الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نماذج علمانية تخريبية

عاصم بدرالدين

2008 / 5 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


لئن العلمانية حسب الأستاذ نصري الصايغ هي التالي:"(إن العلمانية) ليست كلافا، بل هي حياة: شعر، موسيقى، فن، ابداع، دفء، انسان. علاقات بلا ترسيمات قبلية (...) فالعلمانية ليست عقيدة، او مفهوما، او سياسة. انها، كما نشاؤها، بعيدة عن التعصب، نقية من الطائفية، منتمية الى الحرية دائما والابداع كذلك لقد كانت هذه كلها مائدة العلمانيين." نستغرب ما يفعله رجال الحزب القومي المسلحين في شوارع بيروت، وتحديداً في الروشة، ونخص بالذكر إحراق المبنى القديم والمهجور لتلفزيون المستقبل المستنزف اليوم، والمحتاج لكل دعم وتحية، على رغم الإختلاف معه في كثير من الأحيان.

نستغرب تدخل العلمانيين في هذه المعركة، ونصب أعلامهم أعلى المبنى المحروق ولصق الشعارات على الجدران المجاورة. نستهجن ونأسف في آن. لا أعرف ما الفرق الآن بين هذا العلماني المنتمي إلى الحزب القومي السوري الإجتماعي -أو أي حزب أخر بالممارسات نفسها- وبين ذاك الطائفي الذي يطوف في أحياء ودساكر بيروت مقنع الوجه سافر السلاح؟ ما الفرق بين المنتسب إلى الحزب القومي والمنتسب إلى حزب الله أو حركة أمل أو تيار المتسقبل أو التقدمي الإشتراكي أو القوات اللبنانية؟ ما الفرق؟ الحقيقة المرة، أن الفوارق ذابت وإنتفت. الحزب القومي إستحال إلى حزب طائفي مثله مثل البقية.

طبعاً عندما نقول "طائفي" لا نقصدها بمعناها الضيق والمباشر. فكما للعلمانية خصائص حياة وبناء ونهوض، للطائفية سمات موت ودمار وتخريب. والحزب القومي على ما يبدو قد إستعار هذه الصفات وصبغ نفسه بها، فصار مثلها: منها وفيها. إن الحرية، والحرية مقدسة هنا كالإنسان، هي أسمى خصال العلمانية. والإعتداء على حرية، أي كان، تعني الإعتداء على "شرف العلمانية". لا أفهم كيف يمكن لحزب حياة، أن يمشي في طريق الموت؟ كيف يمكن أن يحرق رأياً أخراً، ومن ثم يرفع يده ورايته مطالباً بالعلمنة؟ إذاً هو الكذب والنفاق الكثيف المنثور في كل بقعة ههنا. العلمانية بتجلياتها وقيمها العالية السامية التي يشير إليها الصايغ فيما سبق ذكره، نقيض تام لما يفعله "شباب الحزب القومي"، هي في تضاد مع الميلشياوية والفوضى والإستباحة. إنها تعني الإلتزام لأنها تعني الحرية. لا تعني السلاح، لأنه عدو الشعر والموسيقى والدفء والإبداع... والإنسان.

وعلى فرض، أن الحزب القومي بريء من هذه التصرفات الشائنة. سنخدع عقولنا ونفوسنا ونقتنع مصدقين. فكيف نفسر البيان الصادر عن عمدة الإذاعة والإعلام التابعة للحزب المذكور، والذي يهنئ بيروت بإنتصار مقاومتها وإنتصارها، في إشارة طبعاً لإجتياح "الأخوة" في حزب الله للعاصمة اللبنانية. هل هذا الإجتياح علماني النزعة؟ هكذا نبني الدولة المدنية؟ إذا كان الرفاق في الحزب القومي السوري الإجتماعي، قد نسوا أن المدنية (ونقصد بها الذهنية والعقلية المدنية والتجرد من السلاح وخاصة إذا كان ذو وجهة داخلية) هي من سمات الحزب العلماني، فهذه مشكلة نستطيع إصلاحها. أما إذا كانوا يذكرون ويعرفون، فهذه طامة كبرى، لا يمكن السكوت عليها وعنها أبداً من موقعنا كعلمانيين أساساً، ولبنانيين أصلاً وسابقاً على أي إنتماءٍ أخر.

