الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا التزم عالي الهمة الصمت؟

أحمد الخمسي

2008 / 5 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


أقل ما يستدعيه الوضع هو تعديل حكومي مستعجل. فعلى طرفي السياسة، سياسة الدولة تجاه نفسها وسياستها تجاه المجتمع، ظهرت المؤشرات الحادة بل المؤلمة عن الضعف البنيوي في الكيان الأمني. فمن أمن المواطن في كامل أهليته، وهو يتمتع بحقه في الشغل، ظهر للعيان أن قطاعا واسعا من الأعمال، يستغل أصحابه هشاشة حق الشغل بالنسبة للمقبلين على عرض عملهم في المعامل، فوفروا مقرات للعمل "بلا حماية" لظروف الاشتغال. وذلك، ضمن واقع الرشوة المستفحل في مفتشيات الشغل وفي مكاتب الشؤون العامة المعنية بتنظيم المفاوضات بين المشغل والعمال للملفات المطلبية في أكثر من عمالة؛ لفائدة أرباب المعامل على حساب سلامة العاملات والعمال. وقد قفزت فظاعة الوضع الأمني في ظروف الشغل بمناسبة حريق "روزامور" بالدار البيضاء في الأسبوع الماضي، وذهاب ما يوازي ستة أيام من أموات حوادث السير في المغرب طولا وعرضا، لحظة واحدة.

وضمن أمن الدولة وهي تعتقل من وصلت الأحكام في حقهم حد الإعدام، لم تتمكن الأجهزة المعنية بحراسة وحفظ المؤسسة السجنية من إفشال عملية الهروب. وفي الحالتين، تكون البنيات المعنية بالإشارة إلى هيبة الدولة في مهب الريح. فالسجن مفروض فيه أنه جزء من هيكل صلب يرمز للنواة الصلبة للسيادة. وتكون المؤشرات تلك علامة عن تسرب الرخاوة نحو مفاصل حيوية في السياسة الأمنية.

وأمن المواطن في مواقع العمل والسكن والتجول هو ما ينتج للدولة سيولة يومية من شرعية وجودها المتجدد. فالمواطن كلما أمن على سلامة جسده وحريته وعلى سلامة ما يحيط به من ارتباطات بشرية ومادية ومجالات ومرافق ومؤسسات، كلما سرت أنفاس الوضع في اتجاه الطمأنينة العامة والصحة العامة والنظام العام.

لأن الأمن اليومي للناس هو الثمن الذي توفره الدولة مقابل اعتراف المجتمع بأهمية وجودها على رأس الهرم. فيسلمها مبدئيا احتكار العنف واحتكار الحكم القضائي القاضي بتوزيع الاستحقاقات الإيجابية من الاعتبارات والثروات وتوزيع الاستحقاقات السلبية من أنواع الحرمان من الحقوق المدنية ومن الحرية ومن التصرف والانتفاع المادي بموجب القانون.

وعندما ينتفي الأمن ينتفي العنصر المادي لدولة القانون. فدولة القانون حصيلة رمزية بالجملة لوضع أمني مستقر بالتقسيط المتراكم. فالأمن ثابت من الثوابت للاعتراف بالقانون كقيمة وضعية بشرية. إذ يتعالى القانون في سماء الرمزية عن أرض الأمن العادي. والاستقرار هو هذا الخيط الرابط الممتد ما بين الأمن بالتقسيط اليومي المعيش وبين القانون كإطار عام يجعل سلوك الدولة موحدا وواحدا. لتأتي السياسة ذات الدورات الإختبارية عبر صندوق الاقتراع عند كل عملية انتخابية كمروحة لتكييف الغضب المتبادل من المجتمع تجاه الدولة ومن الدولة تجاه المجتمع. مجرد مروحة تكييف. أما أن نضفي على الانتخابات في بلدنا أهمية أكبر، فليس لدينا الأرضية الصلبة لادعاء ذلك، ما دمنا نحترز ضد مبدأ سيادة الشعب. بينما تستند إليه الملكيات العريقة في أوربا الغربية واسكندينافيا لتوطيد استمرارها ضمن الصورة التاريخية والمستقبلية للبلدان المذكورة.

هذا الانكشاف في ساحة العراء السياسي والاجتماعي على حد سواء، يعيد الصراع الاجتماعي والسياسي إلى حالة بدائية من حالات الصراع الطبقي. إلى درجة استفراد كل طبقة اجتماعية بما يهم تطلعاتها الفئوية لا غير. مما يترك المصالح المشتركة بين المجتمع والدولة أمام فوهة المجهول الدامس.

والحال، ان السمعة الطائرة في سماء الاستقرار السياسي والأمني لفائدة الدولة المغربية كقيمة سياسية مفيدة في الساحة الخارجية، تقتضي الدعم على الصعيد الداخلي لتقوية مفعولها الخارجي مرة أخرى، في جدلية تصاعدية تحسن باستمرار ظروف الصمود الموحد للمجتمع والدولة في وجه الموجات المتوالية للمصاعب الاقتصادية والسياسية.

ولقد أحسن المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي، عندما طرح إمكانية انسحاب وزراء الحزب من الحكومة. ليس فقط على خلفية الفترة الممتدة ما بين 2002 و2007. وما حصل من تورط للحزب داخل الحكومة السابقة بدل المساندة النقدية المطابقة لما كان يرغب في استمرار الإصلاح وهو على مضض الخلاف حول مسطرة تعيين ادريس جطو المخالفة في رأيه للمنهجية الديمقراطية. بل، لما يتطلبه الوضع السياسي من حقن الحزم والعزم.

فالهشاشة السياسية التي انطلقت منها الحكومة الحالية، وفق المنهجية الديمقراطية في الظاهر والله يعلم بالسرائر، اقتضت إمكانية معالجة الوضع، على إيقاع الحيوية المستعادة في الجبهة النقابية، والتململ السياسي داخل الاتحاد الاشتراكي. مما كان في الإمكان استباق الحيوية في الموقعين المذكورين، بما قد يأتي من "حركة لكل الديمقراطيين"، كان من المفروض، أن يعز عليها، توالي القتل الذي يتعرض له المواطنون بالأعداد الغفيرة في حافلات النقل العمومي الحمقاء، وكذا ما انهار على رؤوس العاملات والعمال الثلاثة والستين من ركام السياسة الاجتماعية لحظة واحدة ما يساوي القتل الممتد على الطرق العمومية لمدة ستة أيام من حرب الطرق. كان من المفروض أن يعلو صوت "الزعيم" السياسي الجديد، لو كان ديمقراطيا، لو لم يتنظر التعليمات فيما دون التعديل الدستوري. وفي نفس المستوى من البريق الملتصق بالمؤسسة الملكية داخل الحكومة، كان في الإمكان سماع نبرة جديدة في العمل الوزاري، يعلي السقف الملكي فوق رؤوس الوزراء الحزبيين بالإعلان عن عزة نفس وزير من وزراء السيادة، فيعلن أسفه على ما وقع من مجازر حوادث السير ومن انهيار معمل على رؤوس المنتجين، مقرونا بالإعلان عن استقالته. وهو ما سيوفر للوزير المستقيل سمعة أفضل للمؤسسة الملكية وللسياسة الحديثة. لكن الحفاظ على الوضع كما هو من حيث تجديد أسلوب الاعتراف بالمسؤولية لم يقع. مما جعل عملة الركود الرديئة هي الرائجة.
وهو ما لم يلتقطه السيد فؤاد عالي الهمة، ليتحول من معبئ تنظيمي لانتخابات مهيأة سلفا تنتعش من سمعة شخص الملك، إلى حركة مستقلة اكتسحت البرلمان في جزئه الكسيح. ليتحول إلى زعيم المرحلة. فلما صمت ولم يطلب بتعديل حكومي على الأقل، قبع في طبيعته الأصلية كتقنوقراط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: غانتس اختار أن يهدد رئيس الوزراء بدلا من حماس


.. انقسامات داخلية حادة تعصف بحكومة نتنياهو وتهدد بانهيار مجلس




.. بن غفير يرد بقوة على غانتس.. ويصفه بأنه بهلوان كبير


.. -اقطعوا العلاقات الآن-.. اعتصام الطلاب في جامعة ملبورن الأست




.. فلسطينيون يشيعون جثمان قائد بكتيبة جنين الشهيد إسلام خمايسة