الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التكفير في التجربة الإسلامية

سامي العباس

2008 / 5 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


شكل التكفير في التجربة الإسلامية الغطاء الأيديولوجي لتشريع استخدام العنف في إدارة الإختلاف بين المسلمين ..
في الفضاء الثقافي المتشكل حول ظاهرة الوحي المحمدي , كان من السهل بعيد انقطاع الوحي - و في سياق الصراع على الزعامة الدينية –الدنيوية , بعد وفاة النبي - توظيف الاختلاف في تفسير النص المقدس لتبرير استخدام العنف وذر الرماد على الطابع الدنيوي للخلاف" بين بطون قريش في المرحلة الراشدية ولاحقا بين القبائل في العهد الأموي " . حدث ذلك والوحي ما زال ساخنا لم يبرد بعد .
.في وصبة الإمام علي بن أبي طالب إلى سفيره لخوارج النهروان " عبد الله بن عباس " والذي كرس لاحقا كحبر للأمة: " لا تجادلهم بالقرآن فهو حمال أوجه . جادلهم بالسنة " تحسسا مبكراً بهذه الإشكالية: " وحدة الحقيقة القرآنية وتعد د وجوهها " . الغنى الدلالى للعبارة القرآنية دفع الإمام علي بن أبي طالب للمراهنة على قدرة " السنة" - وهي التفسير النبوي للوحي المدوّن في المصحف - على ضبط نص " حمال أوجه " الى هذا الحد , من أن يغذي اختلافا بين المسلمين انزلق إلى العنف في "حربي الجمل وصفين "بالمبررات ..سقط هذا الرهان بعد أن تحولت "السنة" نفسها خزان مبرراتٍ , يغرف منه الجميع بغير حساب ..في هذه المعمعة أجمع المختلفون على تنويس الضوء حول الطابع الدنيوي لخلا فاتهم, استجابة لحاجة الجميع للإستقواء بالدين في حسم خلافاتهم ..وبالرغم من أننا لا نعدم في القرآن شذرات تمجد الاختلاف في الرأي وتصفه بأنه رحمة للأمة , إلا أن هذه الشذرات لم تتحول في الاستعمال إلى ثقافة سائدة ..بل إن نقيضها الأقصى – وهو التكفير – ظل بيضة القبان في الاستعمال السياسي للدين من قبل المسلمين ..لا يمكن فهم غلبة سياق " التكفير " خارج آليات إنتاج السلطة المحكومة بنمط الإنتاج الخراجي,بعد أن طوع هذا الأخير الإسلام لآليات إعادة إنتاج نفسه ..
هل يمكن فهم عودة التكفير إلى احتلال موضع الصدارة في خطاب السلفية الجهادية راهنا خارج سياق الحلم باستحضار الماضي الذي هبمنت فيه التشكيلةالخراجية ؟
للتأكد من هذه الفرضية هل يكفي تفحص آليات بزل الثروة في أمارة طالبان وفي أدبيات الجماعات الإسلامية التي تستحضر كثيرا في أدبياتها مصطلحات الجزية والخراج ؟
لا أميل إلى ذلك ..فالانطباع الذي تشكله خطابات وممارسات الحركات التي تنضوي تحت راية الإسلام السياسي في الشق الإقتصادي لا تخلو من البلبلة ..