أن أكون علمانياً، لا يعني فقط أن أنقد الطائفي وأسبه وأنهره. لا بل أن أنظر في حال العلمانيين والعلمانية -وهذه أهم من تلك-، التي أقل ما يقال فيها الآن أنها مستباحة ومهدورٌ دمها، من المؤمنين بها قبل غيرهم-أعدائها. تصرفات الأحزاب العلمانية مثيرة، بحيث تدعوا إلى الهجر. بلغة أخرى: هجر العلمانية ونفي الإنتساب إليها. عندما إخترناها، كنا نراها على أنها أسلوب حياة وأخلاق، قبل أن تكون فكراَ سياسياً فلسفي. وحين نرى حال أصحابها نستعجب وننفر منها لأنهم أصبحوا "طلاب موت" و"عدمي الأخلاق"! نريد أن نكون علمانيين على طريقة نصري الصايغ -أي حسب تعريفه لها- لا كما يشتهي الحزب القومي وأتباعه وأشكاله.
هذا الموضوع، أو هذه الصورة التلفزيونية لعناصر تصنف على أنها ميليشياوية طائفية (حتى لو كانت علمانية المعتقد)، يدفعنا لنسأل عن رأي العلمانيين، الطبقة المهمشة في هذا المجتمع المشتت، بما يحصل اليوم؟ هل هو حقاً إنتصار للمقاومة؟ هل هو نهج مقاوم؟ هل نحن معه كنمط حياة؟ هل نحن مع هذا التسلح المفاجأ والغزير الغير مضبوط؟ هل نحن مع الفلتان؟ هل نحن مع التسيب وغياب الشرعية؟ هل نؤيد إستباحة "الزعران" لشوارعنا وبيوتنا وذواتنا وفرديتنا؟

لن أعلق على بيان الحزب القومي المحض سخيف وساذج، ويدل على الذهنية "الطائفية" البائسة واليابسة التي إجتاحت رذاذ الحزب القومي، والذي ربط بين المقاومة والشهيد خالد علوان والعنفوان والكرامة، وما يفعله مسلحو حزب الله وحركة أمل في بيروت. لكن لنسأل من جديد عن معنى الكرامة، لترابطها بالإنسانية أي بالعلمانية. كيف تكون الكرامة مرادفة لترهيب الناس وتخويفهم وتهجيرهم؟ هل صار منطق حزب الله "الإلهي" نموذجاً نحتذي به؟ يومذاك كنا مضطرين للتهجر والنزوح والهرب والخوف والهلع، لأننا كنا ضد عدو -ولم نحسب يوماً، أن يعاملنا بغير هذا- بكل ما لهذه الكلمة من معانٍ، لكن الآن لما علينا أن نخاف بإسم الكرامة والعزة والعنفوان؟ وأين هذه الكرامة المفتعلة أمام إجتياح البيوت والناس والشوارع وما شابه؟ والقتل والموت طبعاً...

على العلمانيين أن يتحركوا. لا أن يظلوا سجناء "بيتهم"، لنخرج الآن إلى الشوارع، إلى شوارع بيروت ونحررها، من هذا الرطل الخطير من المسلحين من أي طرف كانوا، فالكل سواء وسواسية في تدميرها. بيروت لا تعيش على قرقعة السلاح. تعيش وتكبر، هي وسواها من مدن الحضارة والتحضر، على نغم العلمانية وشعرها، نغم الإنسانية وسردها. تعيش بصوت الكلمة. تعيش في الموسيقى والوتر. لا في التوتير وقرع الطبول والتهويل والعنف. بيروت علمانية بما يكفي، لتحب السلام والهدوء، لتحب الحياة، حياتنا الهادئة الآمنة. كفاكم كذاباً وتلطي بنا وبأفكارنا وإخرجوا من شوارعنا. هي لنا ولكم، لكننا نأبى أن تكون مثلكم، وهي ليست.
لننزل إلى الشوارع، بقلمٍ أو ورقة، بقصيدة أو قصة، بنغم ووتر، بأي شيء... يثير الصدى، وينهض بالشوارع والبيوت والحياة والناس. فنفرغ بيروت من عفن الطوائف والمذاهب والصراع القاتل، ونبني بها قصوراً وبيوتاً متماسكة، مدعمة بنفحات علمانية، مؤمنة بنا أولاً كإنسان-قيمة. ثانياً كحرية-مبدأ. ثالثاً كمبدعي حياة وعيش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التعبئة الطلابية التضامنية مع الفلسطينيين تمتد إلى مزيد من ا


.. غزة لأول مرة بدون امتحانات ثانوية عامة بسبب استمرار الحرب ال




.. هرباً من واقع الحرب.. أطفال يتدربون على الدبكة الفلسطينية في


.. مراسل الجزيرة: إطلاق نار من المنزل المهدوم باتجاه جيش الاحتل




.. مديرة الاتصالات السابقة بالبيت الأبيض تبكي في محاكمة ترمب أث