بلقان التسعينيات.
بدون ذلك،لايمكن فهم التعاون الإستخباراتي الكبير،الذي أبدته الولايات المتحدة في مساعدة الأتراك على اعتقال عبد الله أوجلان،في شباط1999 قبيل أسابيع من حرب كوسوفو الأميركية على صربيا،حيث كان- كما قيل- في ضيافة منزلية لدبلوماسي يوناني في نيروبي بكينيا،ولاذلك الغطاء الأميركي الذي استظلت به أنقرة،قبل أشهر من ذلك،لماأطلقت حشودها العسكرية وتهديداتها ضد سوريا على خلفية دعم دمشق لأوجلان وحزبه.
هنا،عانت أنقرة من نكسة كبرى في مسار دورها،المستظل بالرعاية الأميركية،لمارفض البرلمان التركي فتح جبهة شمالية أمام القوات الأميركية المتأهبة لغزو العراق ،قبيل ثلاثة أسابيع من بدء حرب2003،ضد رغبة زعيم(حزب العدالة والتنمية)الحاكم رجب طيب أردوغان،لماتمرد نصف نواب حزبه وتضامنوا مع نواب حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي المعارض:أدى هذا إلى تنامي في الدور الكردي بالعراق(فيماكان سيحصل العكس لولم يفعل البرلمان التركي ذلك)بينما كان التوافق الأميركي- الإيراني ضد نظام صدام حسين آنذاك مؤدياً إلى فتح أبواب بغداد المغزوة والمحتلة أمام القوى العراقية الحليفة لطهران.
تغيَر هذا في شهر آب 2005،لما استأنفت طهران برنامج تخصيب اليورانيوم،بعد قليل من انتخاب أحمدي نجاد رئيساً،ماأدى إلى اتجاه أميركي جديد يتجه إلى اعتبار ايران خطراً رئيسياً في المنطقة الممتدة بين كابول وشرق البحر المتوسط ،وهو ماقاد إلى رؤية أميركية جديدة عند واشنطن - لم تكن موجودة في أيام حرب2003 وقبلها في حرب 2001لماغزت أفغانستان - لأدوار دول مثل مصر والسعودية وباكستان،وبالذات للدور التركي الذي اتجهت الولايات المتحدة لإعطائه أبعاداً اقليمية لم تعد محصورة في البلقان والقفقاس وآسيا الوسطى،بل أرادت اعطائه أبعاداً في الجنوب،في منطقة الشرق الأوسط،كموازن ومواجه للدور الإيراني.
كان من أول آثار ذلك متمثلاً بالطوي الأميركي العملي لصفحتي(الفيدرالية)و(كركوك)في إدارة ظهر واضحة من قبل واشنطن تجاه أكراد العراق،فيماكان جلياً غطاء واشنطن منذ خريف عام2007لإجتياحات تركيا لشمال العراق،التي من الواضح أن أنقرة لاتستهدف منها فقط قوات حزب أوجلان المتواجدة هناك وإنما أيضاً مجمل وضعية الكيان الكردي العراقي.بالمقابل،فإن بروز الدور التركي بالسنتين الماضيتين،في موضوع التسوية السورية- الإسرائيلية،ليس هو ببعيد عن رؤية واشنطن الإجمالية لإقليم الشرق الأوسط ،من حيث أن الهدف الرئيسي أميركياً هو تفكيك التحالف الرباعي،ممثلاً في(طهران- دمشق- حزب الله- حماس)،ولوأن هناك خلافاً حول الآليات في هذا الصدد كان من الواضح بروزه بين تل أبيب وواشنطن في الفترة الأخيرة.أيضاً،فإن استمرار الهجمة الأميركية في البلقان،كما ظهر في شباط الماضي من خلال غطاء الإدارة الأميركية لإستقلال كوسوفو،ستجعل تركيا من جديد جزءاً رئيسياً متزايد الأهمية في الاستراتيجية الأميركية هناك،بالتزامن مع التوترات المتجددة بين جيورجيا وروسيا حول أبخازيا،الأمر الذي لايمكن عزله عن الإتجاهات الموجودة عند واشنطن لمدِ عضوية(الناتو) نحوجيورجيا وأوكرانيا،وهو ماسيجعل تركيا قاعدة مثلث حلف الأطلسي،الممتد عبر القفقاس والبحر الأسود،لتطويق روسيا من الجنوب الغربي،إضافة للبلقان و شرق أوروبة.
كان نجم الدين أرباكان يرى،في تسعينيات القرن الماضي،أن تركيا يمكن أن تبني مكانتها الدولية،وقوتها الإقليمية،عبر المصالحة مع العالم الإسلامي،بجناحيه العربي والفارسي،بعد خصام أتاتوركي طويل،من دون لعب أدوار مع الغرب ضد هذين الجناحين،مايمكنها أن تكون رقماً كبيراً في خارطة العلاقات الدولية،ستفرض على الغربين،الأميركي والأوروبي، المرور عبر أبوابه،لتحقيق دور تركي مثلث الأبعاد في البلقان،وعند مسلمي الإتحاد السوفياتي السابق،ولدى مسلمي الشرق الأوسط بعربه وفرسه:يبدو أن تلميذه السابق رجب طيب أردوغان في اتجاه آخر،بعد أن انشقَ عنه في عام2001.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة