الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصير أولمرت ومصير المفاوضات

برهوم جرايسي

2008 / 5 / 13
القضية الفلسطينية


ما إن تكشفت خيوط شبهات الفساد الجديدة الموجهة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، حتى طرح فورا سؤال: "ما هو مصير المفاوضات بعد أولمرت؟"، ولنقرأ لاحقا على لسان "مصادر فلسطينية" مجهولة الهوية، تعرب عن قلقها من مصير المفاوضات، وكأن العملية التفاوضية وصلت إلى نقطة البحث عن نوعية القلم الذي سيتم التوقيع به على الاتفاق المبرم، وأن قضية أولمرت ستنسف كل شيء.
بداية تجدر الإشارة إلى أن التحقيقات حول شبهات الفساد باتت مشهدا مألوفا في ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وبشكل متواصل منذ العام 1996، أي منذ ولاية بنيامين نتنياهو، ثم إيهود باراك وأريئيل شارون، لنصل إلى إيهود أولمرت الذي حطم حتى الآن رقما قياسيا بعدد الملفات الموجهة له، علما أن تحقيقا آخر بالفساد جرى مع رئيس الحكومة الأسبق شمعون بيرس، ولكنه جرى بعد أن ترك منصبه في منتصف التسعينيات.
والفساد ككل مستشرٍ في سدة الحكم في إسرائيل منذ سنوات طوال، ولم تفلت أي من الحكومات المتعاقبة، في السنوات الأخيرة، من التحقيق مع عدد من وزرائها وأعضاء الكنيست بقضايا الفساد، ومنهم من قبع أو يقبع في السجن، ومنهم من ينتظر.
وهذا ليس من باب أن إسرائيل باتت ديمقراطية أكثر، ونزاهة الحكم فيها فاقت مستويات شمال أوروبا، إذا اعتبرناها مقياسا لنزاهة الحكم النسبي، بل هذا انعكاس لتغلغل الطغمة المالية، المحلية والخارجية في الحكم الإسرائيلي، بما فيها مافيا بعض الدول، وخاصة المافيا الروسية، من خلال أسماء سياسية إسرائيلية، تحتاج للملايين من أجل تمويل عملية دخولها إلى سدة الحكم، ومن ثم تحقيق ثراء شخصي، وهذا على الأقل ما يتحدث به قادة في الشرطة الإسرائيلية وأجهزة تطبيق القانون.
وهذا موضوع قائم بحد ذاته، قد يُطرح بتوسع أكثر لاحقا، ولكن إذا سُمح بالتنبؤ، فبالإمكان القول إن أولمرت لن يكون آخر رئيس حكومة توجه له شبهات الفساد، فكل المرشحين لخلافته بعد أي انتخابات، وأقواهم حتى الآن، زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو، تورطوا بالفساد، ويتحركون في أوساط الطغمة المالية التي تمول حملاتهم الانتخابية، مما يعني أنهم مرشحون سلفا لتحقيقات من هذا النوع.
وعودة إلى سؤال البداية، هل فعلا إن مصير المفاوضات متعلق بمصير أولمرت، وهل حقا حققت المفاوضات تقدما، والإجابة على السؤال الثاني تساعد على إجابة السؤال الأول، وبالإمكان ان نثق بما يقوله ويؤكده الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) الذي سارع إلى نفي ما أعلنه مكتب أولمرت غداة الكشف عن قضيته، بأن تقدما جديا قد تحقق في المفاوضات مع الفلسطينيين.
فقد أكد أبو مازن، أنه لم يطرأ أي تقدم جدي، وإن تحقق شيء طفيف، فإن الفجوات ما تزال كبيرة جدا بين مواقف الجانبين، في جميع الملفات الأساسية.
ولكن ما يدعم أكثر تصريح الرئيس عباس هو ما يجري على ارض الواقع، وهو أكبر من أي تصريح في أي اتجاه، فإسرائيل تسارع أكثر في فرض وقائع على الأرض في كل ما يتعلق بالحدود والقدس، من خلال استمرار بناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية ككل وفي داخل القدس، إضافة إلى مشاريع استيطانية مكثفة، بالأساس في منطقة القدس ووسط الضفة الغربية المحتلة.
وهذا إلى جانب أنه في ما يتعلق بقضية حق عودة اللاجئين فإن الحكومة الإسرائيلية تستند في موقفها إلى الإجماع الصهيوني الأوسع حول رفض هذا الحق، وجعله "خطا أحمر" في أي من المسارات التفاوضية.
بمعنى أن المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لم تصل أصلا إلى أي نقطة تجعل البعض قلقا على مصيرها، إلا إذا رأى البعض أن مجرد اللقاءات وحده كاف بين الجانبين، حتى وإن لم يتحقق شيء.
وبالتالي فإن قضية أولمرت، وفي حال تطورها في اتجاه تكثيف التحقيقات مع أولمرت، أو اضطراره للاستقالة، أو لتجميد صلاحياته، سيؤدي بالتالي إلى وقف اللقاءات، من منطلق أن وضعية الحكومة، إن كانت في مرحلة انتقالية أو حكومة جديدة يشكلها آخر بعد أولمرت، لا تسمح باستئناف العملية التفاوضية، وهي حجة وذريعة مألوفة تستخدمها إسرائيل منذ انطلاق مؤتمر مدريد للسلام في خريف العام 1991، من منطلق الهرب أكثر ما يمكن من دائرة المفاوضات، وإعفاء إسرائيل من تقديم أجوبة ضرورية على الملفات الأساسية في العملية التفاوضية.
ولكن في المقابل فليس كل شيء مجمدا، لأن مشروع بناء جدار الفصل العنصري والمشاريع الاستيطانية ستتواصل، من منطلق أنها قرارات حكومية صادرة بموجب القانون، لا يمكن وقفها إلا بقرار من المحكمة العليا.
وكما أن مشهد التحقيقات بشبهات الفساد بات مألوفا، فسيناريو وقف واستئناف المفاوضات بسبب القضايا الداخلية الإسرائيلية بات هو أيضا مألوفا، لأن إسرائيل تسارع إلى العالم بالقول، "اتركوني وشأني حتى أنهي مشاكلي الداخلية".
في الأيام القادمة سنشهد تطورات على الساحة السياسية، بتزامن مع تطور سير التحقيقات في قضية أولمرت الجديدة، قد تساعد على قراءة مستقبل حكومة أولمرت، خاصة وأن الكنيست (البرلمان) سيفتتح الاسبوع القادم دورته الصيفية، التي ستستمر شهرين ونصف الشهر، مما يعني استئناف الحراك البرلماني، وحينها سنعرف مدى تماسك الائتلاف الحكومي، ومدى قدرة أولمرت على اجتياز هذه القضية، التي يقول محللون إنها أشد من سابقاتها.
ولكن على أي حال فإن ما سيحكم قرارات الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي، هو حسابات الربح والخسارة على المستوى الحزبي، في ظل أي انتخابات برلمانية مبكرة، أو في ظل حكومة بديلة تقيمها شخصية سياسية أخرى من حزب "كديما" الحاكم، بدلا من أولمرت، وأقوى المرشحين، وزيرة الخارجية تسيبي ليفني.
ووفقا للظروف الحالية، فإن مصلحة جميع الأحزاب المشاركة في الحكومة تقضي بمواصلة عملها ضمن هذه الحكومة بالذات، تحت يافطة: "دعونا لا نستبق الأمور ونحكم على أولمرت قبل انتهاء التحقيق".
وبتفصيل موجز، فإن حزب "كديما" الحاكم، الذي نشأ قبل الانتخابات الأخيرة بأربعة اشهر، لم ينشر جذوره بعد ميدانيا، وبقي بالأساس حزب نُخب ونجوم سياسية ستخبو بمعظمها في أي انتخابات قادمة وفق استطلاعات الرأي، وسيفقد الحزب على الأقل نصف قوته، التي هي حاليا 29 مقعدا من أصل 120 مقعدا في الكنيست.
والحال ليس أفضل بالنسبة لحزب "العمل" بزعامة وزير الحرب إيهود باراك، الذي له 19 مقعدا، فجميع الاستطلاعات موحدة في توقعاتها بأن هذا الحزب سيحافظ على قوته الهشة، وحتى أنه قد يفقد بعضا من مقاعده، وكذلك الأمر بالنسبة لحزب المتقاعدين الذي دخل لأول مرة إلى الكنيست في الانتخابات الأخيرة وله سبعة مقاعد، وشهد انشقاقا في الأيام الأخيرة، فهو يعرف أنه سيتبخر في أي انتخابات قادمة، كما تشير استطلاعات الرأي.
أما بالنسبة لحزب "شاس" الديني الأصولي، الحزب الثالث من حيث القوة البرلمانية في الكنيست، فهو يشعر نفسه أقوى في ظل حكومة ضعيفة، فحتى وإن تتوقع استطلاعات الرأي أن يحتفظ بقوته، إلا أنه يدرك أنه ليس بإمكانه ان يحقق مكاسب مالية لنفسه ولجمهوره في ظل حكومة أقوى قد تتشكل بعد أي انتخابات برلمانية مبكرة، وإن قرر الانسحاب من الحكومة، فهذا فقط سيعود إلى حسابات ربح وخسارة أيضا.
ولكن بطبيعة الحال فإن أياً من هذه الأحزاب لن يجاهر الجمهور بدوافعه الحقيقية لبقائه أو مغادرته الحكومة، بل سيبحث عن ديباجات سياسية واقتصادية اجتماعية، و"قلق على نزاهة الحكم"، وما إلى ذلك ليبرر موقفه.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله