الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية النازفة في العراق

محمد حسين الداغستاني
صحفي وشاعر وناقد

2008 / 5 / 15
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


على هامش الإستعداد لخوض إنتخابات مجالس المحافظات
الديمقرطية النازفة في العراق
إن كانت الديمقراطية الحقة تعني حكم الشعب لنفسه عبر الهيكليات التي يعتمدها أي مجتمع متحضر ينتمي الى زمانه ، بحيث يحول بين تطلعاته في الحياة الحرة الكريمة وبين نوازع الهيمنة والسيطرة الفردية ، التي تحيل حياة الفرد الى جحيم متواصل بعد أن تفقده قدرة إتخاذ القرار والمشاركة والإعلان عن الرأي المعارض ، فإنها أيضاً تعني التحلّي بقوة الإرادة في محاولة فهم الآخر والقبول بالقناعات المضادة وإعتماد روح التسامح والإنفتاح والإستماع لصوت الأغلبية حتى عندما تتقاطع مع المصالح أو القناعات أو العقائد المعلنة
وعندما إنهارت السلطة الفردية في العراق ، بغير وسائلها الديمقراطية وإنما بفعل قوة إحتلالية قاهرة وغريبة لا تمت للأرض والإنسان بأية صلة ، فإن بارقة من الأمل ( رغم ذلك ) كانت تشع في ضمائر الناس في بلادنا ، وتأمل أن يفلح التغيير من طرح بدائل جديدة تكون الأكثر قرباً الى طموحات الإنسان ، المسحوق ، المتألم ، المشحون باليأس والقنوط والدمار الداخلي ، وتمنحه فرصة ً للإعلان عن الذات ، وخلق مجتمع حضاري يتسم بسمات ديمقراطية مفتوحة ، يرتقي بالإنسان الى مستوى التطور الحضاري والنفسي والإجتماعي في العالم .
العودة الى المربع الأول !
لكن الذي حصل كان مخيباً للآمال ، فالديمقراطية التي وردتنا على أسنة الرماح لم تقوى على إفراز محاسنها ، بل تحولت الى حقوق وإمتيازات ومغانم لأطراف مدعومة من قبل سلطة الإحتلال ، وأخرى من قوى إقليمية ودولية مختلفة ، فإمتلكت القوة والسلاح والشرعية في خرق القانون ، ومنعت عن غيرها كل تلك المكاسب لمجرد مخالفتها في قناعاتها ، بل وصارت الديمقراطية بفعل الفوضى الضاربة أطنابها مجرد نكتة يتداولها العراقي المثخن بالجراح بعد أن أضحت العائلة التي لم تفقد أحد أفرادها في أتون جحيم الإحتراب الطائفي أو القومي لحد الآن ، معجزة إلهية ، وأصبحت عقوبة الإعلان والكلمة الحرة المناقضة لمفاهيم الآخرين هي التصفية الجسدية ، فيما عززت نتائج الإنتخابات التي شهدها العراق عقب الإحتلال من إتجاهات تجزئة الولاءات على أساس الطائفــــة أوالقومية أوالعشيرة .. الخ ، فعدنــا بذلك ( جميعاً) الى حافات المربع الأول الذي حلمنا بأننا غادرناه الى الأبد ! .
افادني أحد زملائي العاملين في حقل الصحافة في بغداد ، بأن التعبير (الديمقراطي) الذي يحلوا لنا التغني به لا يعني أحياناً سوى الموت الأكيد ، وأورد عددا من الشواهد لزملاء غادروا حياتنا لمجرد أن أعلنوا عن رأي يناقض رأي الواقف في الطرف المضاد لهم ، وإستعان بالأرقام المتزايدة لأعداد الصحفيين والإعلاميين الذين قتلوا في الآونة الأخيرة والذين هم على قائمة الإنتظار، والأعداد مرشحة لكي تتضاعف وتتكاثر كالخلايا المنشطرة في جسد منخور ، إنه لشئ مؤسف حقاً أن نتوقع كمائن الموت في كل زاوية من زوايا الطريق اليومي الذي نسلكه أو خلف الزجاجات المعتمة أو الأبواب الموصدة أو السراديب الرطبة ليس لشئ سوى لأننا نكون قد أبدينا رأياً خدش مشاعر شخص ما أو جماعة ذات سطوة ، فكانت الطريقة الوحيدة للرد هي التصفية !

تضحيات جسيمة ولكن ..!
يطيب للكثيرين أن يعددوا فضائل الديمقراطية الجديدة ، وكذلك نحن أيضاً ، فلقد وضعنا آمالاً كبيرة عليها ، إنما العبرة ليست بالممارسات الشكلية ولا بالأعداد الكبيرة لمنظمات المجتمع المدني أوالصحف والمجلات والقنوات الفضائية والمحلية التي أوجدتها ، لكن العبرة تكمن في أن الذي يوظف إحدى هذه الوسائل للتعبير الديمقراطي الحر عن الرأي قد لا تساوي حياته كلمته التي نطق بها .
إن التضحيات الجسيمة التي يبذلها العراقييـون اليوم كبيرة وتفوق قدرات العقل على الإستيعاب ، وهي (أي التضحيات) محصلة لتصارع القوى المتباينة في عقائدها وقناعاتها السياسية والدينية والإجتماعية الراسخة ، ولا شك أن خلق حاضنة حضارية طبيعية للديمقراطية منوط بمستوى الوعي الشعبي والقيم السائدة في المجتمع وليس بأي شئ آخر، لذا فإن كانت الديمقراطية هي الدواء الذي يعالج أمراض مجتمعنا (المتخلف) ، فهي بصيغتها القائمة وتطبيقاتها الفعلية في الميدان مكمن الداء وسبب البلاء الذي يلف البلاد ، فهاهي ألوف العوائل التي تفترش الأرض وتتلحف السماء في العراء أو تحت الخيم الممزقة ، وهناك الملايين من العراقيين المشردين والمصطفين أمام أبواب السفارات والمنظمات بإنتظار أن تتفضل عليهم بالفتات من حقوقهم الإنسانية المشروعة ، هذه الحقوق التي باتت مغيبة وتستصرخ ضمائر الإنسان أينما كان ، وتطالب بمعاملة مستحقيها كبشر ، وكضحايا لوضع ٍ مشوه جائر ، ولد من رحم الديمقراطية الجديدة التي صفقنا لها طويلاً والتي تحّولت في النهاية الى مخالب حادة نهشت لحمنا وفتتت أجسادنا وآلت أرواحنا بفعلها الى أشلاء من الحزن والكمد .
الخيار الديمقراطي أولاً وأخيراً
ولكي نكون واقعيين في الطرح ، ونحن على أبواب خوض غمار إنتخابات مجالس المحافظات ، علينا أن نقر بأن إستقرار التحولات الديمقراطية في بلادنا ، يرتبط مباشرة بإستقرار علاقاتنا المتكافئة مع المحيط الأقليمي والدولي ومع تياراتنا السياسية ذاتها ، فممارسات دول الجوار التي تبيح لنفسها التدخل في شؤوننا الداخلية وإثارة النعرات والصراعات التي توظفها لمصالحها هي دون مصالح شعبنا ، كما وأن الأهداف الدولية المريبة وخاصة لتلك التي ترفع لواء الديمقراطية في الوقت الذي تفوح رائحة إنتهاكاتها لحقوق الإنسان وإعتمادها للموازين المزدوجة في التعامل مع المسائل ذاتها ، تولد الشك في قدراتنا وفي إمكانات المجتمعات النامية كافة على تطوير ديمقراطيتها .
لكننا ورغم كل ذلك ينبغي أن لا نفقد الأمل في أن الديمقراطية في النهاية هي الحاجة الماسة لأي مجتمع يرنو الى تحقيق طموحاته الحضارية والإنسانية ، وإنها الوسيلة المثلى للإرتقاء بمستوى حياة الإنسان والمجتمع معاً ، وأن الإنحياز للمستقبل يوجب التأكيد على الخيار الديمقراطي أكثر من أي وقت مضى وأن الدم النازف يومياً يجب أن يثير فينا قوة الأمل والإرادة الفاعلة على ترسيخ قناعاتنا ، وتوحيد صفوفنا والإتفاق على توفير الأجواء الصحية لكي تورق شجرة الحرية والديمقراطية وتزدهر في وطن مشترك موحد ذو سيادة حقيقية ، يجمعنا ويضم كل طموحاتنا وآمالنا الفتية .
(*) صحفي وأديب عراقي / رئيس تحرير مجلة التضامن الشهرية / العراق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل.. تداعيات انسحاب غانتس من حكومة الحرب | #الظهيرة


.. انهيار منزل تحت الإنشاء بسبب عاصفة قوية ضربت ولاية #تكساس ال




.. تصعيد المحور الإيراني.. هل يخدم إسرائيل أم المنطقة؟ | #ملف_ا


.. عبر الخريطة التفاعلية.. معارك ضارية بين الجيش والمقاومة الفل




.. كتائب القسام: قصفنا مدينة سديروت وتحشدات للجيش الإسرائيلي