الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تنسى

عاصم بدرالدين

2008 / 5 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


"لا تقلق في المشرق يُقتل الحصان وليس الخيَّال" ريمون إده.

لا يعنيني الحل نسبياً، لن أعلق على المؤتمرات الصحفية لكلا الطرفين. فالإثنين، يحفران في النار. وبرأيي الأهم والأخطر من كل هذا، هو المواطن اللبناني. كنا على مدار سنين ما بعد الحرب الأهلية، نتشدق ويتشدق أهلنا والساسة وعلماء الإجتماع والأنتربولوجيا والفلسفة والتأريخ، أن اللبنانيين قد تعلموا من تجاربهم، وإرتدعوا، وأدركوا أن السلاح أول من يقتل: يقتل نفسه. وأن الحروب مهما كبرت ومهما صغرت الخاسر الأول سيكون الناس بأعدادهم وأموالهم ونفوسهم. وأن الحرب لا رابح فيها، والكل، الكل دون إستثناء خاسر ومهزوم. كل هذا صار على مدار ثمانية عشرة سنة من أعمارنا، شعاراً حفظناه كأسماءنا لنتفاجأ اليوم أنه ساقط وباطل ولا أساس له وبلا قيمة.

السيدان نصرالله والحريري-ومن بعدهما-، وضعا خططاً للتسوية، قد ينجحا أو يفشلا هكذا يقول المنطق. وفي الحالين هناك خاسر والأغلب بل قل من المؤكد أنه خارج هذين القطبين. فمن يكون يا ترى؟ الحقيقة أنه أيضاً من خارج طبقة الزيف والإدعاء السياسية، هؤلاء لا يخسرون، بل يكبرون، لأن الطفيليات والجراثيم والأوبئة لا تنمو إلا في الخراب والنتانة وعليها. الخاسر يا شعبي، هو شعبي نفسه، هو أنت وأنا وهي وهو وكل هؤلاء الموتورين المنتشرين في الأزقة بشراسة بادية ومقنعة في آن واحد. لطالما سألت نفسي، كيف يمكن لإثنين تواجها في الحرب الأهلية أن يسكنا من بعدها إلى جانب بعضهما البعض ويتعايشا؟ فأستدرك أن المتقاتلين على الأغلب -وخصوصاً في حرب الــ1975- لم يكونوا متجاورين، وحتى لو كانوا كذلك، فالمدى الطويل للحرب وتواترها بين الإشتداد والبرودة والخفوت، قد جعل الذاكرة اللبنانية مرنة، بحيث كادوا ينسوا أحياناً أنهم تقاتلوا وتخاصموا قبل أن يستعيدوا الذكرى في المعركة التالية.

أما اليوم فكيف هي الحال؟ على الأرجح أن هذه المعركة لن تستمر طويلاً: يوم؟ أسبوع؟ إثنين؟ ثلاث؟ شهر؟ لا أعتقد أكثر، ومن بعدها تأتي التسوية لتحفظ ماء وجه الجميع، ولا مهزوم سوى واحد. كيف سيواجه الساكن في كورنيش المزرعة القاطن في برج أبي حيدر والطريق الجديدة؟ كيف سيلتقي أبناء بربور ببعضهم؟ ورأس النبع والمصيطبة؟ وكل الأحياء والشوارع التي تدور فيها المواجهات التخريبية؟ هناك مخرجين لهذه الإشكالية: إما العداوة الكاملة المطلقة وهذا يعني، فيما يعني، أن البلد لم يعد بلداً، وأن الحرب تبقى الغذاء والهدف الموحد لجميع الشرائح الإجتماعية أرادت ذلك أم لا، تالياً الموت المتكرر والتهاوي الأبدي نحو المجهول الأسود وإنعدام الأمان. والنتيجة الطبيعية لكل هذا تلاشي الإنسان ومفهومه(مفهوم الإنسانية) وفي الحالة هذه نكون أمام أزمة لا نهاية لها طبعاً. أما المخرج الثاني –وهو الأرجح- أن ينسى اللبنانيون، وهنا الكارثة. المشكلة ليست في فعل النسيان، فهو غالباً ما يكون جيداً وضرورياً وخصوصاً لسكان البلد الواحد بل يعتبره علماء النفس في بعض الأحيان أنه من أسباب السعادة. لست ضد نسيان التقاتل والتذابح والسير بإتجاه التصالح والتسامح. لا أبداً. لكن لنسأل المقاتل الذي قتل وقُتل: كيف ستنسى أولئك الذين إتهمتهم للتو بالعمالة والخيانة والتأمر عليك وعلى وجودك ورموزك ومحاولة إحتلالك ورفعت سلاحك في وجههم بغية قتلهم لأنهم حاولوا قتلك؟

من الغباء الوصول إلى النسيان، والأشد أن نذهب إليه بإرادتنا، فهذا غباء لبناني صرف. وهو إن يدل على شيء، يؤكد لنا أن اللبناني لا يزال عشائرياً بربرياً وضيع الذهنية والعقل، رغم أنه قد إرتدى قبل غيره من أبناء العرب ومنذ زمن بعيد "الجينز" وأكل "الهمبرغر" وركب "السيارة" وحكى "الإنجليزية والفرنسية.."!! المشكلة أن اللبناني يساق كعنزة، كقطيع والراعي يرشقه بالحجارة كي يتحرك ويمشي نحو المواجهة، ومن ثم يأتي الكلب -بتوجيهٍ من الراعي- كي يعيده إلى ما كان عليه من هدوء وسكينة. نحن الرعية وهم الرعاة وهذا الوطن إستحال إلى مرعى لنا جميعاً، نأكله، ونأكل فيه حتى ينتفي ويتبخر. التناسي لا يفيد في هذه الحالة وليس مصدراً للسعادة والهناء، بل العكس لأنه يؤكد إنحطاطنا وإستفحال غباءنا وجذرية تخلفنا وعمقه. يجب أن لا ننسى، ويجب أن ننتقم لذاتنا، يجب أن ندمر كل التسويات والإتفاقات والمؤامرات. يجب أن نقتل الكل والجميع، أولئك أصحاب الرؤوس تحديداً. يجب أن نتحرر من الرعاة والكلاب وأسلاك المرعى. يجب أن نسير في الفضاء لنبدع. يجب أن نتذكر كيف مُتنا، كيف قتلنا وقُتلنا، لكي نرتدع. يجب أن لا يبارحنا مشهد الدم المتدرج على الطريق وأجساد أبناءنا كي نخاف من الدم ورائحته. يجب أن نزرع في كل الشوارع، كلها دون إستثناء، صور الضحايا ونسقيها مطراً وملحاً رملاً من بحر بيروت كي تكبر وتكبر لنستغفر نفوسنا وأجسادنا في كل مرة نراهم معلقين، ونلعن السلاح الذي لا يقتل إلا نفسه، لا يقتل سوى حامله.. متى رفعه وأطلق النار.

ستنجلي قريباً فنفخ عليها. لا تخاف أيها اللبناني المقهور المقيد والمحتل المُستعمَر. لا تخاف. لن تموت في المدى المنظور، ستعيش وتعيش حتى النهاية وتنجب وتتكاثر. لن يخلص الشعب اللبناني، ستولد وتتعاقب أجيال وأجيال أخرى، ولن ينتهي لبنان المعجزة الكنعاني أو الفينيقي. منذ مئات السنين توقعوا بإستخفاف وقلة بصيرة موتك. عندما نال الزلزال من بيروت لم تمت. وعندما ضربت الحرب الأهلية الأولى الجبل-لبنان حينذاك- بصواعقها لم تمت. وفي كل الإجتياحات والإستعمارات والغزوات والمعارك المختلفة والمتعددة لم تمت. بقيت حياً ترزق والآن لن تموت. ستظل يا شعبي. وستبقى مثالاً يحتذى به للرعية الصالحة الوديعة المطيعة المنقادة حتى النهاية على وقع الأجراس. أي أجراس؟! تلك الأجراس المعلقة في رقبتك كالخراف السعيدة في الروابي والغريب أنها تبحث دوماً عن مصدر الصوت. فكن فرحاً. كن هادئً كي لا يشمت بنا الأخرون. وإذا أتاك الموت، على غفلة، لا تنسى أن تصفق سريعاً لهذا الخطيب أو ذاك.. كي تدخل الجنة!

والأهم، الأهم من كل هذا: كيف ستنسى بيروت –كحيز جغرافي وثقافي وسياسي، كمصدر للحرية- مشاهد إغتصابها على يد أبنائها-هكذا يدعون-؟
الإجابة على هذه الإشكالية، أعتقد، بل متأكد أنها لا تخضع للتسوية. ولن تنسى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظاهرة غريبة.. السماء تمطر أسماكا في #إيران #سوشال_سكاي


.. مع تصاعد الهجمات في البحر الأحمر.. تعرف على أبرز موانيه




.. جنود الاحتلال يحتجزون جثمان شهيد من المنزل المستهدف في طولكر


.. غارة إسرائيلية استهدفت منزلا بمنطقة الصفطاوي شمال غزة




.. قائمة طويلة من لاعبين بلا أندية مع اقتراب فترة الانتقالات ال