الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عفاف خلف ولغة الماء

مفيد دويكات

2008 / 5 / 12
الادب والفن



تروي الكثير مما حدث في نابلس إبان الاجتياح

كنت جالسا في مكتب مدير إحدى دور النشر المحلية حين دخلت علينا فتاة
في العقد الثالث من العمر وكان واضحا أنها تعرف صديقي الذي قدمها
بقوله : "عفاف خلف.. روائية" كنت سمعت بالاسم من قبل مقرونا بروايتها
" لغة الماء" والتي لم اكن قد قرأتها 0 وبعد دقيقة من التعارف استلت من شنطنها
نسخة من الرواية وقدمتها لي بإهداء لطيف0
سألتها وأنا أتامل الغلاف عن غادة السمان وكان سؤالا خبيثا لا أدري لماذا يخطر
بالي اسم غادة كلما وجدتني أمام أعمال الكاتبات الجدد0
أجابت بأنها تحبها ولكن لم تقرأ لها منذ فترة وأضافت بذكاء كأنما أدركت مغزى السؤال " اطمئن " لست متأثرة بها!"
وقبل أن أفتح الرواية للقراءة كانت ترافقني أحاسيس بأنني مقبل على قراءة عمل
رومانسي يتناول النضال الوطني من هذا المنظور .
إنطباع ربما خلفه لدي عمرالكاتبة الشابة وكونها مبتدئة بالكتابة الروائية0
وفوربدأت القراءة تغيرت كل حساباتي دفعة واحدة، فالكاتبة تتحدث بأسلوبها هي ،
ولا تلمس أي أثر لكاتب آخر فيه، ولكن الاهم من ذلك كان لغتها الكاوية، وحدتها في نقد
كل شيء سلبي، وثمة قوة شعرية في اللغة، تذكرك بالشعراء المتمرسين اذ يكتبون نثرا.
كانت مفاجأة حقيقية لي، فها هي الاحداث التي عشتها كواحد من ابناء المنطقة تقدم في عمل
روائي جاد بديع يجعلك تشعر وكأنك تسمع بهذه الاحداث لاول مرة.
تتحدث الرواية بضمير المتكلم وهو بطلتها فاطمة الشابة المناضلة المقعدة
ومن خلا ل الصفحات الأولى ترتسم معالم هامة لطريق الرواية القادمة. فها هي البطلة ومن
خلال خواطر متواردة تقدم نفسها مع خلفية عن القضية الوطنية منذ زمن بعيد، وعما يحيط بها
من أجواء واشخاص.
ثم تتوالى الاحداث مع بداية الاجتياح الذي وقع لنابلس سنة 2002 فتبدأ بحادث يمكن اعتباره رمزيا حيث بدأ بقطع الكهرباء وسيادة الظلام على المدينة، وتدفق مئات الدبابات والشاحنات
والجرافات عليها من كل الجهات.
لا بد من ذكر استعدادات شباب المقاومة للمواجهة، حيث كانوأ يستعدون بإقامة المتاريس
والتوزع في مجموعات مقاتلة، وكذلك زرع العبوات الناسفة الخفيفة، محلية الصنع.
وهنا يبرز دور القائد الوطني الشهيد "محمد العربي" الذي يشارك في السرد داخل الرواية
والذي كان حبيبا لفاطمة لكنه تزوج بأخرى نتيجة اعاقتها بتفاهم معها.
وتمضي الرواية بهذه الوتيرة المتسارعة، تسرع الاحداث التي تنقلها، فالقوات الغازية تتوغل،
تطوق الاماكن، تقتل، وتقوم باعتقالات، وتحطم الشوارع. تفعل كل ما يخطر ومالا يخطر بالبال.
والشعب في منازله مسكون بالمحنة القاسية، محنة الموت المتسارع، ومحنة انقطاع الكهرباء
ومحنة في كل شيء. وها هي المقاومة تحاول ان تفعل شيئا، تتصدى، يقاتل ابناءها الشجعان
ويتساقطون دون ان يرهبهم الموت، او يصدهم عن الفعل، واسلحتهم العبوات والرشاشات الخفيفة
وايمان ثقيل بروح الفداء.عشرات الاحداث الصغيرة في غابة الفعل الوطني تشكل لحمة الرواية
وسداها، وهناك لا بد من القول ان التصدي لكتابة عمل كهذا يحتاج الى شجاعة كبيرة للسيطرة
على القلم، وابقائه في دائرة الفعل الروائي دون الولوج الى عالم الشعر والغناء والحماسة، او البكاء
او أي شيء ينفلت من قريحة الانسان وهو في حالة تلبس لكتابة في هذا الصعيد الملغم بالعواطف الفتاكة.
لقد تناوب على السرد في الرواية بطلاها فاطمة ومحمد العربي وهذا شيء قد يبعث على التساؤل
في عالم التكنيك الكتابي لكن جزالة الاحداث وتدافعها ينسيان المتلقي هذه الاشياء الصغيرة.
ومما لفت نظري في هذه الرواية قصة الحب التي ربطت فاطمة بمحمد العربي وهو حب من
النوع العميق المؤثر، والبطلة حين غدت بدون قدمين تركت حبيبها ببساطة الثائر، ليتزوج باخرى
في ذات الوقت الذي حافظت فيه على روح المحبة والصداقة بينهما
انه لامر جديد في الادب العربي ان تنتهي قصة حب دون عرس او دموع وهذا انتماء لعالم واقعي
انساني يغلب المنطق والثقافة فيه على المشاعر الذاتية كما أن كون البطلة مقعدة بدون اقدام يستحق
الوقوف امامه فالفتاة رغم اعاقتها تتمتع بصحة جسدية ونفسية سليمة، وتتابع المعارك واخبارها
من خلال الجوال وكانها قائد المواجهة وهذا يذكرنا ببطلات الملاحم والروايات الحربية الخالدة.
هنا رمز مكثف لا تخطئه العين لحالة قضية حية لكنها عاجزة عن التقدم والفعل. وما نثر من
اراء للكاتبة في نقد اوسلو ونقد السلطة ونقد الكثير من المظاهر الفاسدة يجعل القاريء يذهب
بهذا الاتجاه. كذلك بالنسبة لمحمد العربي انه رمز ومكثف لوجود الاف من شباب الحركة الوطنية الذين
لم يقتنعوا بسياسات التفاوض والتنازل فلجأ وا الى المقاومة وفي حلوقهم مرارة الواقع الصعب.
وهم في الاغلب قادمون من قلب الانتفاضة الاولى التي كتب الشعب فيها قصة نضال شعبي
من اشرف القصص الوطني، لكن، لم يستغل بطريقة مرضية معقولة من قبل الساسة فانتهى
الى اوسلو اوإلى لا شيء. لقد راقبت من خلال العين المجردة معركة اجتياح نابلس وكنت ارى
الاحداث وما يرافقها خاصة في المنطقة الشرقية لكن حين قرأت الرواية أحسست انني ولاول مرة
التقي هكذا احداث.رواية المفاجآت استطيع ان اسمي هذه الرواية فليس فيها البناء الذي نعرفه
مقدمة وسط نهاية ولا التقسيمات المعروفة كالفصول والاجزاء ولكنها مع ذلك لا تشكو من اي
نقص فإذا كان الهدف من البناء الروائي على الاسس المذكورة هو شد القاريء، فاللغة والحدة والدقة
وصدق الحس الوطني داخلها قد منحها اتقادا يفوق المتوقع.
ان أي كاتب سيقوم بكتابة تاريخ هذه المرحلة لا بد له ان يطلع على هذا العمل وذلك لسبب بسيط
وهو انها تضم احداثا واقعية حدثت وموثقة ، فاسماء الشهداء والعمارات والمساكن التي دمرت والكثير
من الاحداث هي واقعية وليس فيها من الخيال الا السياق الذي وضعت به
لقد مزجت بين الحدث الواقعي والمتخيل بطريق تدعو إلى الأعجاب الذي يتسع حين
ندرك اننا امام كاتبة فتاة من المؤكد انها لم تعش كل التفاصيل المتوفرة بل سمعتها فاستخدمت
خيالها الخصب وقدرتها اللغوية في مزجها وتقديمها كعمل متكامل0
وهناك الحواشي التي التي استخدمتها الكاتبة في التعليق او لنقل تكثيف الصورة والحدث
قد زوقت الرواية كشكل فني بفسيفساء لائقة
صدرت الرواية في مدينة رام الله 2007 عن مركز اوغاريت للترجمة والنشر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا