الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصص قصيرة جدا -الحكاية الرابعة عشر لهلكان العريان

كامل الجباري

2008 / 5 / 12
الادب والفن


سأقص عليك هذا اليوم بعض القصص حيث يكون يومنا هذا مختلفا بعض الشيء. قلت له لم أعهدك قاصا أو روائيا من قبل, أو على الأقل لم المس هذا الأمر عندك. أجاب: لست روائيا ولكن إلا يمكننا اعتبار التاريخ روايات فخمة مدادها دماء وعرق الناس, وحبكتها مآسيهم وأتراحهم, حبورهم وأفراحهم؟ أليس هولاكو وشريعته والحجاج وبطشه وهتلر وجنونه والعديد من أمثالهم شخوصا مرعبين من روايات الرعب؟ الدكتاتور الشرقي والكاوبوي الأمريكي وأحفاده من فرسان العولمة, محاكم التفتيش وأشباهها والملوك الذين إذا دخلوا قرية أفسدوها والمترفين الذين حق عليهم القول. أليس شخوصا في دراما اسمها التاريخ؟ ألا ترى في الكبر والاستحواذ والانانوية والقطيعية والقطعانية المتزمتة والتشدد والتطرف والثروة والسلطة والقسوة والنفس الأمارة بالسوء وعبادة الأصنام المتجددة, ثيمات لروايات وروايات تذكرنا بالمسخ وأهوال الاستبداد والسيد الرئيس والعقب الحديدية والأم وإضرابها ألا ترى في الفن والأدب والموسيقى وجيفارا والعمال والمخترعين والفلاسفة والمدافعين عن البيئة وأمثالهم وجها لرواية إنسانية متانسنة ودافئة وحميمية؟
لقد تركت هلكان يسترسل بصوت قوي مهيب كشلال ماء عذب نقي ينحدر من أعالي شاهقة وكأنه يعري زيف هذا العالم حتى انه نسي الشاي على موقد النار. بادرت إلى ملء قدحين لي وله واستطرد يقص علي قصصه.

• كان صباحا جميلا. الجو قد خلا من العواصف التربية التي ميزت مدينتنا منذ أن اجتاحت الهمرات بلادنا وخلخلت تربتها المتماسكة. ومنذ أن قطع الكثير منا أشجارها بذرائع مختلفة... لذلك فقد كان هذا اليوم مميزا. شوارع المدينة وأزقتها تعج بالحركة والحياة. جمعت كتبي على عجل و أنا متلهف ليوم جامعي جميل. كليتنا تقع على شارع رئيس فيه الكثير من المباني الحكومية المهمة. بعد أن انتهت إجراءات التفتيش الرتيبة تبادلت التحية مع الزميلات والزملاء... فجأة امتلاء الشارع بالعربات العسكرية والجنود. صوت الأحذية الثقيلة للجنود الأمريكان عكرت الجو الجامعي الهادئ. تلاشت الابتسامات حينما فوجئ الطلبة بكلب بوليسي ضخم يتقدم الجنود محدقا بريبة وبنظرات مهددة. انكفأ الطلبة في الزوايا الحادة للقاعات محاذرين من أية حركة قد تبدوا عدائية للكلب خوفا من لجوئه إلى عضة استباقية, ودعوا في سرهم أن تجتاح المدينة عواصف رملية حادة.

• ربما كانت تبلغ السبعين أو تكاد. لها عينان وديعتان تنحدر تحتهما أخاديد عديدة. ظهرها المحدودب يبدوا تقوسه حتى وهي جالسة. منذ أن فقدت ابنها الوحيد في واحدة من الحروب المجنونة وهي تجلس في هذا المكان مستعطية ما تجود به أيادي المحسنين لإطعام يتامى ابنها. لله يامحسنين.. على كيس علي.. ضاع صوتها الضعيف وسط أزيز طائرات اف16 فيما كانت همرات أمريكية تلتهم الطريق مثيرة الغبار. انتصبت المرأة العجوز واقفة كما نخلة وقد استعادت عيناها بريقهما وهي تحدق في الهمرات بغضب. ابتلع الطريق آخر همر. بصقت العجوز وتناولت عصاها لتسير باتجاه المزار الواقع في نهاية المدينة. انداح الشارع وهي تدب عليه مبتعدة لتبدوا كنقطة سوداء على إسفلت الشارع من بعيد.

• شانهم شان بيوت هذا الحي الفقير. كان بيتهما صغيرا في مساحته ومتواضعا في بناءه ولكن هذا الأمر لم يمنع جميل وجميلة عن اللعب فيه مستضيفين أصدقائهما الصغار من أبناء الجيران. كالكثير من اللعاب الفقراء فان التراب يدخل عنصر رئيسي فيها. الرجال جميعا خرجوا للعمل أو للبحث عنه فيما كانت النساء تقوم بالأعمال البيتية المعتادة. فجأة دوى صوت انفجار قذيفة. هرع الجميع إلى إحدى الغرف الأشد متانة وهم يلتصقون ببعضهم البعض. أطلقت إحدى الطائرات صاروخها ليختفي الجميع تحت ركام البيت الذي هد من أساسه.
لفت انتباه هلكان بيت مدمر على شاشة التلفاز والرجال يخرجون من تحت أنقاضه جثة طفل في الخامسة من عمره. اطرق برأسه مهدودا ودموع غزيرة تنحدر على خديه. لم يتمكن من إيقاف نزيف دمعه فسكت عن الكلام المباح إلى أن يدرك الشعب العراقي وفقراءه نور الصباح.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا


.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس




.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام