الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نازك الملائكة (1923- 2007م ) .. حين غفا بالموت عصر الرائدات

محمد شادي كسكين

2008 / 5 / 13
الادب والفن



ولدت نازك الملائكة في بغداد عام 1923م في بيت شعر وأدب‘ ونشأت في رعاية أمها الشاعرة سلمى عبد الرزاق – وأتاحت لها هذه النشأة مالم يتح لغيرها‘
أكملت دراستها الثانوية وتخرجت من دار المعلمين عام1944م ثم انتقلت إلى الولايات المتحد الأمريكية للإستزادة من آداب اللغة الإنكليزية عام1950م-إضافة إلى آداب اللغة العربية التي أجزيت فيها – ثم الماجستير في الأدب المقارن من جامعة " وسكونسن أميركا"0
نازك الملائكة شاعرة كبيرة ‘ ورائدة مجددة طليعية في تكنيك الشعر الحر- يتصف شعرها بالحساسية المفرطة وبالألم الحاد00
في عام 1947م صدر ديوانها الأول " عاشقة الليل" وفي تلك السنة بدأ الشعر الحر- بقصيدتها " الكوليرا" – الذي تنازعت ريادته مع الشاعر بدر شاكر السياب
أحبت نازك أن تعيش‘ وأن تحيا‘ وأن تحب000 لكن الحياة لم تأتها كما تشتهي00
في عام 1949م ظهر ديوانها الثاني " شظايا ورماد" الذي دعت فيه للشعر الحر‘ ويتوجس قارىء مقدمة هذا الديوان أن عاصفة حقيقية بدأت تهب على بحيرة الشعر العربي الراكدة00ورغم اقتناعها أن بدر شاكر السياب وغيره قد اقتربوا كثيرا من نظم مثل هذه القصائد الحرة00فإنها كانت تعتبر " محاولاتهم" مجرد " ارهاصات " تتنبأ بظهور حركة الشعر الحر000
" ولأولئك الشعراء دورهم الذي نعترف به أجمل الإعتراف ‘ فإنهم كانوا مرهفين فاهتدوا إلى أسلوب الشعر الحر عرضا- وإن كانوا لم يشخصوا أهمية ما طلعوا به‘ ولاهم صمدوا واستمروا ينظمونه‘ ولعل العصر نفسه لم يكن مهيأ لتقبل الشكل الجديد آنذاك –ولذلك جرف الزمن ما صنعوا‘ وإنطفأت الشعلة فلم تلتهب حتى صدور ديواني " شظايا ورماد" عام1949م وفيه دعوتي الواضحة إلى الشعر الحر"0
لم تكن قصيدة " الكوليرا" هي القصيدة الأولى‘ أما قصيدتها الأولى " مأساة الحياة" فقد نظمتها عام 1945م ‘ وهي قصيدة مطولة في ألف ومائتي بيت من الشعر ‘ ويدور موضوعها حول الموت والحياة وما وراءهما من أسرار00
ويظهر في " مأساة الحياة" التشاؤم والإحساس بألم الحياة00والفشل الذريع في التوصل إلى السعادة!!
وتكمل نازك قصيدتها بفكرة " أغنية الإنسان" حيث تحصل على السعادة في نهاية المطاف00
استغرقت هذه المطولة عشرين عاما من النظم واعادة النظم لتنشر عام 1970م أي منذ العام1945م إلى1970م00يقول الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين:
" تحاول نازك أن تخرج من شرنقة الموت إلى نبض من الأمل00لكن هذا النبض يبقى خافتا ومستورا كنار خفيفة تحت رماد كثيف‘ فالبحث المضني عن السعادة في جميع المطارح والأمكنة يبقى بمنزلة تلويحة في الفراغ""إن ألفا ومائتي بيت من البحر الخفيف التي تؤلف الديوان بقسميه و في مراحله الثلاث تنسرح كنهر رتيب موحش في مجرى موحش في أرض موحشة‘ ولا من جنة ولو صغيرة على امتداد هذا النهر- لالدى الأغنياء ولا الفقراء‘ ولا لدى الرهبان ولا الشريرين‘ ولا في الطبيعة حيث دائما يأكل الذئب الراعي والحمل‘ ولالدى الشعراء ولا العشاق
ولا لدى العقلاء ولا المجانين"0
" وخطاهم كأن وقع صداها جرس الموت رن ملء الفضاء
منشــــــــدا للحياة أغنية الفو ضى ولحن الجنائز الســــوداء
وهم يســــــحبون أقدامهم فو ق تراب المـــــــلال والبغضاء
ومآقيهم الرماديـــــــــة الجد باء فبر الجمال والإيحـــــــاء"
تقول نازك الملائكة: إننا ما زلنا أسرى تسيرنا القواعد التي وضعها أسلافنا في الجاهلية وصدر الإسلام‘ ما زلنا نلهث في قصائدنا ونجر عواطفنا المقيدة في سلاسل الأوزان القديمة وقرقعة الألفاظ الميتة‘ وكأن الشعر لا يستطيع أن يكون شعرا إن خرجت تفعيلاته على طريقة الخليل"" إن اللغة إن لم تركض مع الحياة ماتت‘ والعربية ابتليت بأجيال من الذين يجيدون التحنيط وصنع التماثيل‘ دون أن يدركوا أن شاعرا واحدا قد يصنع للغة ما لايصنعه ألف لغوي ونحوي مجتمعين‘ فالألفاظ تصدأوتتحول وتحتاج إلى استبدال"0
أما القافية الموحدة فهي " تضفي على القصيدة لونا رتيبا يمل السامع فضلا عما يثير في نفسه من شعور بتكلف الشاعر وتصيده للقافية00إلى أن يقع أسيرا لطغيان هذه الآلهة الغرورة"0
" ويراك الليل تمشي عائدا
في يديك الخيط‘ والرعشة‘ والعرق
المدوي
"إنها ماتت" وتمضي شاردا
عابثا بالخيط تطويه وتلوي
حول إبهامك أخراه‘ فلا شيء سواه‘
كل ما أبقى لك الحب العميق
هو هذا الخيط واللفظ الصفيق
لفظ " ماتت" وانطوى كل هتاف
ماعداه" - الخيط المشدود في شجرة السرو- شظايا ورماد –
يقول الباحث اللبناني جهاد فاضل: " في قيثارة نازك الملائكة وتر لايوقع إلا أنغاما حزينة تبعث الشجى في النفس‘ وتشف عن نفسية تتضح بالكآبة والقلق‘ وعن نظرات قاتمة متشائمة لا ترى من الوجود إلا جانبه الأسود‘ من أجل ذلك دعاها بعض دارسيها" الموجة القلقة" في الشعر العربي الحديث انطلاقا من اسم أحد دواوينها " قرارة الموجة"‘ والمعروف أنها عانت قضية الشك والإيمان في بعض مراحل حياتها ‘ وجاست أودية الإنكار والعصيان قبل أن تصل إلى حال الإيمان والنعمة‘ ويجد القارىء في مسيرتها كما في شعرها ملامح وتجليات إنسانة أصيلة تمثل وقفة الشرف الصادرة عن نظافة القلب ووضوح الرؤية التي لاتعرف التردد أو الحذروالمساومة‘ فبالصدق وحده دخلت إلى الميدان واقتحمته بضمير نقي صاف لايعرف المخاتلة والنفاق"0
" مليكي ‘ طالت الرحلة ‘ طالت‘ وانقضت أحقاب
وبين عوالم مقفلة أبحرت‘ أسال ‘ أسال الأبواب
حملت معي جراح الفدائيين
وطعم الموت في أيلول‘ طعم الطين
حملت معي هموم القدس ‘ يا ملكي وجرح
( جنين)
وليلا شاهق الأسوار لاينجاب
وأين الباب؟ أين الباب؟!
قرابيني مكدسة على المحراب
وقرآني طواه ضباب
وذلة مسجدي الأقصى تقلبني على سكين
ولا معتصم أدعوه‘ لافينا صلاح الدين
ننام الليل‘ نصحو الفجر‘ مجروحين
ومطعونين‘ مقتولين"0
برحيل نازك الملائكة في العام 2007م غفا بالموت عصر الرائدات لكنها بقيت كما وصفها الدكور إحسان عباس " أجرأ المعاصرين من الشعراء "

* د. محمد شادي كسكين
رئيس المركز الإفتراضي لإبداع الراحلين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا