الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موسيقى في البيوت العتيقة.. عندما يحن الخشب إلى الغابة

عبدالوهاب عزاوي

2008 / 5 / 13
الادب والفن



أقيمت أمسية موسيقية في 20/3/2008 على مسرح التياترو لفنون الأداء وهو بيتٌ من بيوت دمشق القديمة بمشاركة كل من نعمى عمران غناءً ومحمد عثمان على البزق، وللأسف تغيّب عن العرض عازف الإيقاع الإيرانيBIJAN CHEMIRANI، ومن اللافت استثمار فضاء المسرح باعتباره فناءً لمنزلٍ دمشقي قديم يملك وحده شحنةً حسيةً تتسرب بين أرواح المشاهدين، وكما تقول الفنانة مي سكاف أثناء تقديم الحفل "خشب التياترو العتيق يحن للغابة عند سماع نعمى عمران ومحمد عثمان "، ويتدخل في جمال المشهد التوازن اللوني المفتوح ما بين الأحمر و البرتقالي والأزرق، عوالمُ يقدمها اللون لتكون مدخلاً لطقس الموسيقى والغناء المقدس.

عمق الصوت الإنساني
قدمت نعمى عمران عدداً من المقطوعات الغنائية بلغاتٍ قديمة، ليصبح التركيز بالنسبة لنا كمتلقين في استثمار طاقات الصوت البشري باعتباره أقدم آلة موسيقية محملةٍ بطاقةٍ تعبيرية مدهشة بغض النظر عن اللغة القديمة التي تنطقها، صوتٌ عميقٌ وساحرٌ، له القدرة على العدوى، على نقل هذا الحنين والجنون والإيمان لثوانٍ قليلة بإمكانية هز بوابات العالم وفتحها، هذا الإيمان المدهش، والذي يستحق أن يغامر المرء من أجله أحياناً بالكثير، ورغم اليأس الذي يلي الحقيقة، يبقى صوت نعمى قادراً على النهوض بالروح، هذا ما يجتاح المرء عند سماعها ليتحقق ذلك الإحساس النادر بغياب الجميع حولك لتبقى روحك عارية أمام فضاءٍٍ يملؤها، فضاءٍ يتجاوز المكان نحو أرضٍ رعويةٍ، أرضٍ للشجن، فلدى نعمى قدرة هائلة على الاختراق والدخول إلى المناطق العميقة من الروح عبر عملها على ذلك الموروث التراجيدي الهائل القابع في اللاوعي، أنينٌ يشبه الصلاة أو التمرد، صراخٌ ثائرٌ يليه فرحٌ مجنون عبر قدرات عالية على توظيف الصوت البشري، والأهم هنا هو مقاطع السوبرانو التي تؤديها ضمن العمل والتي تنقل فن الأوبرا إلى العالم الداخلي لكلٍ منا ضمن تجانسٍ مع موروثنا الحسي، ولعل هذا جزءٌ من مشروع نعمى وهي خريجة من المعهد العالي للموسيقى 1997 (اختصاص غناء أوبرا)، والتي سبق لها أن شاركت في العديد من الأعمال في هذا المجال ولعل الأبرز منها هو عمل مسرحي موسيقي يجمع بين نصوص لأدونيس والحلاج.

البزق ..أوركسترا صغيرة
قدم محمد عثمان (وهو خريج من المعهد العالي2000 للموسيقى وأستاذ فيه قبل أن يتابع دراسته في فرنسا2003) عدداً من المقطوعات عزفاً منفرداً، الأولى من تأليفه اعتماداً على ثيمة موسيقية لمحمود عبدالكريم، والثانية سماعي تركي لمسعود جميل، والثالثة مقطوعة فلامنكو غجرية مع ارتجالات فيها الكثير من التراث الكردي، ومن اللافت في هذه الأمسية أنه استطاع أن يقدم إحدى مقطوعات كورساكوف وهي مقطوعة أوبرالية أوركسترالية آلتها الأساسية هي البيانو والتي استطاع تحويلها للبزق ليقوم وحده مقام الأوركسترا، ويقول محمد عثمان حول هذه النقطة: "إن مشروعه الشخصي متوجه للعمل على طاقات البزق كآلة وتطويرها واستثمار إمكاناتها إلى الحدود القصوى مع التأكيد على أنها قادرة على أداء أي نمط موسيقي والأمر يحتاج للتدريب"، ومن الجدير بالذكر أن محمد يعزف على العود وقد سبق له أن أخذ جائزتين فيها مقابل جائزة واحدة أخذها في آلة البزق.

أهمية الاختلاف
أول فكرة داهمتني بعد خروجي من التياترو هي أهمية التنوع الذي تملكه سورية، فهذه الحفلة على سبيل المثال فيها الكثير من موروث الحضارات القديمة بلغاتها القديمة وفيها عازفٌ كردي استطاع أن يدمج تراثه مع التراث الإنساني، وعندما تسير خارجاً على بعد مئات الأمتار ترى احتفالاتٍ للمسلمين بالمولد النبوي وللمسيحين في باب توما بعيد الفصح، مع تنوع طرق الاحتفال وأشكالها، والمهم هنا هو هذا المزيج الحضاري الذي يمنحك القدرة على اكتشاف ألوان الحياة وغناها أمام رعب اللون الواحد والثقافة الواحدة التي تقصي كل ما يختلف عنها.
عبدالوهاب عزاوي
شاعر وطبيب سوري

عن جريدة أوان الكويتية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة