الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هو البديل؟

رمضان متولي

2008 / 5 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة المصرية تحت دعوى تدبير الموارد اللازمة لتغطية تكاليف العلاوة الاجتماعية للعاملين بالحكومة والقطاع العام تؤكد أن حكومة رجال الأعمال ليست لديها نية ولا تمتلك القدرة على معالجة الأوضاع الاقتصادية المزرية التي تعاني منها أغلبية الشعب المصري من جانب ولا على حماية البلاد من كارثة التضخم المستورد من جانب آخر.

أما بالنسبة للأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي يعاني منها غالبية الشعب المصري فأهم مظاهرها هي تدني مستوى الأجور إلى حد أصبحت معه مصر تشتهر في أوساط المستثمرين الأجانب (بالإضافة للفساد) بالانخفاض الشديد في مستوى أجور عمالها، واتساع رقعة الفقر إلى حد يقترب من نصف السكان، وانفلات أسعار السلع الأساسية بوتيرة لم تشهدها البلاد منذ أكثر من خمسين عاما، علاوة على اتساع الفجوة بين الطبقات مع وجود قلة محدودة من رجال الأعمال تسيطر على نصيب الأسد من ثروة البلاد ومواردها. هذه الأوضاع أصبحت لا تحتاج إلى بيان، وجاء قرار الحكومة بزيادة العلاوة الاجتماعية اعترافا بهذه المأساة وبعد أن ضج الناس غضبا أمام غطرسة السلطة وتجاهلها لمعاناتهم وسط سفه وبذخ الأثرياء. ولكنها عادت لتسلبهم إياها بزيادة أسعار الوقود محتجة بضرورة تدبير الموارد.

وبالنسبة لكارثة التضخم المستورد، كان انحياز الحكومة لتلك الطبقة المحدودة من رجال الأعمال وراء ابتعادها عن مجرد التفكير في السياسات التي لا يمكن بدونها درء مخاطر التضخم المستورد، ولجوئها إلى سياسات تؤدي إلى تحميل أعباء التضخم على العمال وصغار الموظفين وفقراء المدن وصغار الفلاحين.

هناك بالتأكيد ألف وسيلة لتدبير الموارد اللازمة لتغطية العلاوة الاجتماعية غير رفع أسعار الوقود الذي ينتهي عمليا إلى زيادة أسعار جميع المنتجات بمعدلات تراكمية على عكس ماروج جهابذه الحكومة وأبواقها في حملة التلميع في وسائل الأعلام التابعة للسلطة خلال الأيام الماضية، ودون أن يترتب على ذلك زيادة العجز في الموازنة العامة. ولكن الحكومة ترفضها من منطلق انحيازاتها الطبقية وليس من منطلق المصلحة العامة لغالبية الشعب المصري. منها مثلا، تعديل أسعار تصدير الغاز المصري الذي يتم تصديره للخارج بأقل من 15% من أسعاره العالمية مع منع تصديره تماما إلى إسرائيل (لكونها دولة معادية للشعب وإن لم تكن معادية للحكومة)، ومنها فرض ضرائب تصاعدية على الدخل وإلغاء جميع الضرائب غير المباشرة التي يتحملها الفقراء في النهاية، ومنها أيضا فرض رسوم إضافية على الصناعات الملوثة للبيئة (وما أكثرها في بلادنا حيث تعمدت الحكومة جذب هذه الصناعات للاسثتمار في مصر بعد ارتفاع تكاليفها في أوروبا) مثل صناعة الأسمدة والبتروكيماويات والأسمنت والسيراميك والبلاستيك والكابلات وغيرها. كل إجراء من هذه الإجراءات يكفي وحده لتدبير هذه الموارد دون الضغط على الموازنة العامة ودون أن يترتب عليه أي زيادة في الأسعار.

الأمر الثاني يتعلق بالتضخم المستورد متمثلا في ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة في العالم. والسبب الأساسي في تأثر مصر بهذا النوع من التضخم هو إلحاق الاقتصاد المصري بالاقتصاد العالمي رغم ضعف البنية الصناعية والإنتاجية للاقتصاد المصري، وهي الاستراتيجية التي روجت لها الحكومة منذ سنوات تحت عنوان "الإنتاج من أجل التصدير وتشجيع الاستثمار الأجنبي". وكانت النتيجة كارثية. فأولا، لم تعالج هذه الاستراتيجية الخلل المزمن في الميزان التجاري المصري بل تزايد عاما بعد عام. وثانيا، أدت هذه الاستراتيجية إلى تغيرات هيكلية رهيبة في الاقتصاد المصري جعلته أكثر اعتمادا على استيراد الغذاء من الخارج ونسفت مفهوم الأمن الغذائي من جذوره. ولم تحقق هذه الاستراتيجية أي فائدة إلا لمجموعة ضيقة من المستثمرين الأجانب والمصريين الذين ترتبط مصالحهم مع الخارج استيرادا وتصديرا مع إخضاع عملية الإنتاج في مصر وأمنها الغذائي ومستقبل أبنائها لصالح تعظيم أرباح وتلبية احتياجات هذه القلة المحظوظة. وتحت هذا العنوان، تم تصدير موارد مصر وعرق أبنائها رخيصا إلى الخارج في صورة طاقة مدعومة وعمالة رخيصة، وتحولت عوائد ذلك إلى أرباح في حسابات المستثمرين مصريين وأجانب. وتحت هذا العنوان أيضا أخضعت عملية الإنتاج في مصر لصالح المستوردين والوافدين والمستثمرين السياحيين لتتعاظم أرباحهم على حساب مستقبل وأمن غالبية فقراء مصر.

والحل، قلنا قبل ذلك أن حماية البلاد من أخطار التقلبات في الأسواق العالمية، ومنها التضخم المستورد، تتطلب أن تكون عمليات التجارة الخارجية كلها تحت سيطرة حكومة تنحاز للشعب وتنتمي إليه وتساءل أمامه، وألا يسمح للقطاع الخاص بالتعامل مع الخارج استيرادا أو تصديرا. لو كانت لدينا هذه الحكومة، كنا سنضمن عدم تسريب الدعم للخارج الذي يحدث مثلا من خلال تصدير الأسمدة التي تعتمد على استهلاك كثيف للطاقة وارتفعت أسعارها في الخارج إلى حدود لا يستطيع الفلاح المصري أن يتحملها. لو فعلنا ذلك، كنا سنضمن عدم ارتفاع أسعار الأسمنت والحديد والسيراميك، بل كنا سنضمن عدم ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، كنا سنتمكن من تحديد أولويات الإنتاج الزراعي والصناعي بما يخدم الغالبية العظمى من فقراء الشعب المصري وتحديد أولويات الاستيراد بما يعظم قدراتنا الإنتاجية ويلبي احتياجات غالبية أبناء الشعب المصري.

العنصر الحاسم هنا هو طبيعة السلطة التي تسيطر على الدولة وعلى الاقتصاد وأولوياتها وانحيازاتها. ولأن السلطة الحالية تنحاز لرجال الأعمال وترتبط مصالحها بهم وبالخارج أكثر من ارتباطها بغالبية الفقراء، أصبحنا نعاني كل هذه المعاناة ولا نجد مخرجا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غموض يلف أسباب تحطم مروحية الرئيس الإيراني؟ • فرانس 24


.. التغير المناخي في الشرق الأوسط: إلى أي مدى مرتبط باستثمارات




.. كيف يسمح لمروحية الرئيس الإيراني بالإقلاع ضمن ظروف مناخية صع


.. تحقيق لـCNN يكشف هوية أشخاص هاجموا مخيما داعما للفلسطينيين ف




.. ردود الفعل تتوالى.. تعازى إقليمية ودولية على وفاة الرئيس الإ