الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة بن سباهي ....الجزء التاسع عشر

عبد الرزاق حرج

2008 / 5 / 13
سيرة ذاتية


وهل للماء ذاكرة ؟ هو ذاكرتي أو بعضا منها. ذاكرة جيلي الذي ينقرض الآن داخل البشاعة والسرعة المذهلة والصمت المطبق, ذنبه الوحيد أنه تعلم, وتيقن أنه لابديل عن النور سوى النور في زمن قاتم نزلت ظلمته على الصدور لتستأصل الذاكرة قبل أن تطمس العيون....واسيني الآعرج ..روائي جزائري..

تختفي ألوان الفجر وتظهر قوة الشمس من خلف المباني العالية والمنخفضة والبيوت النائمة وعلى أسفلت الشوارع ووجوه الناس وجسدي الذي ألامس تنفسه وحرارته سار على ممر ضيق يفصل غرف متقابلة دخل الى غرفة مكتبة الحزب في محلية كركوك .. يخيم بتلك المكتبة صمت مضطرب ..رفوف خشبية تخزن الكتب المرصوصة بعناية ..كتب تعج على الرفوف بالمتناقضات ..تشم رائحة العنف وتاريخه في تلك الرفوف ..ووجه المروحة تئز بأجنحتها الصفراء ..مناضد تحتها كراسي تتوسط الغرفة ..جلس على الكراسي المعدنية ثلاث أشخاص ..شخصين متقاربين ..يلبسوا ملابس صيفية متكونة من قطعتين ..قميص وبنطال ..وأمامهم كتب عناوينها مسترخية على المناضد ..أما الشخص الثالث ..كانت أمرأة بفستان شفاف وردي ويدها الطويلة ترفع خصلات شعرها عن عينيها أثناء القراءة ..سلمت على مسؤول المكتبة بخجل ..كان جسده القصير والسمين مطوي بسروال كلون أجنحة العصافير وطوق قماشي يلتاف وسطه,, لايتكيف مع الصمت ,,جبهت رأسه الآمامية منزوعة من الشعر وعيناه العسلية منتبهة ولامعة وكسرات وجهه كلون العجين الطازج أو المهيأ الى التنور.. أجابني بتحية لاتعرف الهدنه..قال لي ..أتفزل كاكه ..قلت بوجه كتمثال فقد طلائه اللحمي من صفعات الهواء والحرارة ..هل من الممكن أن أستعير كتاب ..قال لي ..شوف كاكه ..أكو كتب محجوزة الآن ..بس ممكن أن تأخذ ..مجلات أو صحف أو حتى الكتب الغير محجوزة ..كان يكلمني وهو واقف وطويات من شرواله مصفوفة ومنحدرة بمؤخرته المتفوخه كبالون الآطفال من أكثار الحركة على الكرسي..أقتربت من حقول الرفوف وعيناي تقلب وتتحرك يمينا وشمالا ..وجوه لينين وماركس وأنجلس على كتبهم العنفية ..مؤتمرات الحزب الشيوعي العراقي والكردي ..كتب هادي العلوي ..وحنا بطاطا ..كراريس فهد ..مذكرات قواد الحزب ..والتي لا أفهم منها شئ غير أنهم فرسان الشيوعية ..مجلات النهج والثقافة الجديدة والرسالة العراقية ومجلة الآقلام وأفاق عربية والطريق اللبنانية وصحف المعارضة العراقية ..أسلامية ويسارية وقومية وكردية وصحف نظام صدام حسين وصحف عربية ..كتب تاريخية وفكرية وأدبية ..كتب حسن العلوي ..كتيب أسمه الشبيه ..حول أبن الرئيس ..عدي ..كتب هاني الفكيكي ..كتب سعد البزاز ..مذكرات وزير الدفاع المستقيل في الحكومة الفرنسية ..مذكرات جنرلات وقواد أمريكان ..كتاب عامر عبد الله ..تقويض الآشتراكية ..مذكرات جيفارا ..كتب مهدي العامل الفكرية ومؤلفات حسين مروة والطيب تزيني وعبد الله العروي وحسام الآلوسي ومحمد الجابري في التاريخ الآسلامي الفلسفي ومقدمة أبن خلدون التاريخية..روايات عربية وأجنبية من دار الفرابي ..والساقية والمدى والعربية..
أشعار ناظم حكمت ..روايات حنا مينا ..الآدب الروسي ..أشعار وكتابات أحمد خان مم وزين ..كتب ..د ..عزالدين رسول ..أشعار عبد الله كوران ..روايات عبد الرحمن منيف ..أعمال مكسيم غوركي..روايات جنكيز أتماتوف ..مذكرات بابلو نيرودا ..أشعار رسول حمزاتوف ..رواية المسيح يصلب من جديد ..لنيكوس كازانتزكيس ..روايات غائب طعمه فرمان ..قصص وروايات فؤاد التكرلي ..أشعار فوزي كريم ..أطروحة ..عبد اللطيف الراوي عن الآدب الآشتراكي في العراق ..الآعمال الكاملة للشاعر سعدي يوسف..أشعار عريان السيد خلف ورشدي العامل..قصص القاص محمد خضير ,,مسرحيات جليل القيسي ..قصص عزيز نسين الفكاهية ..روايات يشار كمال..أعمال ..ماركيز وجورج أمادو ..وأراغون وبول أيلوار..وسيمون دي بوفوار..
كتب أقتصادية وفلسفية وأجتماعية .. تناولت يدي من أحد الحقول الفكرية ..كتاب ذهنية التحريم للدكتور العظم ..الجزء الثاني ..أبتعدت بعض الخطوات عن كرسي المرأة العشرينية ..قدمت الكتاب الى مسؤول المكتبة ..قال لي ..بعيون فضولية وخلقته كرجل يسير بجنازه ..كاكه ..هازه ..محجوز ..ووضع الكتاب أمامه ..كنت أنظر أليه بصمت التعجب ..رجعت الى حقل الآدب ورطوبة أبطي تحز قميصي البصلي من توهج حرارة الغرفة..والشخصان الجالسان يقرأون ويثرثرون بصوت غير مسموع ..والفتاة العشرينية تلاعب ساقيها المنفرجة بكثرة وهي تقرأ ..سيطرت أصابعي على رواية الغريب ..لكن عيناي قرأت أسم رواية بجانب رواية كامو ..الحرية أو الموت ..لنيكوس كازنتزكيس ..أخذت الكتابين ..ووصلت قرب صاحب المكتبة ..وضعتها بحذر أمامه ..قال لي ..وعيناه العسلية تختزن العنف الفطري ..ها ..زين ..كاكه ..تكدر تقرأ ..هازا ..الكتب ..قلت له ..كاكه ..ممكن أقرأ ..الكتب خارج المكتبة ..قال لي ..بصوت مسموع بالرغم المتعارف عليه بالمكتبات .. الهدوء والآقتصاد بالكلام ..لا .. ممنوع يطلع بره أي كتاب ..لازم أنتي تقرأ أهنا....أحتفظت بتوازني أمام جموحه المتسلط ..كان خشنا معي ولم يوازن كلماته بمشاعر لطيفة بدون حياء ..جلست على أحد الكراسي ..تصفحت رواية ..الحرية أو الموت ..تذكرت هذا المفكر والروائي المعتكف ..بمنتصف السبعينات كان الجدل قائم حول روايته ..(الآخوة الآعداء) في الصحف الثقافية.كانت الرواية تتحدث عن الصراع المسلح بين اليسار واليمين ..كان ذكاء الروائي بوصف مشاعر أحد المقاتلين من الطرف اليميني عندما قتل ..كانت رسالة في جيبه عثر عليها أحد مقاتلي اليسار,, تفصح عن مشاعره عن الحرب والصراع وفراق حبيبته وخوفه من الموت وأشياء كثيرة تدين لعبة اليسار واليمين ..أتذكر أعتبرت هذه الرواية هي أنحياز الى الطرف الفاشي من قبل ادب الواقعية الآشتراكية ..أدب الآلتزام بحرفية مدرسة جدانوف العصماء..طبعا ..كنت أنذاك في صف الآدب الواقعي الآشتراكي ..ملما بأدب الحرب وروايات وأشعار وسينما والتشكيل الفني للسوفيت وأدباء ومفكرين النخبة الواقعية الاشتراكية ..كان لي بمثابت معتقد أخلاقي !!..كانت تدار أنذاك حلقات جدل حول الآداب العالمية في البارات والنوادي الثقافية وأتحاد الآدباء والبيوت ..كان أدباء الحزب المتعسكر بزوايا عقلهم ألآدب الآشتراكي..يضعون أدب سارتر وكامو وهريمان هيسه وميشيل فوكو ورولان بارت وجاك بريفير وجويس وكولن ولسن وفرانز كافكا وغارودي وفيشر وماركوز وهنري ميلر وجاك لندن وحسين مردان ومايكوفسكي واَنا رحماتوف ودستوفسكي ونيتشه وفرويد وأحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف والبرتو مورافيا وسلفادور دالي وفاضل العزاوي وعبد الملك نوري وذنون أيوب وغوغول وبوشكين والسياب وصلاح خالص ووليم فوكنر ..في صف الآدب المعادي لمدرسة جدانوف ..يطلقون على أدب زولا ..وستاندل ..بالواقعية الطبيعية ..كان أكثر النقاد مختصا بفرزهم بمدارس أدبية ..الناقد ..مؤيد الطلال ..كان يفرز بين كامو وسارتر بالوجودية والعدم ..وحتى دستوفسكي يحاكم عبقريته ..يصفه بالآدب الآنهزامي ..كان النقاد ..يصفون أدب ميلر ومورافيا ..أدب مبتذل ..وظهرت تسميات ومدارس كثيرة ..منها ..الدادائية والسريالية والرمزية والواقعية والواقعية الطبيعية والنقدية والآشتراكية ..كنت أعثر على هذه المدارس في كتب عبد الواحد لؤلؤة ..وعبد المسيح ثروت ..ومجلات الآداب البيروتية ومجلة شعراللبنانية ومواقف السورية والكاتب المصري والثقافة والآقلام العراقية ..تعرفت على أصدقاء سراق الكتب في مقاهي أم كلثوم وحسن عجمي والبرازيلية وبارات أبي نؤاس ..القصر الفضي والشاطئ الجميل وسرجون وشريف حداد في الصالحية..كانوا شعراء وأدباء ومسرحيون..يسرقون كتب مكتبات النهضة والعالمية والبعث والمثنى في بداية شارع السعدون ..ومكتبات شارع الرشيد وباب المعظم ..صباحا في الجمعة ..يبيعون الكتب المسروقة في شارع المتنبي ..يتساومون معهم أصحاب المكتبات الخلفية بأسعار يسد رمق الشرب والجوع بذلك اليوم ..كان سلوكهم متأثرا بشخصيات الآدب المتمرد والوجودي ..يعشقوا ..ميرسو ..بطل رواية الغريب وشخصيات بيتر فايس وشكسبير ولوركا ويغنوا أشعار السياب وصلاح عبد الصبور وجان كوكتو ويمثلوا شخصيات تشيخوف المسرحية ..لكن ماتوا في الحروب والمعتقلات والمنافي كثيرا منهم .....رفعت رأسي المزدحم في الذكريات الموجعة على حركات اقدام الفتاة العشرينة ..ظلت تحرك كاحليها ..واحد فوق الآخر وتختلس نظرات سريعة أتجاهي..كنت أتحسس لهيب جسدها وحلمة نهديها ودوران عينيها ولبطات لسانها يبلل زوايا فمها الصغير ..وصدرها يفور بالامتلاء ..وأنا بين أشتعال الذاكرة وموت كثيرا من أصدقاء جيلي وكذب مسؤول المكتبة بحجز الكتب وألتفاتات الفتاة السريعة بعيون مشعه على أي حركة داخل المكتبة ..أنتبهت على رعيد ماَذن أو قبب الجوامع المدفونة في الآحياء الشعبية والشوارع الرئيسية..نهضت من مكاني وشكرت المسؤول ..بعد تسليم الكتب ...خرجت من المكتبة ..شاهدت بالممرالذهان وزوجته .. يدخلوا الى غرفة مسؤول المحلية ..أتجهت الى تناول الطعام بالصيوان ...يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فولفو تطلق سيارتها الكهربائية اي اكس 30 الجديدة | عالم السرع


.. مصر ..خشية من عملية في رفح وتوسط من أجل هدنة محتملة • فرانس




.. مظاهرات أمام مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية تطالب الحكومة بإتم


.. رصيف بحري لإيصال المساعدات لسكان قطاع غزة | #غرفة_الأخبار




.. استشهاد عائلة كاملة في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي الس