الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جلباب المستعمر

مصطفى العوزي

2008 / 5 / 13
العولمة وتطورات العالم المعاصر


عندما أشرف الجنرال ليوطي على إنهاء مهامه العسكرية و السياسية كمقيم عام فرنسي في بلدان شمال افرقيا التي كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي ، صرح في إحدى خطاباته الأخيرة أنه إذا ما كانت هناك مهمة نبيلة للاستعمار بغض النظر عن مساوئه فهي ما يقوم به الطبيب ، و كان يقصد بذلك الخدمات الطبية التي كانت تقدمها بعض المراكز الاستشفائية التي أقامها الاستعمار في بعض المدن داخل المستعمرات التابعة له، و كأن ليوطي احد المنظرين لمبدأ فرق تسود و سياسة الابتسامة ، شعر بوخز ضمير في أخر مراحل عمله كمثبت لركائز الاستعمار الفرنسي في شمال افرقيا ، و كان مدركا لحجم الأضرار المادية و المعنوية التي ألحقها الاستعمار بشعوب المستعمرات ، مما جعله يحاول إيجاد مبرر شرعي للتواجد الاستعماري في هذه المناطق ، و بالتالي يكون ليوطي واحد من المنظرين الاستعمارين الذين سقطوا في فخ الاستعمار النافع و الواجب من أجل تحضير الشعوب البدائية كما يحلوا للمركزية الأروبية أن تنادي هذه الشعوب ، غير أن الشيء الذي ربما لم ينتبه إليه ليوطي أو حاول غض الطرف عليه هو أن معظم إن لم نقول جل المراكز الاستشفائية التي أقامها المستعمر كانت عسكرية تسييرا و إشرافا و طاقما ، و عليه لن يكون الأمر إلا خدمة طبية موجهة في الأساس إلى جنود فرنسا و ليس كما زعم ليوطي ( خدمة نبيلة للشعوب البدائية ) ، هذا الطرح يوافق عليه العالم دافيد أرنولد في مقالته المرض و الطب و الامبريالية الصادرة في كتاب ضمن سلسلة عالم المعرفة حينما يقول أن الطب الاستعماري كان موجها في الأساس إلى الجنود و موظفي الاستعمار ، لكن حينما اكتشف الاستعمار أن صحة جنوده تبدأ من صحة السكان المحيطين بهم فانه أولى اهتماما إلى سكان المستعمرات من الناحية الطبية ، و بعد مرور سنوات عديدة يأتي الرئيس الأميركي جورج بوش ليتبنى طرح ليوطي و إن كان بشكل مختلف عنه في الشكل و ليس في الجوهر ، و ذلك عندما يزعم أن دخول الاحتلال الأميركي للعراق لم يكون إلا من أجل نزع أسلحة الدمار الشامل رغبة منه في الحفاظ على السلام في العالم و ضمان الاستقرار لشعوب العالم ، كما انه سيعمل على تحرير الشعب العراقي من الحكم الدكتاتوري الذي خضع له لسنوات ، غير انه و بحكم الغفلة التي وقع فيها أبو هذا الطرح (ليوطي ) فان بوش بدوره سيكون من ضحايا الفخ و ذلك عندما اثبت سنوات الاحتلال العراقي أن لاشيء من الأهداف المزعومة تحققت ، و لم يكون الهدف سوى الحصول على الذهب الأسود العراقي ، و ضمان الأمن للوطن المزعوم إسرائيل ، قد يصرح بوش في وقت ما من الأوقات عندما سيتعرض لوخز ضمير كالذي تعرض لها ليوطي ، بان الهدف من احتلال العراق كان هو شيء ما سيعثر عليه بوش لا محالة ، لكن إلى حين حدوث ذلك ، تبقى هناك مسألة مهمة هو أن الاستعمار كيفما كان نوعه و بغض النظر عما سيقدمه فانه في نهاية المطاف لا يعدوا أن يكون مسخا للهوية الوطنية ، و هذا ما تثبته حالة دول عديدة خلعت جلباب وطنيتها و لبست جلباب المستعمر القادم من الشمال ، و لم تخلعه رغما غروبه عنها ، و ليس وطننا المغرب في استثناء عن ذلك ، و إذا ما طلب منا إعطاء مثل على هذا ، فلنقل خذوا اللغة مثلا و نظروا و سمعوا رحمكم الله .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ


.. مسيرة تجوب شوارع العاصمة البريطانية لندن تطالب بوقف بيع الأس




.. تشييع جثمان مقاوم فلسطيني قتل في غارة إسرائيلية على مخيم جني


.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش




.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا