الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجربتي في النقد المسرحي

خالص عزمي

2008 / 5 / 14
الادب والفن


كنت في سن المراهقة حينما وقعت بين يدي مجلة ( الصباح) المصرية لمصطفى القشاشي ؛ فقرأت فيها الوانا من النقد المسرحي لما كانت تقدمه الفرق المسرحية من اعمال مصرية ؛ او مقتبسة ؛ او مترجمة .. الخ وكنت اعجب كثيرا بذلك الاسلوب الشيق الذي الذي كان يقدم فيه النقاد العروض بطريقة تحسب و كأنك تشاهدها واقعيا وبأسلوب مبسط .
ولكن حينما صدرت مجلات مختصة أكثر تطورا؛ كالكواكب ( الهلال ) والسينما ( كامل حفناوي ) ودنيا الفن ( خليل عبد القادر ) ؛ تطورت معها رؤيتي لاسلوب النقد الذي كان يتداوله اساتذة مختصون كزكي طليمات ؛ وزكريا الحجاوي ؛ وأمين صدقي ؛ وفتوح نشاطي.؛ وعباس خضر .. وغيرهم اضافة الى ما كان يكتبه أكادميو النقد في المجلات الادبية كالرسالة والثقافة والكاتب المصري والهلال وما يصل المكتبات العراقية من مؤلفات وابحاث ودراسات تلك الصفوة المختارة كالدكاترة : حميد يونس وعبد القادر القط ومحمد مندور وشوقي ضيف ... وغيرهم كثير؛ كما لا ينسى هنا دور الاذاعات كبغداد ؛ والقاهرة ؛ وبي بي سي في منحي فرصة المتابعة لبعض المسرحيات والتمثيليات التي كانت تذاع بشكل دائم ؛ أضافة الى ما كانت تعرضه الفرق العربية والاجنبية الوافدة الى العراق والتي كانت المراكز الثقافية في بغداد تلعب دورا هاما في دعم نشاطاتها .
وهكذا اصبحت لدي محصلة نقدية كانت بحاجة ماسة الى تجربة في جوهر المفهوم المسرحي التطبيقي . وجاءت الفرصة حينما سمح لي العميد الفنان حقي الشبلي بحضور بعض محاضراته النظرية التي كان يلقيها على طلبة قسم المسرح في معهد الفنون الجميلة الواقع في الكسرة ؛.اضافة الى تطبيقاته العملية التي كان يجريها على مسرح المعهد لطلابه الاوائل ؛ فقد كانت ارشاداته في الالقاء والتعبير والحركة وما يرتبط بها من تفرعات في الضوء والصوت والمكياج والملابس ؛ صيغة متقدمة من التربية المسرحية في حينه . وهكذا وجدتني أبدأ بمشاهدة بعض المسرحيات بعيون ناقدة متفحصة لا بعيون مشاهدة منبهرة وحسب .... اضافة الت تعمقي أكثر في قراءة الكتب والمصادر الرصينة ذات العلاقة بالمسرح والنقد المسرحي . في هذه المرحلة المتقدمة باشرت بنشر بواكير نقدي المسرحي في الصحف العراقية وأرسال بعض شذراتها الموجزة الى المجلات العربية .

هنا ... سأكتب و بشكل مكثف عن نموذجين فقط من تجربتي في نقد مسرحيتين شاهدت اولهما في العراق والاخرى في بريطانيا ؛ لعلهما تعطيان الصيغة التطبيقية الواقعية لاسلوبي الذي مارسته في النقد المسرحي وعلى الوجه التالي :ــــ

أولا ـ يوليوس قيصر : تأليف وليم شكسبير ؛ ترجمة سامي الجرديني ؛ اخراج حقي الشبلي ؛ تاريخ العرض 28 مايس ـ 4حزيران 1953 .. مساءا ؛ مكان العرض مسرح معهد الفنون الجميلة
موجز النقد : تعرضت الى تلخيص المسرحية ثم تابعتها منذ لحظة رفع الستارة ؛ ثم وصف مناظر الفصول المسرحية التي رسمها الفنان اسماعيل الشيخلي خاصة الكابيتول ؛ وقصر القيصر ؛ وموقع المعركة في فيلبي ؛ وتناولت بعدئذ مهمة المخرج في توزيع مسؤولية ادارة التنفيذ الداخلي على مساعديه (جعفر السعدي ؛ عمر العيدروسي ؛ الحاج ناجي الراوي ) اما التنفيذ الاداري الخارجي فتولى تنفيذه ( تقي البلداوي ؛ محمد أمين توفيق ؛ محمود القطان ) حيث جعل المخرج القاعة والمسرح ساحة تمثيل واحدة ؛ وهذه الطريقة صعبة الهيمنة على فضاء المسرح ؛ اذ انها تكلف المخرج مجهودا جبارا في السيطرة على المجاميع . ومع ذلك فقد كان الاخراج رائعا وخاصة لحظة خروج القيصر وحاشيته وحرسه من بين صفوف الجمهور ؛ حيث تحولت الى مشارف المسرح لتترك التركيز على التمثيل الذي قام به خليل شوقي بدور ( القيصر ) ؛ وبدري حســـون فريد بدور
( بروتس ) وعلي داود بدور ( كاسيس ) وعبد الحميد مجيد بدور ( مارك انطونيوس ) ثم حسن الناظمي بدور ( كاريوس ) ... الخ واشدت بأتقانهم لادوارهم وقدرتهم على النطق الفصيح .ومن التمثيل تحولت الى العوامل المساعدة كالمكياج الذي تولاه ( عزيز العبلي ) بأسلوب بارع قرب الاشخاص الى عهد الرومان كثيرا ؛ والاكسسوار والمعدات التي كانت نموذجا متقنا لما كان يتوجب عمله في مسرحية تأريخية كهذه ؛ بعدها انتقدت الموسيقى التصويرية حيث كانت ترتفع ووتنخفض في غير مواعيدها ؛ ولكنني أشدت كثيرا بالانارة والمؤثرات الصوتية ـ كالبرق والرعد والرياح والغروب والشروق ... الخ والتي قام بها ( ابراهيم جلال ؛ وحامد الاطرقي ؛ ونوري محمود وفائق عبد الكريم ) ؛ وقد بهرني اتقان الملابس والخوذ المدروسة بعناية تأريخية فائقة . وحينما انتقلت الى التماثيل التي كانت من مكملات روعة العمائر والقصور ؛ أشدت بها هي الاخرى حينما قلت (اما التماثيل فقد كانت ممتازة جدا ولا غرو فمصممها الفنان المعروف جواد سليم ) .
وختمت نقدي بهذه العبارة ( وعلى العموم فالمسرحية ناجحة نجاحا موفقا ؛ مما يجعلنا نشيد بالهمة والعزم والمجهود الذي بذل في اخراجها على هذا الشكل الفني المشرف ) (1) ؛ وكان لنقدي هذا اشادة قيمة من قبل المختصين والكتاب في حينه . ولا بد من الاشارة هنا الى ما كتبه الرائد الكبير المبدع سامي عبد الحميدعن تلك الصيغة المتقدمة من النقد بعد اكثر من ثلاثين عاما حينمـــــما قال:
( وكان لجوؤه الى الجمع بين المسرح التمثيلي والمسرح النقدي ؛ بالجمع بين الصالة والمسرح داعيا للاشــــــادة من قبل النقاد وعلى رأسهم ( خالص عزمي ) الذي كان من أفضل المتابعين للحــــركة المسرحية ومعطياتها .(2)

ثانيا ـ الطريق الى الهند : من تأليف الكاتبة الهندية ( سناثا رام راو) عن رواية للاديب الانكلـــيزي
( أي .أم . فورستر ) . اخراج ( فرانك هاوزر ) ؛ تاريخ العرض 20/نيسان / 1960من على مسرح الكوميدي ـ بانتون ـ لندن .
موجز النقد : استعرضت خلاصة للمسرحية الصراع ما بين المستعمر البريطاني ( يمثله النادي الانكليزي ) وابناء الهند (يمثلهم المثقف الدكتور عزيز ) اعن طريق التفاذ أ و ( العبور الى النفسية الاخرى والتقرب اليها لمعرفة ابعادها وتقاليدها وارتباطاتها الاجتماعية ؛ بحيث يؤدي في النهاية الى اكتشاف ان التطرف والنظرة الاستعمارية الاستعلائية انما هي مجرد موقف وقتي لايمنع عجلة الزمن من التقدم نحو الحرية ) ؛ وتناولت بعد ذلك مكنة المخرج( فرانك هاوزر ) العالية في توظيف الواقعية الحديثة بكل ابعادها خدمة للنص ؛ اما التمثيل ( فقد خلب لبنا فيه زيا محي الدين بدور ( الدكتور عزيز وكأن الدور قد فصل على مقاسه ) وكذلك كانت الممثلة المشهورة البارعة ( دليس هاملت ) التي أدت دور ( الانسة أديلا ) التي تذكرني بتمثيلها الفخم على مسرح استاتفور اون أيفن مقابل لورنس اوليفر ؛ وليوكهام وجون جلجود . اما في هذه المسرحية فأنها تجسد بصدق حقيقة للفتاة الانكليزية ذات المعلومات المحدودة والنفسية المريضة و التي تقف مشدوهة امام حضارة هندية عريقة ومقاصد اخلاقية تجلت في سمو من التقت بهم من ابناء الهند . كما ذكرت ايضا بان المناظر المبهرة والموسيقى التصويرية الصوفية والملابس والاكسسوارت الهندية لعبت دورا اساسيا في دعم المسرحية واضفاء آيات النجاح عليها .
لقد نشرت هذا النقد التفصيلي عام 1985 (3) لمناسبة عرض فيلم بذات العنوان ( الطريق الى الهند ) في جميع انحاء العالم ؛ ومع ان هذا الفيلم كان من الفخامة في الاخراج والتمثيل والتقنيات المـــــذهلة التي استطاعت ان تصور عظمة القارة الهندية بريشة الساحر الفنان ديفد لين ؛ فاني مازلت اعتقد ان المسرحية كان لها تأثيرها وسحرها المباشر الأعمق على كل من شاهدها .

ان نشر مثل هذه التجارب الفنية فضلا عن كونها صفحة من مذكرات شخصية فهي تعطي القاريء ــ بذات الوقت ــ شهادة تأريخية مصورة و واقعية عن تسجيل الاحداث المسرحية في زمانها ومكانها ؛ اضافة الى مدى ما تطور هذا الفن الدرامي الصعب ( تأليفا واخراجا وتمثيلا ) وكل ما رافقه من جزيئاته المكملة الاخرى .
ولعل في كل هذا السرد المكثف صورة من العبرة والعظة والتضحيات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) خالص عزمي ـ نقد مسرحية يوليوس قيصر ـ الاسبوع ـ العدد 21 الصادرة في بغداد بتاريخ 25 /6/ 1953 بغداد
(2) سامي عبد الحميد ـ حقي الشبلي ويوليوس قيصر وجعفر السعدي ـ جريدة القادسية ـ
الصادرة في بغداد بتاريخ 12 / 8 / 1989
(3) خالص عزمي ـ من المسرح العالمي / العبور الى الهند ـ مجلة الفنون ـ العدد 282 الصادرة في بغداد بتاريخ 19 / 11 / ــ 1985








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض


.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار




.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة


.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن




.. سلمى أبو ضيف قلدت نفسها في التمثيل مع منى الشاذلي .. شوفوا ع