الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وأيضاً سمير قصير؟

عاصم بدرالدين

2008 / 5 / 13
كتابات ساخرة


يستطيع حزب الله فعل كل شيء، وهو يفعل. أن يستبيح كل شيء، وهو يستبيح. أن يحتل ما يشاء، وهو يحتل. أن يكذب فيما يشاء، وهو يكذب. لكن أن تصل به الدناءة حد التطاول على "الأموات" فهذا أمر مستغرب ومثير! نحن لا نقدس الموتى، لكن هناك فرق جلي، بين السخرية والتسخيف من جهة والنقد والجدل من جهة أخرى. فقناة المنار التابعة لحزب الخمينيين في لبنان، لا تنفك يومياً عن بث القرف الإنشائي المقاوم، ولا تمتنع البتة، بإسم أي إله تؤمن به-أو ولي فقيه؟-، عن الكذب والتطاول وخلق البدع أو تبنيها.
ما معنى أن يموت رجل بقامة سمير قصير بتهمة إقامة علاقة غرامية؟ كيف يمكن لمفكر مثله أن ينتهي بسبب علاقة جنسية مع إمرأة عابرة؟ أين الفكر؟ أين المقال؟ أين الأفكار والمواقف والكتب؟ كيف يمكن لمرئية تتمتع -على ما يقولون- بنسبة مشاهدة مرتفعة في لبنان والعالم ومصداقية عالية(!!)، أن تتبنى خبراً كهذا؟ والأغلب أنه صنيعة المخيلة الممانعة. يقول الخبر أن لجنة سيرج براميرتس الدولية المكلفة التحقيق في جرائم الإغتيال في لبنان إكتشفت أن السيد وليد جنبلاط (النائب ورئيس كتلة اللقاء الديمقراطي النيابية) هو من طالب -ونفذ لاحقاً- بتصفية المفكر سمير قصير، بسبب إقامة الأخير علاقة عاطفية مع إمرأة تمت بصلة للسيد جنبلاط!

من يعرف مسلك حزب الله وعقيدته الدينية، لا يستغرب مستعجباً ما يُدلي به. فهذا الإستخفاف بقيمة الإنسان، حياً كان أم ميت، هو سلسلة متتابعة متعاقبة من سياسة الموت والتحقير الدنيوي والإنساني. فحزب الله وجماعته ومناصريه ومناضليه ومنظريه، يزدرون الحياة ومفاسدها وصورها ومشاهدها وحيويتها، وهم بالألوف المؤلفة مستعدين لركب موجة الموت أو كما يسمونها: الشهادة حتى أنها تستحيل إلى غاية قصوى وهدف نهائي لأي منهم. فلا رادع لهم، لأنهم بلا قيمة. بلغة أخرى: لا قيمة لحياتهم المادية خارج الموضع الميتافيزيقي الغيبي الذي يعبدون.

لكن المستغرب والمدهش هنا أن هذا التبني (أي تبني الخبر)، يصدر عن فئة تقدس الشهادة والشهداء، وتعتبرهم "قادة الأمة" إلا –وحسبي هذه هي الحقيقة- إذا كان الشخص المُستهدف –سمير قصير- من هذه الحملة، لا يندرج في قائمة الشهداء بمعناها الديني الصرف المعتمد من قبل الإلهيين. في المقابل وللأسف إن مخترع الخبر وكاتبه وناشره في كل المواقع الإلكترونية والوسائل الإعلامية، لم يقرأ يوماً سمير قصير. وتجاهل نضاله بشيء من السذاجة والكثير من الحماقة، كذا تجاهله للصراع الدائر حينها في لبنان، وحصر سبب قتله بعلاقة معينة تخصه وحده كفرد في مجتمع، لا بما كان يكتبه ويخطه ضد أنظمة القتل والخرس والإرهاب.
قد لا تكون سوريا هي القاتل، وهذا تفصيل صغير -يصير هكذا- أمام هذه الجريمة التشويهية الخطيرة بحق هذا المناضل اليساري الديمقراطي. قد تكون أميركا هي من أمر بقتله ونفذت عبر إحدى مجموعاتها، لكن هل قتلته لعلاقة ما؟ أم لموقفه من القضايا والأحداث، ولفكره؟ هل يوجد إهانة وتشهير أكثر إسفافاً من هذا السؤال؟

نسيَّ كاتب الخبر، وناشره، وموزعه. نسوا جميعاً، قيم الإنسانية والحرية والديمقراطية والعلمانية التنويرية والمواطنة، التي كان يدافع عنها سمير قصير في كتباته ونصوصه. وهذا الدفاع الحضاري الحر السلمي والمدني عن هذه المبادئ، كافي حقاً ليودي بالشخص-المناضل إلى حتفه في العالم العربي، المليء بالعسف الشمولي الكلي الأحادي: نظماً وأحزاباً سياسية. وحزب الله الإيراني-اللبناني المشترك (إذا صح التعبير قولاً.. وهو يصلح في المعنى على الأقل) مثال على هذه الجموع المتسلطة.

حزب الله، الآن، لا حدود لإفتراءه.. ولا مدى. الشلة الإعلامية المرافقة لعمله، وهي حربية مُقاتلة، لا تتوانى عن النفاق والإدعاء. بل هي أصلاً مولجة القيام بهما. فهذه الجماعة قائمة أساساً على الإدعاء والتلفيق والتحريض والتخويف والتخوين كي تسيطر إلى أبد الآبدين على أتباعها ومريديها. هؤلاء الفاشيون الإلهيون يسيرون بنا إلى المجهول. إلى النموذج الإيراني –المشابه للسعودي بتخلفه-، والذي ينتمي إليه إيديولوجياً ومالياً وسياسياً حزب الله. إذذاك نحن أمام خطر سيادة القمع المستبد المترافق مع قطع الكلمات والألسن من جهة. ومن ناحية أخرى الثقافة الإسلامية حيث البتر والخنق هو العقاب الأبسط والأخف للمعارض أو صاحب الرأي الأخر، فضلاً عن نزعتيّ التخوين والتكفير. وكل من يسعى منا إلى السير بإتجاه النهضة والتنوير أمثال سمير قصير، يقتل.. ويقتل بعد أن يقتل.. ويظل يقتل، حتى الساعة.

ولا ريب أن هناك صلة وثيقة، بين ما تتعرض له بيروت اليوم، وبين ما يساق لمؤرخها. فهذه جدلية. إنها هدفية واضحة المعالم: تدمير الثقافة الحرة ببساطة. وهذا يعني، فيما يعني، تخريب الحيز المكاني-الجغرافي المشع بالحرية والذي تمثله بيروت. وقتل الحيز الإنساني الفكري، الذي يمثله في الحالة هذه سمير قصير.

فإلى سمير قصير.. تحية.
إلى قمرٍ كتب بالحبر والدم ربيع بيروت.. وسطر بالحرية والجرأة والرأي مجداً لمدينة بلا تاريخ.. فكان حلماً وحقيقة نرفض تلاشيهما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس


.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد




.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا