الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشارونيون يهددون الأسد والأسد يهدد الأكراد

جان كورد

2004 / 1 / 9
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


ذكرني السيد رئيس الجمهورية السورية أثناء زيارته إلى تركيا بقصة جحا وولده عندما مرت من أمامهما جنازة وخلفها امرأة تولول وتقول: " يابني إنهم يأخذونك إلى بيت لا خبز ولا ماء فيه، لا فراش ولا لحاف، لا نوافذ ولا شمس تدخل فيه" .. فسأل الولد أباه مستغربا: " هل يأخذونه إلى بيتنا يا أبي؟!"
في الوقت الذي تبدو فيه سوريا كبيت جحا الفقير من كل النواحي فإن سيادة رئيس الجمهورية له شغل آخر يشغله، ألا وهو رفض ما أعلنه الكرد عن طموحهم في فيدرالية كردية ضمن حدود الدولة العراقية. ولكي يظهر إلى أي مدى يرى هذه الفيدرالية خطرا وإعلانها خطا أحمر لا يجوز تجاوزه، فإنه يركب قارب السياسة التركية الطورانية التي ترى حتى في "الحكم الذاتي" خطر تشكيل دولة كردية، وتستخدم مصطلح "دولة كردية" بدلا عن "الفيدرالية"، إلا أنها تعني بذلك أي وضع قانوني وتشريعي يمكن أن يحصل عليه الكرد في العراق الجديد ويتم تثبيته دستوريا. وحقيقة فإن السياسة التركية ضد فتح مدارس كردية حتى في السويد وفرنسا وألمانيا ولربما على القمر والمريخ أيضا، وتعتبر ذلك خطرا على أمنها القومي، بل تستغرب كيف يسمح الأوربيون للأكراد بذلك وتتهمهم ب"االنازية" كما فعلت مع المستشار الألماني الحالي غيرهارد شرودر الذي سمح لأطفال الكرد بتعلم لغتهم الأم أسوة بأبناء المهاجرين الآخرين والجاليات الأخرى في ولاية نيدرزاكسن التي كان يحكمها قبل وصوله إلى المستشارية.
والرئيس السوري الذي يريد إظهار نفسه محاطا بالأصدقاء ووجد في تركيا وجنرالاتها العنصريين الذين يكرهون العرب والأكراد كرها لا مثيل له ضالته المنشودة وصديقا قديما ساد الجفاء بينه وبين أبيه، ينسى بأنه في وضع لا يحسد عليه، إذ أن وزير الدفاع الإسرائيلي قد هدده مجددا بأن مصيره سيكون كمصير صدام حسين إن لم يتراجع عن مواقفه الحادة تجاه اسرائيل، وهو تهديد جاد ومتواصل ومدعوم من رئيس الوزراء الاسرائيلي شارون الذي لن يترك مجالا إلا ويحاول منه النفاذ لفرض ما يريده على سوريا غير آبه بالنقد سواء من العرب أو من المجتمع الدولي أو من حليفة اسرائيل القوية في المنطقة، ونعني بها الولايات المتحدة الأمريكية.
فبماذا يرد السيد الدكتور بشار الاسد على تهديدات اسرائيل التي تصدر من على لسان وزير دفاعها بالذات؟ إنه يضع للأكراد خطوطا حمراء استعان برسمها بالأتراك الذين هددوا أباه ويهدد الأكراد الذين وقفوا على الدوام مع والده وساندوه وآزروه، رغم ما اقترف النظام القائم في عهده من سياسات هوجاء وعنصرية ضد الشعب الكردي في الجزء السوري من كردستان وطبق بحق هذا الشعب كل أشكال السياسة الشوفينية من تعريب وتهجير وحرمان من حق المواطنة ومنع لممارسة النشاطات الثقافية واستخدام اللغة الأم في التعلم وتوطين العرب في أماكن سكنى الكرد بعد سلبهم ممتلكاتهم وحقوقهم.
فهل النظام السوري القائم بحد السيف وبالسوط والكرباج قادر على أن يرد على وزير الدفاع الاسرائيلي ولو مرة واحدة بشكل جاد؟ طبعا لا وألف لا... فهنا يتملكه الخوف ويرسل بثينته الشعبانية وفاروقه الشرعي إلى كل أروقة المحافل الدولية مؤكدين على أن "الولايات المتحدة ليست عدوة لسورية" على الرغم من صدور "قانون محاسبة سوريا" وعلى أن هذه الولايات الصديقة قادرة على لعب دور لتبريد العواطف الساخنة وتخفيف الجمل القاسية التي تصدر عن تل أبيب..
لقد هددت تركيا على لسان نائبة التركمان في مجلس الحكم العراقي بأنها ستعلن عن "تركمنستان" في كركوك، ولكن الجميع يدركون بأن هذا مجرد بالونة في سماء العراق، ومن قبل هددت تركيا بأنه في حال دخول الأكراد إلى كركوك فإنها لن تقف مكتوفة الأيدي، ولكنها عجزت عن أن تفعل شيئا عندما حررت قوات البيشمركة مدينتي كركوك والموصل بالاستعانة بأعداد قليلة من القوات الأمريكية ورفعت العلم الكردي في كل مكان من مدينة كركوك. فهل ستكون الآن قادرة على القيام بأي شيء فيما إذا وافق الأمريكان الذين لهم اليد العليا في العراق اليوم على مطلب الأكراد في الفيدرالية أو حرضتهم بشكل غير مباشر على إعلان دولة مستقلة لهم على أرض كردستان العراق؟ وإذا لم تتمكن تركيا القيام بشيء عندما كانت أمريكا بحاجة لها فماذا ستفعل سوريا بعد أن انتهت أمريكا عمليا من القضاء على الجيوش العراقية وعلى النظام البعثي وحلتهما ؟ ولماذا لم تركض إيران أيضا إلى أنقره وتتفق معها ومع سورية على توجيه هذه التهديدات التي قد تكون مجرد فقاعات صابونية لا قيمة لها؟ ألا يهم ايران قيام دولة كردية أو حصول الأكراد على فيدرالية ضمن العراق؟ أليس في ايران اقليم كردي تعترف الحكومة الايرانية بجزء منه على أساس أنه "كردستان" رسميا؟ أم أن السياسة الايرانية أشد ذكاء وأكثر واقعية من سياسة كل من سوريا وتركيا؟ طبعا موقف ايران فيه دهاء وذكاء...
ومن هو صاحب فكرة التهديد أساسا؟ تركيا؟ أم سوريا؟
معلوم أن تركيا تهدد الأكراد منذ قيام الدولة التركية الحديثة عام 1923 ولكن ذلك لم يمنع قيام عدة ثورات كردية في وجه الطورانية التركية تم القضاء عليها بالاستفادة من التناحر الكردي الداخلي وبالتعاون مع القوى الدولية التي كانت ترى في تركيا دولة هامة في الصراع ضد الاتحاد السوفييتي والخطر الشيوعي، ولكن هذا التهديد الجديد يبدو من قياسات النظام السوري، فلقد صرح بذلك الرئيس السوري قبل زيارته إلى تركيا، وهذا يعني أن سوريا في حال قيام كيان كردي على أرض كردستان العراق، مهما كان هذا معبرا عن إرادة الشعب الكردي، ستنقل "معركتها مع اسرائيل!" إلى معركة مع الأكراد الذين لم يتمكن صدام حسين بكل جبروته من القضاء على ثورتهم وحركتهم السياسية الشعبية الواسعة. أم أن سوريا ستسير خلف تركيا أو إلى جانبها وتغزو بلادا تسيطر فيها القوات الأمريكية على شؤون البلاد.
هذا كله يبدو – في نظري – غير واقعي ولا يمكن تحقيقه في هذا الوقت، وسيفتح الباب لأن تتحرك اسرائيل التي يتهمها بعض المثقفين العرب بأنها تدعم الكرد وتريد لهم الانفصال عن العراق وسوريا.
وقد تستغل تركيا بساطة بعض الزعماء السوريين وتزج بهم في حرب ضد الشعب الكردي، وبالتالي تنتهي من مطالبة سوريا بالمياه وبلواء اسكندرون، وقد تكون متفقة في ذلك مع صديقتها وحليفتها اسرائيل التي ستجد في أي مغامرة سورية فرصة ثمينة لاتقدر للتوغل شمالا صوب دمشق أو حتى الفرات في شرق وشمال سوريا.
ويجب أن لايخفى عن البعث السوري بأن الحركة الوطنية الكردية في الجزء السوري من كردستان ستقوم بواجبها من أجل مؤازرة شقيقتها الحركة الوطنية الكردية في كردستان العراق، ولربما يتحرك أكراد الشمال أيضا وتتحول كردستان بأسرها إلى ساحة لمقارعة النظامين السوري والتركي معا، وبالتالي تصبح القضية الكردية قضية عالمية، ويصبح المطلب الكردي "دولة كردستان المستقلة"....
لذا أرى أن من الأفضل للحكام في سورية أن يظل تهديدهم للأكراد حبرا على ورق، فإن تركيا التي ورطت حزب العمال الكردستاني في الحرب ضد الشعب الكردي في كردستان العراق ستفرح فيما إذا نقلت سوريا معركتها من جنوب البلاد إلى شمالها، ومن أراضيها إلى كردستان، عسى تضرب العرب بالأكراد وعلى العكس وتحقق لها مطامح كبيرة على حساب الأمتين الكردية والعربية، أو في أسوأ الأحوال تزج بالعرب في معركتها مع الحركة القومية الكردية وتجندهم لصالحها لأنها وحدها عاجزة عن القضاء على الشعب الكردي.
وبالمناسبة يجدر بالذكر أن نظام البعث قد أطلق أسماء لمدن وقرى فلسطينية على قرى كردية تقع في الشمال الشرقي السوري ضمن حملة تعريب الأسماء الكردية من أنهار وقرى ومواقع وجبال وعوائل... فهل كان ذلك خطوة باتجاه نقل المعركة إلى كردستان ثم حدث ما منع البعثيين من التقدم في ذلك؟ حقيقة هذا ما لم نتمكن من تفسيره بشكل صحيح حتى الآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإجراءات الدستورية في حال وفاة رئيس الجمهورية في إيران


.. بعد إعلان إيران موت الرئيس بحادث تحطم طائرة.. من هو إبراهيم




.. مصادر إيرانية تعلن وفاة الرئيس الإيراني بحادثة تحطم مروحية|


.. إيران تؤكد رسمياً وفاة رئيسي وعبد اللهيان.. في تحطم المروحية




.. إيران تودع رئيسها الثامن.. من هو إبراهيم رئيسي وكيف وصل إلى