في التحالف بين الفقهاء وبين العصبيات ذات الشوكة" القبلية العربية ولاحقا الفارسية والتركية ..الخ " كانت وظيفة الطرف الأول "الفقهاء " إلقاء رداء الشرعية الدينية على شرعة الغلبة للطرف الثاني في الشراكة ..قاد هذا الوضع إلى تحويل الصراع السياسي على السلطة بين العصبيات ذات الشوكة , إلى انشقاقات دينية تتبادل أطرافها الاتهامات بالكفر الصريح ..كان استقواء شرعة الغلبة بالشرعية الدينية كبديل للشرعية السياسية , في أس هذه الجدلية المتحكمة حتى الآن بالسيرورة التاريخية للمسلمين . لم نعدم في تاريخنا الإسلامي محاولات لشق سياق آخر ..هذا التوظيف الكبير للدين في السياسة ,كان لابد أن ’يرد عليه من داخل الدين ..فانبثق التصوف ..
التروحن- كقناة اتصال فردية بين المخلوق والخالق - كان الآلية التي تعمل على انتشال الدين من براثن النزعات الكلبية للبشر ..على هذه الآلية " التروحن "راهن التصوف .وفي هذا السياق النقدي لوظيفة الفقيه أنتج التصوف حديثا شريفا منسوبا للرسول "ص" فحواه : " أفت ِ قلبك ".. إلا أن التصوف وهو يضع نفسه في مواجهة مع الفقهاء كان تاريخيا يخوض معركة دونكيخوتية مع سيرورة للاجتماع البشري مهجوسة بإنتاج سلطة "وزع لما لايزعه الضمير".. محكومة بإطار تتناغم داخله سلطتا :الدين والمال ..


.."يزع السلطان ما لايزعه القرآن "لعل في هذا القول المنسوب للخليفة الراشدي الثالث "عثمان بن عفان " محاولة مبكرة لتحديد التخوم بين الدين والدولة سمحت للخليفة الراشدي الثالث بالتعبير عنها , التحولات بعد الفتح التي تجاوزت طاقة " وثيقة يثرب " على إدارة الأمور ,وأناخت" أي التحولات " بثقلها على الصحابة " النخبة الدينية – السياسية للإسلام المبكر "..بدأت القيود الثقيلة التي حّصن بها القرآن : دم المسلم وماله وعرضه من المسلم الآخر تحتاج لمن يفكها .. وفي هذا السياق برزت الحاجة إلى الفقيه .. سياق تتنامى فيه حاجة العصبيات ذات الشوكة المتنافسة على السلطة لاستخدام العنف داخل ما اصطلح على تسميته "بدار السلام "..كان التكفير هو الوسيلة لكسر التابو الذي حصن به القرآن مال المسلم ودمه وعرضه . وكان الفقهاء- الذين انخرطوا في استراتيجيات العصبيات ذات الشوكة المتصارعة لتأسيس سلالات حاكمة - حصان طروادة القلعة التي حصن بها القرآن دماء المسلمين بعضهم حيال بعض . على هذاالميل المتضخم لتوظيف الدين في السياسة انزلق المسلمون على نحو مبكر الى الحرب الأهلية الدينية ..ولقد أرسى الخوارج بشعارهم الديماغوجي "لاحكم الا لله " الدليل النظري لكل ذي شوكة يميل الى استخدام الدين في السياسة .. و بالرغم من إرهاصات تواتر ظهورها على مسار التجربة الإسلامية لرسم التخوم بين الحقلين الديني والسياسي أنظرللإمام علي بن أبي طالب تمييزه الحاسم بين معنى «حكم» ومعنى «أمر» عندما وصف شعار الخوارج " لاحكم إلا لله " بأنه : «كلمة حق يراد بها باطل. نعم إنه لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون: لا إمرة إلا لله. وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيه الأجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل...» - نهج البلاغة 1/87 - القاهرة (المكتبة التجارية الكبرى). ,فإن المحنة مستمرة .وقد اشتدت وطأتها في العقود الأخيرة بفعل تضخم الطلب الدولي لأسباب جيو استراتيجية على توظيف الإسلام كدين في الصراعات السياسية ..وتحول مناخ الحرب الباردة الى حاضنة دولية" أنظر التوظيف الأمريكي للإسلام السياسي في مواجهة الشيوعية وتيار القومية العربية " ثم مالبث هذا التوظيف أن التقط ميكانيزمه الداخلي , فانطلق من عقاله ليجتاح المجتمعات الإسلامية من خليج البنغال الى جبل طارق ..مع ذلك لامفر من هذا المأزق إلا بإعادة رسم التخوم بين السياسة "كفن إدارة الصراعات الدنيوية "عن الدين "كبطانة لينة تخفف ارتطام الروح بأسئلة الوجود "..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